فيلم آخر هو "بطل: الفيلم الرسمي لكأس العالم 1986" (1987، توني مايلام)، الذي يصوّر صعود مارادونا المذهل إلى المجد في ميدان اللعب خلال كأس العالم 86 في المكسيك.
أدّت خلافاته وإثاراته المستمرة، بالإضافة إلى تحولّه إلى خيال الثقافة الشعبية، إلى جعله موضوعاً متكرراً حتى في الأفلام والقصص الروائية، كما في "
يد الله" (2021، باولو سورينتينو)، أو "إجرين مارادونا" (2019، فراس خوري)، الذي يعود بأحداثه إلى كأس العالم 1990، لنتابع طفلين فلسطينيين في رحلة بحثهما عن "اجرين مارادونا"؛ الملصق الأخير في ألبوم لاعبي منتخبات كأس العالم، للحصول على أتاري مجاني. أو في "طريق سان دييغو" (2006، كارلوس سورين)، حيث نقابل حطّاباً شابّا ارجنتينياً مهووساً بمارادونا: الرقم 10 موشوم على ظهره، ولديه ببغائان يصرخان "مارادونا" من حين لآخر. يمزح أصدقاؤه أنه ليس متزوجاً من زوجته بل من مارادونا. يعرف كل إحصائية ممكنة عن مسيرة مارادونا المهنية، ولديه قدر كبير من المعرفة فيما يتعلق بحياة بطله. في أحد الأيام يسمع الشابّ من أصدقائه أن مارادونا يعاني مشاكل في القلب (نتيجة لإدمانه المعروف على المخدرات)، فيقرر الذهاب في مهمة مقدّسة لمعبوده في المستشفى السويسري الأرجنتيني في بوينس آيرس (حيث يتعافى) ليسلّمه منحوتة خشبية على هيئته.
مساحة للجميع
بتغيير الموضوع والنبرة والأسلوب، لكن من دون ترك الخصوصية اللاتينية، يمكننا أن ندرج في هذه المساحة نماذج لافتة وغريبة نسبياً مثل الكوميديا المكسيكية "رودو وكورسي" (2005، كارلوس كوارون)، حول شقيقين فقيرين يعيشان في مزرعة موز في المكسيك. لاعبان موهوبان في كرة القدم، لكن أحلامهما تكمن في مكان آخر: يريد تاتو الأصمّ أن يصبح مغنياً، في حين أن بيتو يكتفي بالبقاء في المزرعة. في أحد الأيام، رأى وكيل رياضي الشابّين يلعبان كرة القدم ويعرض عليهما اصطحاب أحدهما إلى مكسيكو سيتي للحصول على فرصة للنجومية الرياضية. الموهبة والطموح موجودان أيضاً في قصة "أخّ" (2010، مارسيل راسكين)، وهو فيلم فنزويلي مأساوي يوضّح مرة أخرى أن كرة القدم، بالإضافة إلى تأليب الرجال ضد بعضهم البعض، يمكن أن تتحد بلا خجل مع غرائزهم الأساسية.
ومن أميركا اللاتينية إلى إسبانيا، حيث يعتبر الكثيرون هناك كرة القدم فناً، إذا صدّقنا الإعلان الترويجي للدوري الإسباني. تأتي اللعبة غالباً للقيام بدور الرابط المتين بين ذكور محبطين، كما في فيلم "أيام كرة القدم" (2003، ديفيد سوريانو)، حيث يتفق مجموعة من الأصدقاء القدامى أن الوقت قد حان لتغيير حياتهم فيقومون بإعادة تجميع فريق كرة القدم الذي كان لديهم عندما كانوا صغاراً، والفوز في النهاية بشيء في حياتهم، حتى لو كان كأساً صغيراً في ملعب لا يتسع سوى لسبعة لاعبين.
ثم هناك خطّ رفيع يمكن أن يفصل بين الخاسر والبطل، كما في "أطول ركلة جزاء في العالم" (2005، روبرتو سانتياغو)، حيث فرناندو، الرجل الذي يعمل في سوبر ماركت الحي ويلعب كحارس مرمى بديل لفريق كرة القدم، يجد حياته المملة تأخذ منعطفاً مثيراً عندما يلعب أخيراً مباراة لكرة القدم.
وأيضاً هناك مساحة لحكّام اللعبة، كما في الكوميديا السوداء "ماتياس، الحكم المساعد" (1995، سانتياغو أغيلار ولويس غوريدي). في الفيلم، ماتياس، حكم مساعد لكرة القدم، وعد والدته وهي على فراش الموت أنه لن يكذب أبداً. عندما كان يحكم مباراة لمنتخب إسبانيا، أشار إلى وجود ركلة جزاء ضد إسبانيا في اللحظة الأخيرة للوفاء بوعده. لا تتأهل إسبانيا لكأس العالم، ويضطر ماتياس إلى الفرار حتى لا يقتلوه. لجأ إلى مسقط رأسه، حيث يعيش والده، المدمن على الكحول والذي لم يره منذ سنوات. وسرعان ما انتهى به الأمر إلى اكتشاف أن جميع الجيران يقومون بتهريب الكحول.
(من فيلم اهرب)
في المنطقة الكوميدية أيضاً يلعب فيلم "اهرب" (2007، ألفارو فرنانديز أرميرو)، والذي يتابع حياة أحد الحكّام المرموقين في الدوري الإسباني أثناء مروره بوقت عصيب في حياته. سمعته المهنية تضررت مؤخراً نتيجة لسلسلة من القرارات المثيرة للجدل في المباريات الأخيرة. حياته الشخصية ليست أفضل بكثير، فهو ما زال يحبّ زوجته السابقة، ولتعقيد الأمور أكثر، تُعلن أن لديها حبيباً جديداً. في مواجهة هذا الموقف المحبط، يتخذ البطل قراراً محفوفاً بالمخاطر بتحكيم المباراة الأخيرة والحاسمة في الموسم مع أفضل مساعديه وأقرب أصدقائه. بعد أن يكشف له "سراً غامضاً"، سيشارك الاثنان في سلسلة من المغامرات الممتعة في طريقهما إلى اللعبة، حيث سيناقشان الحبّ والصداقة وكرة القدم.
ملاحم ونوادر
ولإعطاء خاتمة لطيفة للمقال، أود الإشارة إلى بعض الأفلام الخفيفة التي برأيي نوادر في مهمة توضيح الرياضة التي نتعامل معها هنا، بمعارضتها لكافة النماذج السالفة، وتقديمها قصصاً وحبكات يوتوبية وباعثة على إشعار مشاهديها بمشاعر طيّبة. ولا يتضحّ ذلك بصورة أفضل مما في ملحمة رياضية عن التمكين وتحقيق الأحلام بروح هوليوودية كلاسيكية من طراز "هدف" (2005، داني كانون)، والجزء الثاني منه من إخراج الإسباني خاومي كوليت سيرا.
يتابع الفيلم الأول حلم الطفل الفقير سانتياغو مونيز بأن يصبح لاعب كرة قدم محترف، رغم إدراكه لصعوبة تحقق حلمه. عندما يعبر الحدود من المكسيك وينتقل إلى أميركا مع عائلته، لا يأخذ معه سوى كرته الخاصة وصورة ممزقة لكأس العالم. عندما يكبر، يدرك أن الأرض الموعودة التي أخذها والده إليه ليس لديها الكثير لتقدمه لصبي شغوف بلعب كرة القدم. ولكن عندما رأى البريطاني غلين فوي، لاعب كرة القدم السابق الذي يأتي إلى الحي، سانتياغو يلعب في مباراة، يتعرّف فيه فوراً على لاعب كرة قدم ماهر وسريع وشجاع؛ نوع المواهب الذي يتوق إليه الدوري الإنكليزي الممتاز. يخبر غلين، سانتياغو أنه إذا سافر إلى إنكلترا، يمكن أن يجعله على اتصال بناد يعرفه جيداً: نيوكاسل يونايتد. يعتقد سانتياغو أن هذه هي الفرصة التي كان ينتظرها طوال حياته، ولكن بصفته مهاجراً غير شرعي، يعلم أنه إذا غادر فسوف يغيب عن عائلته إلى الأبد، لأنه لن يتمكّن من العودة.
بعد عامين من تحقُّق الحلم، يعود سانتياغو في الفيلم المتمم "هدف 2: عيش الحلم" (2007) نجماً ولاعباً مفضّلاً لجماهير نيوكاسل، تتمنّاه أكبر أندية أوروبا. وفيما تنظّم خطيبته ترتيبات حفلة الزفاف، يحقق حلمه بارتداء القميص الأبيض لفريق ريال مدريد ليزامل ديفيد بيكهام وزين الدين زيدان وراؤول. لكن عندما تغريه دخيلة شابّة طموحة وجميلة ومتعطشة إلى الشهرة، توشك حياته على الانهيار. يكتشف بعد ذلك الوجه الأكثر قتامة للنجاح، والذي سيقوده إلى تعريض حياته المهنية وصداقاته وزواجه المزمع للخطر.
في الفيلم الإسباني "النهائي الكبير" (2006، جيراردو أوليفاريس) يُعمّم الشغف بكرة القدم على المستوى الدولي، من خلال متابعة الحدث ذاته، من خلال ثلاث قصص متوازية، تظهر لنا مغامرات رجال يجمعهم شيئان مشتركان: العيش في مناطق نائية ومعزولة من الكوكب، والهوس بفكرة مشاهدة نهائي كأس العالم لكرة القدم 2002 بين ألمانيا والبرازيل. مفترق طرق للقصص العابرة للحدود ينعكس أيضاً في الفيلم الألماني "يوم في أوروبا" (2005، هانيس شتور). يروي الفيلم أربعة أحداث مماثلة وقعت في اليوم نفسه (ليلة مباراة في دوري أبطال أوروبا بين غلطة سراي التركي وديبورتيفو لاكورونيا الإسباني)، في الوقت عينه، في أربع مدن أوروبية (موسكو وأسطنبول وبرلين وسانتياغو دي كومبوستيلا). يتعرض أربعة مسافرين، في مواقع مختلفة، للسرقة ويجب عليهم التواصل مع الشرطة المحلية بشكل فعّال (بتجاوز الاختلافات اللغوية وصعوبة التواصل) لإيجاد مخرج.
(شاولين سوكر، 2001، ستيفن شاو)
لكن الفيلم الأكثر غرابة بلا شك هو الكوميديا الهونغ كونغية "شاولين سوكر" (2001، ستيفن شاو)، الذي يجمع بمهارة أعراف وخصائص كرة القدم المصورة مع جماليات فنون الدفاع عن النفس، في تحية واضحة لمسلسلات الأنمي اليابانية الأسطورية وأبطالها من لاعبي كرة القدم (أشهرهم بالطبع كابتن تسوباسا، أو "كابتن ماجد" كما نعرفه في النطاق العربي).
كونغ فو شاولين واحد من أقدم وأكبر الأساليب القتالية الأكثر شهرة في الكونغ فو، يجمع بين بوذية تشان وفنون الدفاع عن النفس. كان فناً يُمارس عبر العصور؛ ومهارة يتقنها القلب. في الفيلم، يصبح أكثر من مجرد فلسفة بالنسبة لستة شباب مؤمنين. يصير طريقة حياة كاملة. لكن مع تغيّر العالم من حولهم، حيث أصبح الشرف والانضباط فضائل منسية، فقدوا طريقهم، باستثناء أحد الأتباع المخلصين. بمساعدة نجم كرة قدم سابق، يجمع التابع المخلص بين أصدقائه القدامى غير المناسبين وغير الأكفاء، ويجنّد امرأة شابة تتمتع بمهارات غير عادية في الكونغ فو. معاً، سيجمعون بين القوة القديمة لشاولين مع لعبة كرة القدم الحديثة، وفي هذه الأثناء، قد يأخذون الرياضة الأكثر شعبية في العالم إلى أقصى درجاتها. باختصار، فيلم يعرض نسخة أخرى من كرة القدم، وبالرغم من ذلك لا تتوقف عن مشاركة خصائصها المحددة مع رياضة تحافظ على قدرتها التي لا يمكن إنكارها لإثارة جمهورها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها