السبت 2022/10/15

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

فتنة "نوبل" المصرية....إسرائيليون أيقظوا نجيب محفوظ لإبلاغه بفوزه؟!

السبت 2022/10/15
فتنة "نوبل" المصرية....إسرائيليون أيقظوا نجيب محفوظ لإبلاغه بفوزه؟!
رئيس تحرير "الأهرام": أنا أيقظته لأخبره.. لا بيغين ولا بيريز!
increase حجم الخط decrease
على غير العادة، انتهى باكراً الجدل السنوي المعتاد في مصر، حول قيمة الفائز بجائزة نوبل للآداب أو استحقاقه وترجمته، ليدور في اتجاه مغاير تماماً حول علاقة الإسرائيليين بتتويج نجيب محفوظ بنوبل، وإن كان أوّل مَن أيقظه ليبلغه بنبأ فوزه بالجائزة هم مسؤولون إسرائيليون أم لا!

القصة بدأت من عند طبيب مصري، يدعى جمال ضرغام، استغل موسم إعلان جوائز نوبل ليجدد الجدل القديم حول ادعاءات الدور الإسرائيلي في جائزة محفوظ، فكتب في فايسبوك منشوراً زعم فيه أنّ أوّل من أبلغ محفوظ بنبأ فوزه بالجائزة كان كلّاً من رئيسي الوزراء الإسرائيليين الأسبقين مناحيم بيغن وشيمون بيريز. واستند منشور ضرغام إلى تقرير صحافي نُشر منذ سنوات للكاتب محمد الشماع، يمكن تلخصيه في أن أستاذ اللغة العربية في جامعة ستوكهولم، البروفيسور عطية عامر، هو صاحب ترشيح محفوظ لجائزة نوبل، وأن عامر تبرّع أيضا العام 1967 ورشّح عميد الأدب العربي طه حسين لنيل الجائزة، من دون أن يطلب أحد منه ذلك، لكنّ الوقت لم يكن مناسباً لأنّ الغرب كلّه كان ضد مصر وضدّ الرئيس جمال عبد الناصر وقتها. ثمّ كرّر ترشيح أسماء عربية، منها نجيب محفوظ، لكن الروائي المصري يوسف القعيد، صديق محفوظ، التقى بعطية عامر أربع مرات، وقال عطية أن القعيد أخبره عن "مستشرق يهودي في انكلترا أرسل لمحفوظ خطاباً يقول فيه إنه صاحب الفضل في منحه جائزة نوبل، فأرسل محفوظ له خطاب شكر". وينسب عامر إلى القعيد قوله إنّ نجيب محفوظ أخبره بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، هنّأه بالجائزة قبل حصوله عليها بدقائق، وكذلك شيمون بيريز، مؤكداً له في اتصاله أنّ إسرائيل "هي التي أتت له بالجائزة".

منشور ضرغام تسبب في سخط واستنفار الوسط الثقافي والصحافي المصري، ودفع إلى شهادة ربما تقال للمرة الأولى، إذ كتب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" السابق، عبد العظيم حماد، إنّه كان أوّل من أبلغ محفوظ بفوزه، فور تلقي الخبر من وكالات الأنباء، وقال حماد: "أشهد بأنني من أيقظ نجيب محفوظ من نوم القيلولة لإبلاغه بنبأ الفوز فور أن تلقيته عبر وكالات الأنباء. حرمه ردّت على هاتف المنزل وقالت إنه نائم، فطلبتُ إيقاظه وانتظرت حتى رد عليّ بصوت فيه آثار النوم. ولم يستوعب الخبر. حتى أكده له كل من المرحومين محمد باشا وسامي خشبة. وكان يعرف صوت سامي خشبة جيداً. ثم أرسلنا له سيارة تأتي به إلى "الأهرام". يعني لا بيغين ولا بيريز. ولا مائير ولا بن غوريون!".

لكن المسألة لم تتعلق فقط بصاحب الترشيح أو مَن أبلغ محفوظ بالخبر. فالطبيب المصري ضرغام كان قد كتب قبل منشوره المثير للجدل، منشورات أخرى اتهم فيها محفوظ بأنه "أول من كرس للبلطجة والبلطجية، بما نسجه وسطّره عن الفتوات.. وفتوة الحارة المِصرية.. والنبوت. والشجار المفتعل.. وفرض الإتاوة على البسطاء من المقهورين". وقال إن جزءاً كبيراً من أعماله "اقتصر على العراك والشجار والبلطجة... وكل شخصياته مهزومة محطمة... ولم يكتب أبداً أن ريف مصر هو محتواها الأكبر". وقارنه ضرغاك بآخرين، قاصداً التقليل منه: "هل يُقارَن محفوظ بدكتور محمد المنسي قنديل، أو فتحي غانم، محمد عبد الحليم عبد الله يوسف القعيد.. مجيد طوبيا؟". بل اعتبر إن رواية "دروز بلغراد" للبناني ربيع جابر "تجبّ كل أعمال محفوظ ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، ورفاقهم"!

وهو ما دعا بطبيعة الحال إلى ردود مفصلة، دفاعاً عن محفوظ وكتاباته ودوره، وإن ظلت مسألة الدعم الإسرائيلي هي الهاجس الأكبر. وكان من أبرز الردود في هذا الإطار، ما كتبه الصحافي والباحث المتخصص في الشأن الثقافي محمد شعير، الذي أكد أنه ليس مهماً مَن أبلغ نجيب محفوظ بحصوله على جائزة نوبل، فالأهم في وجهة نظره أنه لم يحصل عليها بدعم صهيوني أو مصري أو عربي "وإنما بإنتاجه الأدبي.. وبدعم من شخصيات وجهات عديدة أهمها قسم الدراسات العربية في جامعة السويد الذى كان يرأسه الناقد المصري عطية عامر، وبدعم من جامعات جورج تاون والسوربون وبعض الجامعات الروسية التي قدمت تقارير عن استحقاق صاحب "الحرافيش" للجائزة، وهناك تقارير كتبها أندريه ميكيل، والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي والمستعرب الأميركي روجر آلان، والمترجم ديفيد جونسون".

قال شعير أيضاً إن إسم محفوظ ظهر مرشحاً للمرة الأولى العام 1968.. ووصل إلى اللائحة القصيرة للجائزة العام 1981، ونشرت صحف إنكليزية كثيرة، من بينها "التايمز"، توقعاتها لمَن سيحصل على جائزة نوبل ذلك العام، وجاء اسم محفوظ من بين المرشحين. وكالعادة، تعتمد الصحف في نشرها لوائح المرشحين، على تسريبات، كثيراً ما تكون من شخصيات مؤثرة من داخل الأكاديمية السويدية، وقد تصدُق تلك الترشيحات، وقد لا تصدق. ولفت شعير إلى أن أديباً إسرائيلياً واحداً، هو شموئيل يوسف عجنون، حصل على نوبل في الآداب منذ تأسيس الجائزة، ولو كانت لإسرائيل تلك القوة لدعم مرشحيها، لزادَ العدد. أما بخصوص الاتصال بالمؤثرين الإسرائيليين، فقال شعير، إنه بعد حصول محفوظ على نوبل بسنوات، أرسل إليه شيمون بيريز خطاباً يقترح فيه أن يرشح لنوبل روائياً إسرائيلياً (عاموس عوز).. وقال محفوظ: "أجبته برسالة معتذراً، وقلت إن عاموس عوز سوف يجد من يرشحه لنوبل، لكن إذا كان ولا بد أن أرشح أديباً لنوبل، فأفضّل أن أرشّح أديباً عربياً".

معلومات شعير، وإن استبعدت الدور الإسرائيلي، فقد أكدت دور عطية عامر، بل إنه نقل عنه حكاياته حول ترشيحاته السابقة والضغوط التي مورست عليه لترشيح آخرين غير محفوظ، إذ قال إنه في العام 1978 طلبت الأكاديمية السويدية من عامر ترشيح أديب عربي للحصول على نوبل. وقام عطية بترشيح محفوظ على الفور، وطلب من السفارة المصرية (في ستوكهولم) توفير كل كتب محفوظ وترجماته في اللغات المختلفة. وقد علم الرئيس أنور السادات بمسألة الترشيح، فاتصل بالسفارة يطلب إبلاغ عامر بترشيح توفيق الحكيم بدلاً من محفوظ، مبرراً ذلك بأن "توفيق الحكيم صاحبي وهو مع النظام من الأول. وجمال كان يحبه وأنا كمان. أرجوك اطلب من عطية تغيير ترشيحه". وبدأت السفارة المصرية في دعم الحكيم بالفعل، مما كان له أثر عكسي سيء باعتبار أن اللجنة ترفض التدخل الحكومي في عملها.

ويضيف عامر: بعد وصول الرئيس حسني مبارك إلى السلطة (1981) اتصل بي السفير المصري وأخبرني أن هناك رسالة مهمة لي من الرئيس مبارك. مضمون الرسالة أنهم يعرفون إنني رشحت نجيب محفوظ للجائزة ويطلبون منى ترشيح عبدالرحمن الشرقاوي بدلاً منه، وكنت أعرف استحالة قبول ترشيحه لأسباب تتعلق بشروط الجائزة الأدبية نفسها، التي تتطلب أن يكون مجموع إنتاج المرشح لها، أدبياً، فيما معظم إنتاج الشرقاوي هو في الفكر الإسلامي.

وباعتبار عطية عامر المصدر الوحيد لهذا الجدل كله، فقد روى الكاتب محمد الشماع قصة أخرى، حول تقريره الأول الذي استند فيه إلى مخطوط كتاب حول السيرة الذاتية لعامر، وقال إنه وقتها كان يهتم بالسبق الصحافي أكثر من أي شيء آخر. لكن، وكما يظهر من الكتاب، فقد كانت مسألة دعم إسرائيل لمحفوظ "هاجساً عند عامر"، رغم أن عامر سأل الأديب يوسف القعيد: "هل كوفئ محفوظ على موقفه الحيادي من معاهدة كامب ديفيد؟"، فردّ القعيد أنه لا دخل للسياسة بنوبل للآداب على الإطلاق. وقال الشماع إنه مع قراءة مخطوط كتاب عامر مرة بعد مرة، اندهش من كم المعلومات المغلوطة والمتداخلة وغير المنطقية أيضاً، أبسطها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي العام 1988 كان إسحاق شامير، وليس بيغين، كما ذكر عامر. وثانيها، عدم معقولية رفضه لطلب الرئيسين الراحلين السادات ومبارك لترشيح أديب ما. كما أن جميع من ذُكرت شهاداتهم في الكتاب لم يهتموا بتصحيح الأخطاء الواردة فيه "مؤكدين أن عطية عامر لا يقول الحقيقة دائماً، وهو باحث عن شهرة بإلصاق اسمه باسم نجيب محفوظ ونوبل".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها