الأحد 2022/01/09

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

عن اللقاح وحرية الأغيار التي لا تنتهي

الأحد 2022/01/09
عن اللقاح وحرية الأغيار التي لا تنتهي
increase حجم الخط decrease
في النقاش الذي يدور بين، من جهة، الفريق المكون من مناصري اللقاح، والفريق المكون من الرافضين له من جهة أخرى، ثمة عبارة، يستخدمها الأول في مواجهة الثاني، وهي: حريتي تنتهي أو تتوقف حين تبدأ حرية أغياري. فالذين يرفضون اللقاح، بحسب هذه العبارة، يزاولون حريتهم كما لو أنها لا تنتهي أو تتوقف حين تبدأ حرية هؤلاء الذين يقبلون على اللقاح، عكس ذلك، هم يجعلونها بمثابة حرية ضدهم، بمعنى أنها مؤذية لهم. فالعبارة نفسها، وفي السياق هذا، تعدلت وصارت: حريتي تنتهي أو تتوقف حين تبدأ صحة أغياري. على هذا النحو، رافضو اللقاح، وبحريتهم التي لا تنتهي، ولا تتوقف، هم يطيحون بأغيارهم من خلالها، بحيث لا يأبهون بهم، ولا يكترثون بوجودهم معهم في ذات الفضاء، أو المعمورة، أو المجتمع. وهذا، ما ينزع عن حريتهم، ومع قياسها على العبارة إياها، معنى الحرية، لتصير شيئاً مختلفاً، من قبيل الاستخفاف أو من قبيل الإضرار. ولكن، ماذا عن أغيارهم؟

تشير تلك العبارة، التي صارتْ، وبطرحها الثابت، تشبه المسلّمة أو المبدأ العام، الى إشكالية بعينها، وهي موضع الأغيار فيها. فعندما يجدون في رفض اللقاح تهديداً لهم، وبالتالي، أن أصحاب الحرية، التي لا تنتهي ولا تتوقف، هم بمثابة مصدر للفيروس، فهذا يحمل الى الاستنتاج الى أنهم ليسوا على وقاية منه. نقصان وقايتهم هذا قد يتعلق بإفتراضين: إما أنهم غير ملقحين، أو أنهم ملقحين، ولكن، لقاحهم لا يحميهم.

لنتقدم على أساس الافتراض الأول: ألتقي بشخص ما من رافضي اللقاح، أجد أن رفضه هذا يهددني لأنني لست ملقحاً، وهذا، ليس لأن أرفض اللقاح على منواله، إنما لأن موعد لقاحي لم يحن بعد على سبيل المثال. في النتيجة، ما أجده تهديداً لي بحريته التي لا تتوقف ولا تنتهي يرتبط بشأني أنا أكثر مما يرتبط بشأنه هو، بمعنى أنه يرتبط، وفي هذا المطاف، بمشكلتي أنا-مشكلة أنني لست ملقحا بعد- وليس مشكلته هو- مشكلة رفضه للقاح. بالتالي، حين أكون في هذا الموقف، وأمضي الى شيطنته، فلا يكون فعلي هذا سوى محاولة للفرار من مشكلتي، التي، وبوجوده، يحيلني إليها. برفضه للقاح هو يتعدى مشكلة أنه ليس ملقحا، ولكن، وباللقاء به، يضعني أمام مشكلتي، التي لا أتخطاها على نحوه، إنما أذهب الى اقصائه من بابين، من باب تجنبها، وأيضاً، من باب تجنب أنني لست قادر أن أحذو حذوه حيال اللقاح.

وبالإرتكاز الى الإفتراض الثاني: على الرغم من كوني ملقحا، ولكن، لقائي برافض اللقاح يستوي على أنه مصدر تهديد لي. بالتالي، يصح التساؤل عن مرد إيجادي له هكذا. ففي حال من الممكن له أن ينقل لي الفيروس، فهذا يشير الى إشكالية تتعلق بلقاحي، بمعنى أنه لا يقيني من الكورونا الذي قد يجيء منه. ولكن، لكي أبقي هذا اللقاح، وفي نظري، بمثابة السور الذي يحميني، فلا أقترب من إشكاليته، ولا اقاربها، أذهب الى نبذ رافضه، وجعله هو المسؤول عن إحتمال إصابتي. فليس لقاحي هو الذي لا يوقف ولا ينهي حريته بعد أن تلقيتها كتهديد لي، إنما هو بحد ذاته، بحيث لا يريد أن يكون مماثلا لي، أي ملقحا، ومتحاشيا لإشكالية لقاحه. إن كان اللقاء برافض اللقاح في صعيد الافتراض الاول يحيلني الى مشكلتي-لست ملقحا بعد، ففي صعيد الافتراض الثاني، هو يحيلني الى اشكاليتي-لقاحي لا يقيني الإصابة، وفي الحالتين، ليس لي، ومن أجل تلافي المشكلة والاشكالية، سوى أن أجعل من ذلك الرافض عقبتي، التي لا أستطيع أن أكون مماثلا له من جهة رفضه اللقاح، ولا جعله مماثلا لي من جهة إقبالي على اللقاح.

بعد هذين الافتراضين، يصح القول إن الأغيار، وبحسب تلك العبارة، يبدو أنهم ليسوا أحراراً. فإذا كانت حرية رافضي اللقاح بدأت ولم تنتهِ أو تتوقف عندهم، فحريتهم، في هذا السياق، لم تبدأ لكي تنتهي أو تتوقف، على العكس، فقبل أن تنطلق، علقت في تجنب مشكلة اللقاح واشكاليته، وبدل طرحهما، تحولت الى خلافها، أي الى كونها تصدي، وعزل. بالإضافة الى ذلك، الحرية هذه، التي تدخلهم العبارة فيها، تفضي، وفي خلاصتها، الى رفع اللقاح الى مرتبة المحظور، الذي لا يمكن مسه بأي حديث عنه، قبل توزيع المعنيين به الى قسمين: الذين يقبلون عليه هم أخيار، والذين يرفضونه هم أشرار. ولكن، قد ينطوي تصوير اللقاح هكذا على ارتياب هائل منه، بحيث يُخَفَف بجعل موضوعه مرفوع، ومحظور، ومقدس. وبهذا، يكون الأشرار هؤلاء، وفي رفضهم اللقاح، يسجلون ما لا يستطيع الأخيار ابدائه، إنما يركنون الى التصدي لهم لكيلا يعدونهم به، أي لكيلا ينقلون لهم فيروس الإبداء عن ارتيابهم من اللقاح.

فعلياً، جعل العبارة نفسها هي عبارة النقاش حول لقاح الكورونا لا دقة فيه، على العكس، هو يبين أن فريقيه لا جدال بينهما، بل مجرد تطارد، أو تبادل للطرد. فالمقبلون على اللقاح يصيرون، وبفعل ذلك، كأنهم ليسوا على حرية ما، بحيث تصير مساوية للفظ رافضي اللقاح. أما، رافضو اللقاح، فبدورهم، يفرطون في الدفاع عن امتناعهم عن التلقح الى درجة الهراء، فيجعلون من حريتهم مساوية للفظ أنفسهم. كما لو أن، وفي كلا الفريقين، لا وجود لأغيار، وبالتالي، لجدال ينطلق الى ابعد من تلك الحرية، بل هناك أخيار وأشرار فقط. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها