غياب التغطية الإعلامية وازدراء الصناعة للجائزة ومحاولة الابتعاد عنها بغية الهرب من مرمى الانتقادات، سيجعل "أمسية هوليوود المفضّلة" ميّتة: حفل بدون سجادة حمراء ولا مشاهير ولا صحافة معتمدة ولا حتى أعضاء المؤسسة المانحة للجوائز! سيقتصر الأمر على قراءة لأسماء الفائزين ضمن 25 فئة (14 للأفلام و11 للمسلسلات والمسلسلات القصيرة) تُعلن على فترات منتظمة لمدة 90 دقيقة. وكما لو أن هذا ليس كافياً لتقويض حيوية ووهج الحفل المعتاد المنتظر، فلا يزال من غير المعروف ما إذا كانت هناك فرصة لمشاهدة تلك الحفلة أساساً، حيث أعلنت شبكة NBC التلفزيونية، التي تمتلك حقوق البث، قبل أشهر أنها لا تنوي بث الحفل. الاحتمال الوحيد هو البث المفتوح على الإنترنت، على الرغم من أنه إذا تم ذلك من دون إذن الشبكة الأميركية، فإن خطر الانتقام القانوني يظلّ قائماً.
صحيح أن الوضع الصحي في الولايات المتحدة ليس مهيّئاً للاحتفالات الكبيرة والتجمعات الحاشدة، حيث سجّلت البلاد أكثر من مليون إصابة بفيروس كورونا في الأيام القليلة الماضية، والعديد من حفلات الجوائز المقررة في فترة الشهرين القادمين، المعروفة بـ"موسم الجوائز"، أكّدت اكتفاءها بإعلان فعالياتها أو بثها على الإنترنت، وآخرها حفل اختيار "جوائز النقّاد" Critic's Choice، الذي كان من المقرر إقامته في نفس يوم إعلان جوائز غولدن غلوب، في إشارة واضحة وحاسمة لتراجع أهمية الجائزة الأخيرة. وعلى الرغم من خطورة وحقيقة هذا العامل الصحّي، فإن رابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود عانت منذ أشهر طويلة من انتقادات طاولتها بسبب طريقة إدارتها سيئة السمعة وعدم تجديد دمائها باقتصار أعضائها المصوّتين على غالبية كاسحة من الرجال البيض، ممن يهتمون بالدونات والهدايا وجميع أنواع الامتيازات والاهتمام من الاستوديوهات الكبيرة، أكثر مما بالأفلام والمسلسلات المعني بهم الكتابة عنها بحياد نقدي مفترض.
هكذا، فالجائزة التي لم يكن ينبغي أن تكون ذات أهمية كبيرة، جرى تضخيمها وإضفاء الشرعية عليها من قبل الإدارات الصحافية لشركات الإنتاج، والتي تعلن عن جوائز غولدن غلوب كما لو كانت مصنوعة من الذهب الخالص، وبالتالي تجعل الجرم السماوي بأكمله يدور حول بالونات منتفخة بشكل مصطنع. تتبدّل الأحوال هذه السنة، بعد اتخاذ شركات الإنتاج الهوليوودية قراراً علنياً بمقاطعة الأمسية، وبعدما كان انتقاد الرابطة المُدلَّلة هوليوودياً يشوبه الحذر والكتمان، صارت المجاهرة به نقطة محسوبة لصاحبه، بعدما كُشف العام الماضي عن خلو الرابطة من أي عضو أسود.
بلا نجوم ولا تلفزيون ولا سجادة حمراء ولا صحافة، معطوفاً على بحث الصناعة والجمهور في الاتجاه الآخر؛ فإن الطريقة الوحيدة الممكنة أمام رابطة هوليوود للمضي قدماً هي محاولة إجراء تحسينات على كل من الجوائز والمؤسسة نفسها. وبحسب بيان أصدرته الرابطة الأسبوع الماضي، فإن الحفل "سيسلّط الضوء على العمل الخيري الذي تقوم به الرابطة منذ فترة طويلة، ويعرض مجموعة متنوعة من المستفيدين من هذا البرنامج". وجاء في البيان أنه "على مدى السنوات الـ 25 الماضية، تبرّعت الرابطة بمبلغ 50 مليون دولار إلى أكثر من 70 جمعية خيرية تعمل في مجال الترفيه وترميم الأفلام وبرامج المنح الدراسية والجهود الإنسانية. وقد تضرّر الكثير منها بشدة خلال العامين الأخيرين من الوباء".
ويمضي البيان في التأكيد على أنه خلال الأشهر الثمانية الماضية "قاموا بمراجعة لوائحهم الداخلية بالكامل، بما في ذلك مراجعات شاملة تتناول الأخلاقيات ومدونة قواعد السلوك والتنوع والإنصاف والشمول، فضلاً عن متطلبات الحوكمة والعضوية". بالإضافة إلى ذلك، نصّ البيان على أنه يجب على أولئك الذين سيحضرون الحدث إثبات حصولهم على التطعيمات وشهادة صحّية تفيد بسلبية نتائج اختباراتهم للفيروس خلال الـ 48 ساعة الماضية، فضلاً عن ارتداء الأقنعة والحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي خلال فترة وجودهم داخل الصالة.
محاولات الرابطة لتحسين صورتها وإعلان توبتها ربما يجدي نفعاً، لكن أقلّه ليس على المدى القريب. صحيح أن هوليوود تحبّ قصص التوبة وعودة الأبناء الضالين إلى أحضانها مقرّين بذنوبهم، لكن تتويج تلك العودة واستعادة الألق القديم لن يكون سهلاً في أوقات المدّ العالي و"الصحوة" التي تعيش أميركا على وقع مفاعيلها. بالطبع ستضمّ الرابطة أعضاء جدداً إلى تشكيلتها، بما يسمح بزيادة نسبة الأقليات ضمنها، وستعلن حظر تلقّى أعضائها أي هدايا فاخرة أو الانسياق وراء مجاملات شركات الإنتاج، لكن تبقى عودة المياه لمجاريها مرهونة بجدية تلك الإجراءات واستقبال الجمهور وأعضاء الصناعة لها.
في العام الماضي، نجحت جوائز الأوسكار في الظهور كحدث خاص صغير وحميم، مع أكثر معدلات المشاهدة بؤساً في تاريخها. في ربيع كورونا الثالث، لا أحد يريد رؤية ذلك مرة أخرى. لكن ربما، على الأقل في مستقبل ما بعد كورونا، يمكن لجوائز الأوسكار أن تتبنّى الميزة الجيدة الوحيدة حقاً في حفل غولدن غلوب: المزيد من الشمبانيا.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها