الأحد 2022/01/23

آخر تحديث: 09:31 (بيروت)

محمد خضير... قلق المُعتَزَل، أم هجرة اللوحة؟

الأحد 2022/01/23
increase حجم الخط decrease
من مُعتَزَله في تركيا، يُرسِل الفنان العراقي فؤاد هويرف (البصرة 1962) رسائلَ حذرة، القصد منها وضع لوحاته قيد التأمّل والمراجعة الدقيقة وتأويل المرجع التشكيلي بشروط جديدة، أكثر موضوعية. وليس هذا القصد بخارج عن الوضع الخاص للفنان، أو مفارقاً لتفاصيل كثيرة (تفاصيل الجسد وانتقاله من محيط ساخن إلى آخر بارد ومريح) إنما هو تعبيرٌ جوهريّ عن أنقى ما يكنزه البحثُ التشكيلي المهاجر من تقانات ورؤى، متجلّياً في الأشكال المصمَّمة من مواد تجميعية_ أشكال لونية على خلفية من قِطع الخيش المُلصَقة. فهذه الأشكال الهندسية محاولة لضبط ذلك الانتقال وتمثيله موضوعياً: "اطمئنوا. أنا في حال لا تبعث على القلق! إنّها حياتي أوزّعها على لوحاتي".

قد ينساق الشكل التجريدي مع انفعال الشحنة الجسدية_ شحنة المُعتَزَل_ لحظة الرسم، أو بعد عرضه على وسائل الميديا، بانتظار الحكم التأويلي، القادم من جهة ما_ من عمق المسافة التي تفصل الفنان هويرف عن موقع الأمس "الساخن" والملطّخ بألوان طائشة_ لكنّه في النهاية يرتاد منطقةً هادئة، معزولة، ليعرض خلالها "قصة الأمس" التي تهمس من خلال مِزَق القماش الخشنة: "شيءٌ ما يحدث، لن أبوح بفيوضه وكشوفه ومفاجآته، بل ألصقه بما أشاء من مواد وأحبسه كيلا يفلت من يدي!".

لِنقُلْ إنّ "قصة الأمس" لا تقصد الظهورَ مثل انبجاساتٍ عفوية؛ وأشكالَ التجربة المنقولة لا تريد مزاحمةَ خواطر المتلقّين المتفرّقين في انحاء مختلفة من العالم بفجاءتها وعبثيّتها، فهي تُضمِر ثيمتَها بحرص وتدبير، وتجمّع أشكالَها لتداوي جروحَ الجسد كضمّادات مُلطِّفة. لكن ما "قصة" الخطوط والدوائر الإضافية التي تزحمُها كأنّها "تواقيع" حجزٍ أو أختامُ هجرةٍ اضطرارية؟ أهيَ تواقيع الرسّام أم وقائعُ الرسم عند دخولها حيّز المنطقة الأخرى من الزمان والمكان والاعتزال؟ أيبدو كلّ شيء في اللوحة حقيقياً_ كآثار مخلب وحشيّ_ أم الروح تنزع إلى إحاطة الألم بوسائل أكثر بدائية_ تمائم وأحراز ووشوم؟ أنرسِم كي نتذكّر، أم لكي نُخفي الماضي ونطمر شواهدَه؟
لا أشعرُ بجدوى هذه الأسئلة، فالأشكال التجريدية، واستعاراتُها المادية، تذهب إلى أبعد من هذا الحَصر او الحّجر المختوم_ فؤاد هويرف يمارس حريّته إلى أقصى ارتسامها بما تيسّر من خامات وأساليب وإجراءات يومية. يمتلك جسدَه الذي كاد يفقده مراراً، جمالَه المعكوس في لوحاته وحسب. يحضر كلّياً في ما يرسم، ويتصرّف حرّاً بما يجمع ويفرّق ويُلصِق. أكاد أسمعُه يقول: "كم هو ممتعٌ الغوصُ في مجهول اللوحة غير الموصوفة! النومُ على وسائد مُرتَّبة من الخيش، كما ينام مهاجرٌ بلا وطن!"

(*) مدونة نشرها القاص العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها