الإثنين 2022/10/03

آخر تحديث: 12:14 (بيروت)

الأفلام الإباحية في فرنسا.. بين الثقافة والجريمة

الإثنين 2022/10/03
الأفلام الإباحية في فرنسا.. بين الثقافة والجريمة
increase حجم الخط decrease
بات الترويج للأفلام والصور الجنسية إحدى الآفات التي تشكل خطراً على صحة المجتمعات، وهو ما لم يكن عليه الأمر قبل عقدين من الزمن، عندما اقتصرت المسألة على بعض الأفلام الإباحية التي كانت تخضع للرقابة المشددة، ولهذا كان تداولها يتم عن طريق التهريب سراً كالمخدرات. أما اليوم، فلم يعد أحد بمنأى عنها، بدءاً من عمر عشر سنوات، طالما أنه يمتلك جهاز هاتف نقال، أو لديه إمكانية الوصول إلى الانترنت.

ورغم أن هذه الحقيقة تشكل قاعدة عمل الأجهزة المتخصصة بمكافحة مخاطر هذه الآفة الجديدة، فإن نسبة مرتادي مواقع الانترنت الإباحية في ازدياد في كل عام. وأكثر الفئات تعرضاً للأضرار هم الفتيان والمراهقين والشباب، الذين تشير إحصائيات فرنسية رسمية إلى أن 53% منهم يتصفحون هذه المواقع، رغبة في التعلم وتكوين ثقافة جنسية، ونصف هؤلاء يصنفون أنفسهم في خانة المتابعين الدائمين، وتتجاوز 90% نسبة أولئك الذين يصلون إليها من طريق هواتفهم الذكية. ولحسن الحظ، يدرك 80% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عامًا، أن الإباحية تنقل صورة خاطئة ومهينة عن النشاط الجنسي للمرأة.

تبدأ الحكاية بأن يعثر المتصفح على موقع إباحي في الإنترنت أو يخبره أصدقاءه عنه، ولذلك يذهب إلى هناك ليرى، لكن شيئاً يؤدي إلى شيء آخر، ومن النقر للنقر، يجد نفسه في موقع آخر لا يعجبه كثيرًا. يرى صورًا يجدها عنيفة، تصدمه. وهنا من البديهي أن تطرح الأسئلة، من المسؤول؟ من فعل شيئًا خاطئًا بموجب القانون؟ ماذا يقول القانون عن المواد الإباحية؟ عندما نشاهد الإباحية، هل نحن خارج القانون؟ هل الإباحية ممنوعة؟

الإباحية هي صناعة عالمية، تدر أرباحًا هائلة. وبخلاف كونها تجارة مربحة للغاية، لا تحترم دائمًا الحقوق الأساسية للناس، وكرامتهم. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي حتى إلى الاتجار بالبشر. والثابت هو أنه يصعب التحكم في المحتوى غير القانوني، إذ تسعى منصات للتحايل على قوانين وضرائب دولة ما، من خلال إعلان نفسها في دولة أخرى. وغالبًا ما تكون مخاطر تعرض الأشخاص للاستغلال عالية جدًا وبطرق مختلفة. ولا يتم دائمًا احترام قوانين الحماية، كما لا يتم احترام شروط السلامة والصحة. وعلى سبيل المثال، يتم تشجيع الممثلين في بعض الأحيان على ممارسات تعرضهم للخطر، ما يشجع المشاهدين على عدم حماية أنفسهم في العلاقات، التي تربطهم بشركائهم، وتعريض أنفسهم للخطر بدورهم.

في فرنسا، لا يحظر القانون مشاهدة المواد الإباحية، ولا ممارستها، باستثناء القُصّر. وكل من يشاهد المواد الإباحية في عمر أكبر من 18 عامًا، لا يفعل أي شيء يعاقب عليه القانون. لكنه إذا كان قاصرًا، فإن العدالة تحاول منعه من مشاهدة المواد الإباحية لحمايته من المحتوى، الذي قد يصدمه أو يعطل حياته الجنسية في المستقبل. ولهذا السبب تم تعزيز شروط الوصول إلى المواقع الإباحية للقصّر، في العام 2020، وحظر القانون استخدام الأطفال في المواد الإباحية بشكل صارم، إنتاجها أو مشاهدتها، بما يعاقب عليه القانون بشدة.

الخلاصة هي أن ربع شباب فرنسا على الأقل، يكون ثقافته ومعارفه عن الجنس والعلاقات الحميمة من طريق مواقع متخصصة بتجارة المواد الإباحية، ومع أن هذا الرقم يصدم الأوساط الأهلية والتربوية والقضائية، فإن المخاطر تتجاوز الضرر المباشر إلى القاصرين أولاً، الذين يقعون في دائرة المراهقين والفتيان، وما تتركه هذه المواد عليهم من آثار نفسية وتخلق تشوهات نفسية تساهم في تكوينهم الثقافي ورؤيتهم للحياة العاطفية والأسرة والمرأة التي يقع عليها قسط كبير من الأضرار من خلال العنف، وهذا أمر تناولته الكثير من التقارير التربوية والبرلمانية ومنظمات الدفاع عن النساء وحقوق الإنسان.

جملة من المؤسسات تفرغ نفسها لمواجهة هذا الفضاء المفتوح على شتى أصناف المخاطر، التي لا تقف عند الضرر النفسي، بل تنسحب على انتشار الأمراض الجنسية والمخدرات والعنف والجريمة، وخصوصاً الاتجار بالبشر، وينشط العديد من هذه المؤسسات في مطلع العام الدراسي، ويمكن في هذا الوقت من العام الاطلاع على عشرات التقارير المهمة في مواقع الكترونية خاصة بمؤسسات التربية، وهي متاحة للجميع وتحمل تحديثات لما يستجد من معلومات ودراسات وأخبار عن هذه التجارة، التي تميل الهيئات المتخصصة إلى تصنيفها في خانة عالية المخاطر، ولذا يجري بين حين وآخر إغلاق مواقع، ورفع دعاوى ضد أفلام وإيقاف سيناريوهات واعتقال عاملين في هذا الحقل، من منتجين وممثلين يخالفون قواعد المهنة.

وآخر تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، الصادر في 27 أيلول الماضي، جاء فيه: "منذ ظهور منصات الإنترنت الرئيسية في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح نشر المواد الإباحية هائلاً"، الأمر الذي "ساهم في عودة ظهور المحتوى العنيف بشكل متزايد، من دون أي رقابة أو مراعاة للظروف التي بموجبها يتم إنتاج هذا المحتوى". ويدعو التقرير إلى أن تصبح الحرب ضد هذا العنف "أولوية للسياسة العامة والجنائية"، وهو يستنكر على نحو صريح" الظروف المروعة التي تتعرض لها ممثلات في الأفلام الإباحية من عنف منهجي"، ويسميهن النساء "المستغلات"، ويقدم توصيات لمنع القاصرين من الوصول إلى المواقع الخاصة، ونشر الوعي بأضرار المواد الإباحية على القُصّر الذين يتعرضون بسهولة للمحتوى المؤلم، ويطالب الحكومة "أن تقود الاتهام ضد انتهاكات صناعة الإباحية". واستند التقرير الى شكاوى جمعيات نسائية دعت إلى تصديق الضحايا والاستماع إليهم، ويدعو العدالة لتؤدي وظيفتها"، ويأتي هذا التقرير البرلماني في الوقت الذي تعرض فيه ما يسمى "المجتمع الإباحي" الفرنسي منذ عامين إلى تحقيقات قانونية، استهدفت منتجين وممثلين وصنّاع محتوى ومنصات، وتم احتجاز ثلاثة ممثلين ومخرج، الأسبوع الماضي، بتهمة الاتجار بالبشر أو الاغتصاب الجماعي أو القوادة.

وللمرة الأولى في تاريخ البرلمان، يتم تخصيص تقرير إعلامي بالكامل لممارسات صناعة المواد الإباحية. ويعتبر البعض هذا التقرير قوياً في مسارات عديدة، سواء من حيث المحتوى، أو من حيث تنظيم المسألة، بحيث تُضاف إلى قانون العقوبات "جريمة الاستفزاز المباشر لأعمال العنف أو الإذلال الجنسي أو تمجيد هذه الأفعال عن طريق نشر صور لأفعال غير محاكاة". وسيعتبر القانون أن "المشاهد التي يتم تصويرها هي جريمة جنائية". وهذا من شأنه أن يجرّم في الوقت نفسه مستضيفي المحتوى وواضعيه في الإنترنت ومشاركيه من قبل مستخدمي الإنترنت. وفي مواجهة وقائع "العنف المنهجي ضد المرأة"، يقترح أعضاء مجلس الشيوخ "جعل العنف الجنسي المرتكب في سياق المواد الإباحية جريمة تحريض على جريمة جنائية (الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي)". وبهذه الطريقة، فإن هذا العنف "وكذلك التحريض، في محتوى إباحي، على ارتكاب العنف"، سيعاقب جنائياً.

إلى ذلك، يعترف 41% من الشباب أن أفلام البالغين، كان لها تأثير كبير في ممارساتهم الجنسية. وناهيك عن المراهقين والشباب، يحمل ربع الفرنسيين الرأي نفسه. ويعتبر هؤلاء أن الإباحية كانت مهمة جدًا لمعرفتهم وتفضيلاتهم وممارساتهم الجنسية. لكن كيف يحمي المشاهد نفسه من الجانب المظلم لمقاطع الفيديو هذه التي لا تمثل الواقع؟ يبقى الرهان على العقل النقدي عند مشاهدة الأفلام الإباحية، بينما يقتصر دور القانون على المساعدة في الحفاظ على الحدود، وحماية الضعفاء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها