الخميس 2022/10/06

آخر تحديث: 16:18 (بيروت)

آني إرنو تفوز بـ"نوبل للأدب"... كاتبة الذاكرة الشخصية والشجاعة

الخميس 2022/10/06
آني إرنو تفوز بـ"نوبل للأدب"... كاتبة الذاكرة الشخصية والشجاعة
increase حجم الخط decrease
أعلنت "الأكاديمية السويدية" في ستوكهولم، فوز الروائية الفرنسية آني إرنو (1940) بـ"جائزة نوبل للأدب". ولم يكن اسمها مفاجئاً، فهي في لائحة المرشحين منذ سنوات، وكان بعض التوقعات ركّز على أن لجنة نوبل ستختار امرأة لهذا الموسم في إطار السعي الى التوازن بين الجنسين، مع التذكير بأن الجائزة نالها 16 كاتباً فرنسياً حتى اليوم.

ويشير بيان الأكاديمية إلى أن الدافع وراء منحها الجائزة هو "الشجاعة والدقّة في المعالجة اللتين تكشف من خلالهما الجذور والاغتراب والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية". وعُرفت روايات إرنو بتمركزها، إلى حدّ بعيد، حول تجاربها الخاصّة والحميمة، إذ لا تغادر أعمالُها مواضيعَ مثل الأزمات العائلة، والإحساس بالعار تجاه الطبقة التي تنتمي إليها، إضافة إلى كتابتها عن علاقاتها العاطفية من دون استعارات أو تورية، وهو ما تسبّب في إثارة العديد من النقاشات الحادّة عند صدور عدد من أعمالها".

وقال رئيس لجنة نوبل، أندرس أولسون، إن آني إرنو، "تؤمن بوضوح بالقوة المحررة للكتابة عملها لا هوادة فيه، ومكتوب بلغة واضحة ونظيفة. وعندما كشفت بشجاعة كبيرة وذكاء إكلينيكي عن معاناة تجربة الطبقة، واصفة الخزي أو الإذلال أو الغيرة أو عدم القدرة على رؤية من أنت، فقد حققت شيئًا مثيرًا للإعجاب ودائمًا". أضاف أولسون: "على الرغم من أسلوبها الكلاسيكي المميز، فإنها تعلن أنها عالمة إثنولوجيا خاصة بها، وليست كاتبة روائية. وتأثرت بشدة بعلم الاجتماع مثل بيار بورديو".

ولدت آني إرنو العام 1940 في مدينة "ليلبون"، حيث نشأت في كنف عائلة متواضعة، في "إيفتو" (منطقة النورماندي). تقول في حوار صحافي: "نشأت كطفلة وحيدة في محلّ بقالة ملحق بمقهى كان والداي يمتلكانه، فكبرت بين الناس والزبائن الذين يأتون ويذهبون، كان هناك دائمًا أشخاص حولي أكثر من أبي وأمي، لم أشعر أبدًا بنفسي محبوسة في عائلة، ولم أكن أرى نفسي ووالديّ كعائلة منفصلة عن الآخرين، صحيح أننا كنّا ثلاثة أفراد، أقارب بالدم، بالتأكيد، لكن العالم والأشخاص من حولنا كانوا على القدر نفسه من الأهمية بالنسبة لي، والشيء نفسه كان ينطبق على والديّ، حيث كان عليهما توفير قدر كبير من الاهتمام والوقت لعملائهما أكثر من توفيرهما لي، لطالما كانت بيئتي هي السر الذي يمد حياتي بالقوة والإصرار". ثم جاء موت شقيقتها البكر بمرض "الخانوق"، قبل مولدها، ليَسِم حياتها اللاحقة. وبعدما تابعت دراستها في الآداب المعاصرة، درّست اللغة الفرنسية، وتزوجت العام 1964. بدأت مسيرتها الأدبية عندما أطلقت كتاب "الخزائن الفارغة" في العام 1974، رواية من نوع السيرة الذاتية، وكانت تعمل في التدريس واستمرت في هذا المجال حتى العام 1977. انتقلت من التعليم إلى الكتابة وتقول انها، منذ البداية، اهتمت بأن تقيم نوعاً من الحوار بين المجالين. حين بدأت الكتابة كانت أستاذة في الجامعة، وكانت تدرِّس مادة تعلم الكتابة، وهذا ما دفعها إلى الأدب.

حين انفصلت عن زوجها في العام 1980 كانت قد أنجبت طفلين. في العام 1984 نشرت رواية "الساحة"، كتاب سردي صغير استدعت فيه صعودها الاجتماعي الذي جعلها تبتعد عن أهلها، وجاء هذا الكتاب بداية لما عرف في ما بعد باسم تيّار "التخييل الذاتي". وقد بدأت كتابة إرنو تتركز عبر سبر أغوار الواقع الحميمي، أكان ذلك في شكل الرواية (السيرة الذاتية) أو في شكل "اليوميات"، إذ تخلت عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية، لتركز على تلك "الرواية" المستمدة "أحداثها" من سيرتها وفرديتها وعلاقتها بوالدتها أو بجسدها. من هنا، أصبحنا نجد أن كلّ رواية من روايات الكاتبة الفرنسية، آني إرنو، تدور حول "تيمة" معينة. ففي كتاب "الإحتلال" وهي رواية رومانسية تقترب من الذات الأنثوية، عندما تتملكها "الغيرة" ولا يبقى رفيقاً للمرأة سوى الألم، تمسي الذاكرة خشبة خلاص تتشبث بها فتغالب الوحدة والأيام المتشابهة. ذات يوم تعلم بطلة القصة بأن عشيقها السابق –وهي التي تركته، رافضة أن تستمر في العيش معه- قد اتخذ لنفسه صديقة جديدة. ومن هذا الخبر تبدأ رحلة الآلام، فتتولد عندها غيرة قاتلة.

وفي كتاب "قصة امرأة"، تتحدث الكاتبة عن أمها، وهو يقع بين الأدب وعلم الإجتماع والتاريخ. وفي كتاب "شغف بسيط"، تتحدث عن الانتظار العاشق، ونجح الكتاب فعلاً في طرح العديد من هذه الأسئلة الوجودية التي تلفنا، فهي تعرف كيف تطرح السؤال الفلسفي حول علاقتنا بالآخر، بالجنس، وحتى بكتابة هذه القضية الجنسية. في كتاب "الحدث" تتحدث عن الإجهاض، فتقول: "أنا أدرك اليوم أنني كنت في حاجة إلى هذه المحنة وهذه التضحية من أجل أن تولد في أعماقي الرغبة في إنجاب أطفال، وأن أقبل عنف هذا التكاثر في جسدي وأتحول بدوري إلى معبر أجيال. انتهيت من تجسيد ما بدا لي شبيهًا بتجربة إنسانية كاملة، تجربة الحياة والموت، تجربة الزمن والأخلاق والممنوع والقانون، تجربة عشتها من أولها إلى آخرها عبر الجسد، عبر الكلمات".

وفي العام 1984 فازت إرنو بجائزة "رينو" لأعمالها الأدبية للسيرة الذاتية الأخرى. "مكان المرء"، سردية سيرة ذاتية تُركز على علاقتها مع والدها وتجربتها في النشأة ضمن بلدة صغيرة في فرنسا. استعراض بانورامي سريع، لكنه شامل تقريباً، لحياة الكاتبة، وأسرتها، والفجوة التي صنعها انتقال الكاتبة إلى وسط اجتماعي مختلف، برجوازي كما تصفه، من وسطها القروي قليل التعليم، أو الجاهل كما ينظر إلى نفسه ذلك المجتمع. هذا الوعي المرضي بالذات، الوعي بهذا النقص العصيّ على التغيير، والشعور دائماً بالقلّة، وانعدام المنافسة على مستوى الأسلوب، كان متمثلاً بشكل ساخر في تصرفات والدها التي بدأت الرواية من لحظة وفاته، ثم تعود من هناك، بطريقة الفلاش باك في استعراض محايد تقريباً، منفصل بشكل كامل عن الإدانة، ومتعالياً عن التحليل.

صنفت صحيفة "نيويورك تايمز" كتبها "قصة امرأة" و"مكان المرء" و"شغف بسيط" على أنها من الكُتب البارزة. و"قصة امرأة" كانت من الروايات المرشحة لجائزة لوس أنجليس تايمز للكتاب، ومذكراتها "ما زلتُ في الظلام" العام 1999 لاقت استحساناً كبيراً من صحيفة "واشنطن بوست". وكتاب "الحيازة" أدرجتهُ مجلة "مور" ضمن أفضل عشرة كتب للعام 2008. واعتُبرت مذكراتها "السنوات"، العام 2008، أعظم أعمالها، كما أنها لاقت استحساناً كبيراً عند النقاد الفرنسيين. وفي هذه الرواية تُشير إرنو إلى نفسها بضمير الغائب "هي" (elle) للمرة الأولى، وتُقدم نظرة حية على المجتمع الفرنسي من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى أوائل القرن العشرين.

اجتازت آنّي إرنو درجات الشهرة على مراحل، وتعتبر اليوم إحدى أهمّ الروائيين المعاصرين. بالمختصر تكتب نوعاً فريداً من النصوص. تتأرجح بين القصة والرواية، تلك التي تسعى ألا تكون مجرد رواية أو قصة قصيرة. هي نصوص تدنو من واقع الحال والسيرة، والسيرة الذاتية، والذاكرة والأحلام. وتركز على الزمن كشخصية رئيسة في معظم أعمالها. وتحتل المرأة مكان الصدارة، سواء كانت هي البطلة أو من يحيطون بها. بل تكتب إرنو نثراً شغوفاً وشيقاً، لكن من دون اللجوء إلى الإطالة والحشو. يقال إنها تقتدي بسيمون دو بوفوار. ترى نفسها في النهج الذي اتبعته في كتاباتها وسلوكها. هناك من ينظر إليها أحياناً بصفتها كاتبة فضائحية، وأنها مرات تكتب بأسلوب أناييس (نسبة إلى أناييس نِن). وهي تقول عن ذلك أنها تحاول أن تروي جوانب حياتية غالباً ما يُحجم الآخرون عن الاكتراث بها. وهي ترى أن الكتابة نوع من ممارسة الكذب من أجل نقل أشياء تتعلق بالحقيقة. ويقول الناقد ابراهيم الخطيب: "رغم أن أعمالها الأدبية قُرئت أحياناً، من وجهة نظر «نسوانية»، إلا أنها تبقى، في النهاية، منفتحة على سياق أدبي أرحب. لقد استوعبت تقاليد الكتابة السيرذاتية الأوروبية، فزاوجت بين صدقية البوح الديني وبين مقاربات عصر النهضة، حيث يتم التساؤل عن مركزية دور الذات في المعرفة". 

على أن اختيار آني إرنو أحدث الكثير من الجدل الفايسبوكي.

يقول الشاعر المغربي مبارك وساط: "جائزة نوبل للآداب تكون - إلّا في ما ندر مِن نصيب الأوروبيين أو الأمريكان... لا جدال في هذا... إنّما اختيار آني إرنو هو أحسن بكثير من اختيار ويلبيك مثلاً... نتمنى أن تنتفض الأكاديمية السويدية على نزوعها إلى التمركز في ما هو أوروبي وأميركي، في ما يخصّ جائزة الآداب على الأقلّ، لكن ذلك لا يبدو قريباً بتاتاً".

وكتبت الروائية لنا عبد الرحمن: "فرحت جدا بفوز آني إرنو بجائزة نوبل، على مدى سنين ظلت آرنو  منغمسة بفعل الكتابة بإخلاص تام، أرى أن حصولها على الجائزة منصف لها بعد هذه الاعوام التي أمضتها في الكتابة والعزلة واختيارها الابتعاد عن الأوساط الثقافية.
تترسخ كتابة آرنو في العلاقة مع الزمن بكل أشكاله، وهذا جلي جداً في كل نصوصها. ثمة حضور للأنا الشاهدة، في مقابل العالم الخارجي كله الذي تراقبه على مدار حياتها الطويلة، والتي تجاوز زمن الكتابة فيها أكثر من ستين عاماً، أمضتها صاحبة "المكان" التي بلغت الثمانين من عمرها، وهي تصوغ هويات أبطالها، وتنسج حولهم حكايات عميقة وحميمة وبسيطة في آن واحد. لا تنتمي آني إرنو إلى الكاتبات اللواتي يدعين القتال من أجل أفكار أكبر من الكتابة، إنها أكثر القضايا الجديرة بالنضال من أجلها، وعبر الكتابة تطرح كل ما تود الدفاع عنه. لقد اختارت أن تكتب ما تريد بعزلة وصمت، من دون أن يعنيها أن تكون مرئية جداً في الوسط الثقافي الباريسي، لذا فضلت البقاء على مسافة آمنة كأنها تحمي نفسها من غواية الشهرة التي جاءتها متأخرة نسبياً".

وكتبت الشاعرة والأكاديمية المغربيو عائشة بلحاج: جائزة نوبل هذه السنة تذهب إلى الفرنسية آني إرنو. النتيجة، من وجهة نظر قارئة لبعض أعمالها، بالدرجة الأولى، غريبة. بل أستطيع أن أقول إنني شعرت بالامتعاض حالما بلغني الخبر. كنّا نعذر الأكاديمية في اختيارها كتّاباً لم يبلغوا شهرة كبيرة، حتى وإن كان غيرهم أولى بها. لكنها اختارت هذه السنة، كاتبة معروفة. وفي هذه الحالة كان يجب أن تمنحها لمن يستحقها أكثر من المشاهير. على رأسهم ميلان كونديرا ومارغريت أتوود. آني أرنو لا تقترب منهما، ولا من كثيرين غيرهما. المردود الايجابي للجائزة على القارئ العربي أنه بفضلها ستُعاد ترجمة أعمالها بشكل أفضل.

واللافت أن معظم أعمال إرنو مترجم الى العربية، وصدرت ترجمات عن منشورات "الجمل" ودور عربية أخرى بطبعات مختلفة. في أيار/مايو 2018، وقّعت الكاتبة عريضة، بالتعاون مع شخصيات من عالم الثقافة، لمقاطعة موسم الثقافات بين فرنسا وإسرائيل، والذي يعتبر، وفقًا للعريضة، بمثابة واجهة لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها