الأربعاء 2022/10/12

آخر تحديث: 12:06 (بيروت)

الفن الإيراني... ماذا فعلت الثورة؟ (2/2)

الأربعاء 2022/10/12
increase حجم الخط decrease
بعد حلقة أولى بعنوان "الطبيعية والانطباعية والتكعيبية.. كانت هذه معارك الفنانين الإيرانيين"، نستكمل هنا، في حلقة ثانية وأخيرة، استكشاف المشهد البصري والتشكيلي الإيراني، في الداخل وفي المنافي، ودائماً في ظل "الثورة الإسلامية" ومعاركها المحلية والخارجية..

"لم يُصنع الرسم من أجل تزيين المنازل. إنه أداة للحرب ضد العدو" (بابلو بيكاسو).
ما زالت راسخة في ذاكرتي، وبوضوح كامل، "الجداريات" التي كنا نراها في المناطق البقاعية، وربما كان هناك ما يشبهها في مناطق جنوب لبنان، وذلك في ثمانينات القرن المنصرم. كانت الجداريات تحمل شعارات من شاكلة "الموت لأمريكا"، "أميركا الشيطان الأكبر"، وسواها. إحدى الجداريات رُسمت فيها نساء محجبات بثياب سوداء، بالكاد تظهر وجوههن، وكّتبت تحتهن عبارة "يا أختي حجابك أفضل من دمي". لم تكن تلك الجداريات من صنع رسامين محترفين، بل كان مردودها الفني أقرب إلى الفن الساذج. اختفت تلك الرسوم مع الأيام، لتحلّ محلها صور الشهداء ذات الطباعة الجيّدة، والأحجام المختلفة، لكنها لم تكن على المستوى نفسه الذي شهدته المدن الإيرانية في تلك الفترة.

كان الانقسام الذي ميّز طهران، خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، يتمثل في تمركز المناطق الشعبية في الجنوب والجنوب الشرقي من العاصمة، في حين كانت المناطق الميسورة تقع إلى الشمال والشمال الغربي. وفّرت المناطق الأولى عددًا كبيرًا من المقاتلين، وعاش سكانها على إيقاع الحرب والذهاب إلى الجبهة، ومن ثم إعادة الجثث إلى الوطن، وإحياء الذكرى وتمجيد الشهداء. هذا، في حين كانت المناطق الأخرى بمنأى نسبيًا عن الصراع، وتفصلها مسافة كافية عن الأيديولوجية الثورية. هذا التناقض لم يترك الفنانين المنخرطين في الصراع على ضفة اللامبالاة، كما هو واضح في لوحة "الغريب" لحبيب الله صادقي. 

الاستشهاد وأيقونات الأحياء الشعبية
في الأحياء الجنوبية تكاثرت صور الشهداء حتى أصبحت عنصرًا رمزيًا في المشهد الحضري. يمكننا القول إن فكرة استنساخ وجوه الشهداء نشأت في بداية الحرب، عبر مبادرات فردية لرفاق السلاح أو أقارب الشهداء، ولا شك في أن الرغبة في إدامة ذكراهم من خلال صورهم كانت دافع القيام بهذا الأمر. لكن: "... بينما كانت هذه الممارسة شائعة في ذلك الوقت، إلا أنها لم تكن منهجية ولم توجهها أي منظمة معينة. وعلى عكس الممارسة واسعة الانتشار لكتابة الوصايا، كان رسم وجوه الشهداء عرضيًا، اعتمادًا على الوسائل والمواهب المتوفرة في الأقسام والأحياء"(مقابلة مع أليروزا كماري، صيف 2018).

خلال هذه الفترة ولدت حركة متشددة داخل المؤسسات المنغمسة سابقًا في الحرب، مثل منظمة الدعاية الإسلامية ومؤسسة الشهداء، بالاشتراك مع منظمة الحرس الثوري القوية، حاملة مشروع نشر صور الشهداء على جدران في وسط المدينة. الوجوه نفسها، التي ظهرت في الفضاء العام للأحياء الجنوبية من طهران في الثمانينيات، ستظهر مرة أخرى على نطاق واسع في أكثر الأماكن التي يرتادها الناس، وأكثرها وضوحًا: جوانب الطرق السريعة، واجهات الطرق الرئيسية، مفترقات الطرق المهمة. تم تفضيل المحاور الرئيسية المتجهة إلى الشمال من أجل "زيادة وعي" سكان المدن من الطبقة الوسطى، الذين يعتبرون أنفسهم بمنأى نسبيًا عن واقع الحرب، وقد جرى تكبير الصور المرسومة على القماش، وإعادة إنتاجها حتى خمسين مرة للصورة الواحدة.

في اللوحات الجدارية الضخمة، في فترة ما بعد الحرب، أضيف بعض "الرتوش" من أجل تفعيل الناحية الرومانسية، في أجواء غالبًا ما تشبه الحلم، محملة ألواناً متنوعة، وعناصر زخرفية من الفن الإيراني التقليدي مثل الطائر، والزهرة، وأشجار السرو، وكذلك عبارات خطية مأخوذة من وصية الشهيد، أو من خطاب لأحد القادة. هذا الجانب الجمالي ليس له قيمة في حد ذاته، وقد لا يجذب الانتباه، لكنه انتشر على نطاق واسع. أما من حيث الحجم، فقد امتدّت الصور على كامل ارتفاع واجهات المباني، محدقةً بثبات في سكان المدينة، لتبدو وكأنها تراقبهم وتحرسهم.

انقسامات الفنانين
أحدثت الثورة، والحرب بين العراق وإيران، شرخاً في تاريخ ايران وفنها، وقسمتها إلى قسمين، وليست تسمية "الثورة الثقافية الإيرانية" (1980-1987) سوى دليل على ذلك. سيطر، خلال الثورة، نظام جديد كامل للإنتاج الأيقوني على الثقافة البصرية المحلية. تم تطبيق الدراسات الفنية في الجامعة على مناهج مختلفة، ووُضع نظام جديد للرعاية الفنية، وفُرض مفهوم رسمي جديد للفن. وفي حين كان الفن الإيراني الحديث يتمتع، حتى ذلك الحين، ببعض الدعم من الدولة، لم يكن هذا يعني، بالنسبة للفنانين أصحاب الشأن، سوى نوع من الإستراحة، بعد انحسار المساعدات. تم "تطهير" القطاع الفني من أولئك الذين كانوا في السابق أبطاله الأساسيين، ما دفع هؤلاء إلى المنافي، بينما كانت أعمالهم مدرجة في اللائحة السوداء. لم تترك الثورة تأثيرها في النتاج الثقافي فحسب، بل أثّرت أيضًا في طريقة فهم التراث الثقافي وتفسيره. إلى ذلك، غيّرت الثورة كل الأفكار حول إيران، مما أدى إلى ظهور نظريتين تسود إحداهما داخل البلاد وأخرى خارجها. وجهتا نظر كانتا دائمًا تبدوان غير قابلتين للتوفيق، ولم تكن هناك من لغة مشتركة بينهما.

وبالمقارنة مع فن فترة كادجار (1785-1925)، التي استغرقت أكثر من قرن لجذب انتباه مؤرخي الفن خارج البلاد، يمكن القول إن الفن الإيراني الحديث عرف حظًا أفضل، إذ بعد أربعين عامًا من بلوغه الذروة، بدأ يبحث عن مكانة حقيقية في تاريخ الفن. يمكن أن يُعزى ذلك، جزئيًا، إلى المحاولات الأخيرة للمثقفين الإيرانيين، داخل البلاد وخارجها، لإدخال المفهومين الفنيين في الحوار، من خلال التأكيد على العلاقة بين الفن والسياسة. إن مثل هذا النهج السياسي لتاريخ الفن يصبح إشكالياً، نظراً لما تحدثه الثورات من متغيّرات قد تؤدي إلى إستحالة التفاوض، خصوصاً في حالة الثورة الثقافية، ذات الطابع الذي يجعل هذا الحوار غير مرغوب فيه. وبالتالي، فإن أي محاولة لتطوير فكر إيراني ثقافي متماسك، لا يمكن أن تغفل القضايا السياسية المتعلقة بالثورة الإيرانية كأمر واقع. وإذا كان من شأن الأعمال الحديثة أن تتفاعل بالضرورة بطريقة أو بأخرى مع التمزق الذي أحدثته الثورة، فقد عمد أصحاب هذه الأعمال إلى الاختيار بين مساحات مختلفة (مثل الشارع، الاستوديو، أو المنفى). يكتب تالين غريغور، أستاذ الفن والنظريات الجمالية في Brandeis University بأميركا، على سبيل المثال: "من أجل هيكلة هذا الوضع، يمكن تقسيم الفنانين الإيرانيين المعاصرين، سواء داخل إيران أو خارجها، إلى أربع مجموعات رئيسية:
1- فنانون طليعيون في عصر سلالة بهلوي؛
2- الرسامون الثوريون المزعومون؛
3- أطفال ستينيات القرن الثالث عشر (بمعنى آخر ثمانينيات القرن الماضي)؛
4- الفنانون الشباب الناشئون حالياً.

"السقا-خانه" وتيارات أخرى
على الرغم من أن هذا التصنيف يستخدم على نطاق واسع في أي مناقشة للفن الإيراني، إلا أننا لا بد أن نتساءل عما يتبقى منه عند تطبيقه على الفن ككل، ومن دون القطع مع الثقافة البصرية الداخلية. حتى الرسامة بهجت صدر، صاحبة الإتجاه التجريدي، تشهد بأن بصمة متطابقة تركتها السياسة على فن عصرها. يمكن ملاحظة ذلك في الكتالوغ الفردي، ثنائي اللغة، الخاص بمعرضها، المصمم ببراعة ودقة من قبل مراد منتظمي (كنا أوردنا تعليقاً لمنتظمي على كتاب ميتو خاني في الجزء الأول من المقال، كناشر لمجلّة "زمان"، لكن فاتنا أن نذكر اسمه) ونارمين صادق (كانت نارمين صادق قد أجرت حواراً مطوّلاً مع بهجت صدر العام 2014). إن الاهتمام الذي نوليه اليوم لعمل الفنانين الإيرانيين الذين اختاروا استخدام الرموز الأسلوبية الغربية ليس فقط محاولة لاستعادة ذاكرة تاريخية، وكشف الوجه الخفي للفن، لكنه أيضًا دليل رغبة على المستوى الثقافي لجيل من المثقفين الإيرانيين في إعادة التفكير والتقييم الفكري الذي تُرك جانباً طوال السنوات الثلاثين الماضية، ولإظهار كيف أنه من الممكن أن يتخطى مجرد "التقليد" غير النقدي للجماليات الغربية. ما زال هناك العديد من الأسئلة التي أثارتها أعمال هذا الجيل من الفنانين، أمثال بهمان محسس وأيدن آغاداشلو، وهي ذات صلة بهذا الأمر، وإجاباتها غنية بما يكفي لتكون بمثابة أساس للفنانين الإيرانيين المعاصرين. وهنا لا بد، أيضاً، من ذكر شارل حسين زندرودي (بالفارسية: (شارل) حسین زنده‌ رودی؛ من مواليد 11 مارس 1937)، وهو رسام وخطاط ونحات إيراني، عُرف بكونه رائدًا للفن الإيراني الحديث، وباعتباره أحد الفنانين الأوائل الذين دمجوا عناصر الخط العربي في أعمالهم الفنية، كما أنه أحد رواد حركة "السقا- خانه" Saqqa- Khaneh ، وهو نوع من الفن الحديث- التقليدي الذي ولد في إيران، والذي تعود جذوره إلى تاريخ لوحات المقاهي والعناصر البصرية للإسلام الشيعي.

هنا قد يكون من المجدي الإشارة إلى ما كتبته بهجت صدر في إحدى قصائدها، حين قالت: "لمن نرسم على القماش نهاية كرب وخوف قرن؟ هل يجب ان نتكلم؟ هل يجب علينا إلتقاط  الصور؟ هل يجب أن أكتب؟ أن الوّن؟ [...] يجب علينا أن نفعل كل شيء لنقل المعنى العميق لعصرنا، من خلال تمزيقه من الصحف ولصقه، ومحاولة استخراجه بكل الوسائل. [...] كما يقول اليساريون، يمكن التعبير عن "الرسالة" من خلال الكولاج. أنا أكره معجم اليسار. الطريقة التي أجاب بها جيل كامل من الفنانين الإيرانيين على هذه الأسئلة من خلال أعمالهم تشهد على ظهور شكل مختلف من الحداثة. لو استمر هذا، عندها يمكن للمرء أن يجادل في أن مثل هذه النسخة من الحداثة كانت ستطوّر لغتها المرئية الحقيقية الخاصة بها، والتي يمكن استخدامها في أنحاء الشرق الأوسط".

في هذا المجال، لا يتمثل الاتجاه الحالي بين المثقفين في تشجيع القراءة السياسية لحركة فنية غير سياسية، لكن لإظهار أن الفن الإيراني الحديث مشبع ببساطة بمثل هذه القراءة السياسية، كما يشير أنوش جانجبور بحق: "من ناحية، إن تبني الفن الحديث يكون ذا هدف سياسي إذا كان يعمل على إدخال قيم جديدة، وتحدي القيم القديمة. من ناحية أخرى، هناك سيطرة على الصورة التي يظهرها المجتمع عن نفسه للعالم الخارجي. العلاقة بين الفن والسياسة، على هذا النحو، أصبحت إشكالية فقط عندما أصبح الفنانون الإيرانيون مهتمين بما كانت لغة ذلك الوقت تطلق عليه تسمية "المسؤولية"... لقد ظهر نوع مختلف تمامًا من تسييس الفن بعد الثورة، لكن الحقيقة هي أنه بعد ثورة 1979، تم إنشاء دولة تدّعي أيضًا أنها حقيقة - مطلقة ومتكاملة. إن الجمهورية الإسلامية، التي تطمح إلى إعطاء هيئة رسمية لحقيقة الإسلام الشيعي، يجب أن تفهم كل شيء. وبالتالي، فإن هذه الحقيقة المتكاملة ستكون في قطعة واحدة مكونة لدولة، وسياسة، واقتصاد، ومجتمع، وثقافة... وبالطبع فن وأدب. لا يسمح بأي استثناء، ولا الفصل بين المجالات، وبحسب هذا المنطق، يجب أن يعود كل شيء إلى الشيء نفسه، أي إلى حقيقة الدولة.

بغض النظر عن أن الانخراط السياسي أمر لا مفر منه على مستوى تاريخ الفن، فهناك دائمًا خطر الانبهار بالفراغ، وخطر إعطاء صورة "متسامية" sublime لما قد يبدو "جميلاً"، إذا صحّ استخدام المصطلحان الكانطية. هناك دائمًا خطر الرضوخ إلى الفكرة القائمة على اعتبار الفئات الرسمية لمفهوم الفن أمرًا مفروغًا منه، ولا ضرورة لمناقشته، ومن ثم تكرار التصنيف الزمني نفسه عند النظر في تاريخ الثقافة. لكن التركيز فقط على التمزق والتغيير يؤدي إلى إهمال العناصر الثابتة والدائمة في الحياة الثقافية، كالتراث وسواه. في هذه الحالة، تختلف الصياغات التي استخدمها الفنانون الذين عاشوا في الخارج عن تلك التي استخدمها زملاؤهم الذين بقوا في إيران، بالرغم مما تعرّضوا له من مضايقات، إذ إن الفن الإيراني الحديث لا يظهر لهؤلاء كعنصر من عناصر الماضي، وإنما كامتداد للغة بصرية تظهر بحسب أشكال وأساليب لا علاقة بينها، بل متناقضة.

نهاية يجب القول، في ما يختص بالدراسات التي رصدت أحوال الفن الإيراني الحديث، أنه إذا كان واجب تاريخ الفن هو الاهتمام بالجزء الواضح من الأعمال الفنية وجعله واضحًا تمامًا، فإن دراسات ما بعد الاستعمار، من جانبها، كانت مهووسة دائماً بـ"الجانب المظلم للقمر". إذا تعذب تاريخ الفن بسبب بعض علاقات القوة التي تؤثر على أحكامه، فإن الدراسات الثقافية، من جانبها، مهووسة بالعذابات نفسها. عند التعامل مع مثل هذه المقاربات المنهجية للفن، غالبًا ما يميل المرء إلى التساؤل: "لكن ألا يوجد شيء في هذا العمل أو ذاك أكثر من علاقته بالسياسة؟".. تتمتع المنهجيات الكلاسيكية لتاريخ الفن بالقدرة على مواجهة مثل هذه الاتجاهات. ومع ذلك، في حالة الفن الإيراني الحديث، لا تصنيف للأرشيفات أو المؤسسات الفنية أو التخصصات الأكاديمية التي يمكن أن تشارك في هذا البحث. ومن المأمول، بالإضافة إلى المقالات التي تكمل المنشورات الحديثة، أن العدد المتزايد من المعارض والكتالوغات والدراسات سيسمح بالوصول بشكل أفضل إلى الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع، والتي كانت مشتتة للغاية حتى الآن.
 
من هذا المنظور يعتبر المعرض الذي أقيم في "متحف الفن الحديث لمدينة باريس"، العام 2014، تحت عنوان"التاريخ غير المحرر"، (Unedited History) إيران 1960- 2014، ذا أهمية بالغة. تضمّن المعرض أكثر من 200 عمل لم تُعرض غالبيتها في فرنسا من قبل، وحتى في أمكنة أخرى، وهي تلقي نظرة جديدة على الفن والثقافة البصرية في إيران، من ستينيات القرن الماضي حتى الوقت الحاضر، وذلك بحسب تسلسل تاريخي: السنوات 1960-1970، الحقبة الثورية العام 1979، الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وفترة ما بعد الحرب حتى تاريخ قيام المعرض. وجمع المعرض عشرين فنانًا من سنوات 1960-1970 وممثلي الجيل الجديد، وجرى التركيز على الرسم والتصوير والسينما، فضلاً عن الجوانب الرئيسية للثقافة البصرية الحديثة لإيران: الملصقات والمواد الوثائقية التي تتراوح من مهرجان شيراز برسيبوليس، فنون الفترة الثورية، والحرب العراقية الإيرانية. وسواء كانت شخصيات تاريخية بالفعل (بهمن محسس، بهجت صدر، غافيه غولستان، بهمن جلالي) أو أعضاء في المشهد المعاصر (بارباد غولشيري، آراش هاني، محسن راستاني وآخرون)، فإن جميع الفنانين يعتمدون في عملهم نهجاً نقدياً في الشكل والإعلام. لعب هؤلاء دوراً في إعادة تقييم الطريقة التي كُتب بها التاريخ السياسي والاجتماعي المقعّد لبلدهم.

من خلال هذا المعرض، يمكن القول إن المشهد الفني الإيراني المعاصر يحاول المزج بين الالتزام المتمرّد واللمسة التقليدية، مما يجعله مفاجئًا ومعقدًا، ويجمع ما بين الفنانين الغائبين تحت الأرض إلى الأكثر شهرة. تقدّم أعمال الفنانين الإيرانيين للجمهور رؤية مثيرة للمجتمع الإيراني وتنقل قلق الغرب والشرق. علاوة على ذلك، فإن بوتقة التقاليد الفارسية، الممزوجة بصداقة البلاد السابقة مع العالم الغربي، تضيف تعقيدًا وقوة للإنتاج الفني الإيراني المعاصر. المعرض والكتاب المصاحب له، يدعواننا إلى توسيع تصوّرنا عن إيران وحداثتها، وإذا كان من الممكن سد الفجوة بين المفاهيم المختلفة لتاريخ الفن الإيراني المعاصر، فقد يأمل المرء أن يتم الشعور بالتأثيرات العديدة في قطاع الإنتاج الفني. إذ ليس من غير المألوف في مجال تاريخ الفن أن تنطبق الفكرة الهيغلية، عن تحوّل الكمية إلى نوعية، لتصبح حقيقة، وأن تضع مجموعة من العناصر المنظمة حدًا للشكوك الذاتية. كما أنه، من جهة أخرى، ومن خلال وضع الفن في الداخل الإيراني، يجب أن نذكّر أن أعمالاً ذات قيمة فنية عالية، وفي مختلف المجالات، كانت ولدت في حالات إستثنائية، ومن ضمنها تلك التي عاشت ظروف القمع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها