الجمعة 2022/10/21

آخر تحديث: 19:42 (بيروت)

فستان سيرين وتشادور زهراء

الجمعة 2022/10/21
فستان سيرين وتشادور زهراء
increase حجم الخط decrease
صحيح، وصحيح جداً، أن مقولة "نحنا ما منسقط" حين تقولها سيرين عبد النور، مختلفة عن "نحنا ما مننهار" الشهيرة لزهراء قبيسي.. وخطأ أيضاً. صحيح أن العِبرة، كل العِبرة وكل الاختلاف، في تشادور زهراء، وفستان سيرين المنحسر عن الكتفَين.. وخطأ أيضاً. ورغم انقسام المغردين اللبنانيين على محور واحد، هو "بيئة حزب الله" في مقابل بيئة "موريكس دور"، ولماذا نالت سيرين التصفيق ونابَ زهراء التنمّر، فإن المحور هذا ليس واحداً، بل مَحاور، إنما تجمع بينهما وتفرّقهما في الوقت نفسه، كلمة واحدة: إيديولوجيا.

إيديولوجيا زهراء واضحة، في لباسها وانتمائها الطائفي والحزبي. لكن الإيديولوجيا هذه لم تكن، في حد ذاتها، المنبع الفعلي للسخرية العارمة منها، حينما خرجت في تلك المقابلة عبر "المنار" لتتحدث عن التفاؤل والحلول للأزمة الاقتصادية وأنها تثابر بموجب تربيتها الزينبية المتقشفة، المتواضعة، والمقاوِمة للصعاب. الأساس هو أنها الإيديولوجيا المرتبطة بالطرف الأقوى في البلد، وبالتالي أحد المسؤولين الأساسيين عن المسار المفضي إلى الأزمة، وذلك بعد أشهر قليلة على اندلاع انتفاضة 17 تشرين، وبداية الانهيار المتزايد استفحالاً حتى اللحظة.

كان هذا التشادور بالذات، الرمز البحت لحزب الله، هو الذي يخاطب اللبنانيين في لحظات موجعة، يبثهم أملاً مستخفّاً بعقولهم ومعاناتهم وحقوقهم: شدّوا الحزام، وإن طارت أموالكم وتقهقرت ليرتكم، لا تلوموا أحداً ولا تنشغلوا بمحاسبة أو احتجاج، عيشوا فانتازيا المشاريع الصغيرة، تنفّسوا وآمِنوا باللاشيء، اقتدوا بالسلف الصالح وتجرعوا المعنويات المفبركة ذاتياً مع قهوة الصباح، وستنجون، هكذا من تلقائكم.

وسيرين أيضاً.. إيديولوجيا. لبنان واللبنانيون الأجمل والأكثر إصراراً على حب الحياة، وإن استحالت. عنزة، ولو رفرفت بجناحين وحلّقت. سيرين، صورة نمط الإنتاج وعلاقاته في عالم رأس المال وصناعة الترفيه، بما هو استهلاك ووهم، تخدير وانفصال عن الواقع اللبناني. إيديولوجيا رغد العيش وسِلعه للجميع، والتي تُعدّ، هي أيضاً، مسؤولة عن نجاح المصارف ومصرف لبنان وأرباب الدولة في نفخ الفقاعة الاقتصادية التي انفجرت أخيراً في وجوه الناس، فزادت الفقراء فقراً ونسفت الطبقة الوسطى.. وما زالت تفرقع بكامل زخمها. سيرين، هي الأخرى، بما تمثّل بالمعنى هذا، خطاب يقفز فوق معاناة مَن لا يجدون الدواء، ويتقاضون رواتبهم فُتاتاً بالليرة اللبنانية. يكنُس مَن سقطوا وانتهوا فعلاً، تحت ذيل فستان سهرة زهري يبرق.

محمد كوثراني؟ إيديولوجيا فاقعة، عصبوية شعبوية برتبة "انفلونسر"، وبالقدر الذي تتيحه مخيلة "حزب الله" ما بعد السيد المُعمّم سامي خضرا، للتمدد في السوشال ميديا وجمهورها من الأنصار والخصوم على حد سواء. وكذلك فارس سعيد، كلما غرّد "لبنان الذي يشبهنا"، ايديولوجيا. حزب الله وولاية الفقيه ومدرسة الباسيج، في مقابل ميشال شيحا الذي لا يتقادَم ولا يموت.

والفتاة التي ظهرت في تلفزيون العونيين، فنالت نصيبها من حجارة الفايسبوكيين؟ إيديولوجيا مدمجة على مقاس الأبوَين المقدّسين المعصومَين، منذ توقيعهما "تفاهم مار مخايل". هي أيضاً طالبت اللبنانيين بشهق أنفاس إيجابية عميقة، للطيران فوق "النقّ" على الانقطاع شبه الكامل للتيار الكهربائي، وأزمة الطاقة هدراً وفساداً، والتي يُسأل عنها قادة التيار العَوني أولاً وحتماً. لكن المساءلة والرفض يصبحان فجأة سلوكَين سلبيَين، "كارما" مؤذية تنال من هالة الطاقة المفترض أن تشعّ من أجساد المواطنين وعيونهم وآذانهم، دون لمبات بيوتهم وبرّاداتها.

الإيديولوجيا، بما هي "سيستم" معتقدات وأفكار عن الواقع والعالم حول واحدنا، قد تكون أحياناً نتاج الممارسات الاجتماعية، وليس العكس. "الأفكار مادية"، قال لويس ألتوسير حينما استشهد بـ"النصيحة الفاضحة" التي وجهها الثيولوجي والمُنظّر بلايز باسكال لغير المؤمنين: "إركعوا وصلّوا، وبعد ذلك ستؤمنون". والأيديولوجي ليس معتقدات ذاتية موجودة في العقول الواعية للأفراد، بل الخطابات التي تنتج هذه المعتقدات والمؤسسات والطقوس التي يشارك فيها الأفراد.

هكذا، ثمة من شارَك زهراء وكوثراني، وثمة من شارك سيرين وحتى فتاة الطاقة البرتقالية. لكن ثمة من ضحك بعد سماعهم جميعاً، وربما بكى. الإيديولوجيا هزيمتها، في ملعبها، سهلة، على عكس الأزمات التي أنتجتها ولا يستسهل حلولها ومواجهتها إلا الإيديولوجيون.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها