الأحد 2022/10/16

آخر تحديث: 09:18 (بيروت)

"هيكالو" ليحيى جابر.. عباس جعفر، حي الشراونة والتسامح

الأحد 2022/10/16
"هيكالو" ليحيى جابر.. عباس جعفر، حي الشراونة والتسامح
أنا ابن حرب، أتعرف على بيئات مجتمعي من خلال هذه الأعمال
increase حجم الخط decrease
منذ عمله الأول "ابتسم انت لبناني" والشاعر والمخرج، يحيى جابر يخطو بخطوات واضحة نحو فكفكة المجموعات اللبنانية بعاداتها وتقاليدها وخوفها من الآخرين. في عمله الجديد "هيكالو" الذي يعرض بعد أيام في مسرح المدينة(الحمرا)، يتابع بحثه الميداني عن المرويات والشخصيات الحقيقية التي تكوّن عرضه المسرحي كتابة واخراجا على الخشبة.

 

واختار جابر "حي الشراونة" الذي يقع عند مدخل مدينة بعلبك الشمالي. ليكون المكان الذي ينطلق منه العرض وهو مسقط رأس عباس جعفر، ممثل مسرحيته والوجه التلفزيوني المحبّب الذي عرفناه في البرامج الترفيهية والاسكتشات الضاحكة محافظاً على لهجته البعلبكية. في "هيكالو" يكشف يحيى جابر عن ممثل بمهارات عالية وحضور ملفت، وهو يخبر حكاية اصل عائلته التي جاءت من بلدة الدار الواسعة، لتقيم في بعلبك عام 1958، عندما عرفت بمهرجاناتها العالمية وازدهارها وانمائها السياحي. لجأ جعفر الجد الى المدينة طمعا بدراسة ابنه شهادة السرتفيكا التي، يندر وجودها في القرى والبلدات النائية. عاش يحيى جابر مع شخصيات مسرحيته أياما وأسابيع، وفكفك سوسيولوجيا وجهة نظر ما يحيط بهم، وما ولد معهم منذ عقود من عادات وقيّم عشائريّة ترعرعت على المقلب الاخر من دولة اللاعدالة في الإنماء والإهتمام.

سؤال المؤلف

على الرغم من جنوح يحيى جابر نحو الكوميديا السوداء والسخرية، لاستخدامها أداة حادة من أدوات تشريحه للمجموعات اللبنانية في أعماله السابقة، كان واضحاً طغيان الدراميّة على "هيكالو"، العيش مع السواد والموت اليومي فرض ايقاعه على احداث العرض. من حوارية العرض يردد الممثل عباس جعفر: "الميت هو حاكمنا" في وصفه لحكم الثأر الذي ذهب ضحيته والده وهو في سنة ولادته الأولى. وعن السواد يقول يحيى جابر: "لا أعمل مثل معظم المؤلفين اللبنانيين الذين يكتبون الثيمات الجاهزة. الأرض والناس التي عليها تفرض عليك شكل العرض". في مناطق أحداث مسرحية "هيكالو"، يعيش الناس على حكم وأمثال صنعوها بخوفهم وقدرهم المحتوم. الجنازات أكثر من الافراح. والكلمة الفصل للميت في قبره ليقرر مصير الأحياء. يقول جابر "لم يسبق أن تعامل أحد مع هذه البيئة فنياً وثقافياً وسوسيولوجيا، كانت مهرجانات بعلبك تقام بإسم منطقتهم وهم شهود من خلف السور عليها. أنا كشاعر ومؤلف أحمل هاجس هذه الأسئلة، أبحث على الأرض عن شخصياتي وأحداثي، ونقلها بصداميتها إلى المسرح".

 


(يحيى جابر وعباس جعفر في بلدة الدار الواسعة)
مغامرة وتحد آخر في مسرحية "هيكالو" يتجلى في اختيار ممثلها الصاعد لأول مرة على الخشبة، والذي عرف بأدواره الطريفة واسكتشاته السريعة على شاشة التلفزيون. هي ليست المرة الأولى الذي يتعامل بها يحيى جابر مع ممثلين يخوضون تجربة المسرح للمرة الأولى. وعن الممثل الواحد يقول جابر: "كشاعر انطلق في كتابتي من صوت واحد وكمسرحي أعود دائما إلى المنادي والحكواتي في بحثي عن الراهن، من أحداث بيئتي المتعدّدة الاطراف. في هذا العمل كان التحدي أكثر صعوبة، والعمل على ممثل تلفزيوني يعتمد على الشفهية فقط في التعبير". هنا كان العمل يرتكز على الايحاء والمخيّلة واستخدام الاكسوارات وجسد الممثل المتحوّل من شخصية إلى أخرى ومن مكان الى أخر. يقول جابر: "ساعدني قلق عباس وسيرته الشخصية في توريطه أكثر بالذهاب في شخصياته على مدى حوالي الساعتين الى عمقها وتحريك ادواتها وانتاج المعنى منذ ظهوره وحتى خروجه من المسرح".

المسرحة لكسر الحدود

في مسرحية "هيكالو" أو "هيك قالوا"، يتابع يحيى جابر فتح ابواب المجتمعات المغلفة داخل المجتمع اللبناني الواحد. يستعير المفارقات والتناقضات والأحكام المسبقة التي تطالها ليقدمها بشكل جريء مختلف. يعاكس الانتاج الفني الذي يفرض قواعده واستهلاكه ووضع قيود المحرّمات في تناول هذه المجموعات على حقيقتها القصوى. "أحارب وحدي" يقول جابر، "عرضت في أماكن مختلفة من مطعم إلى حانة الى مسرح لأتحرر من سطوة الانتاج وقواعده. والانتاج هنا أعني من الشركات التجارية إلى المنظمات الأهلية. جميعها تفرض عليك شروط المنتج. فيما أرى أن المسرح يجب أن يلعب دوره في كسر الحواجز النفسية والمحرّمات وتقاليد المجتمعات وهواجس خوفها والأحكام المسبقة عليها. أنا ابن حرب، أتعرف على بيئات مجتمعي من خلال هذه الأعمال، واعتبر المسرح مكاناً لكسر الحدود واللقاء والتعارف والتسامح بعد عقود من الاقتتال" .

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها