الجمعة 2022/01/21

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

"روابط مقدسة" لمحمد صالح هارون... نساء تشاد في "كان"

الجمعة 2022/01/21
"روابط مقدسة" لمحمد صالح هارون... نساء تشاد في "كان"
"لا أريد أن أصبح مثلك يا أمي"
increase حجم الخط decrease
لا وجود لألم أكثر وطأة من ألم الرفض؛ رفض المجتمع للفرد نتيجة قيامه بأمر يعتبره المجتمع مشيناً. هذا ما تعيشه أمينة بطلة فيلم "لينغي" للتشادي محمد صالح هارون، التي تعيل ابنتها(15 عاماً) بعدما أنجبتها خارج إطار الزواج.

يفتتح المخرج الفيلم على مشهد امرأة تعمل بجهد كبير. تخرج الأسلاك من الاطارات الفاسدة،  باستخدام لقطة مقرّبة وثابتة، يجعلنا المخرج نتابع العمل المتعب للمرأة، والجهد الذي تبذله من أجل إخراج الأسلاك من الإطار كي ننغمس معها في عملها ونشعر بالعرق ينزّ منّا. تخرج القطع الحديدية كي تصنع منها "كانوناً" لتعرضها في الأسواق.

صنّف الفيلم في مهرجان "كان" كأكثر الأعمال نسوية في العام 2021. وفيه يذهب المخرج في رحلة مع المرأة المنبوذة لإعالة ابنتها/خطيئتها، ولفعل كل شيء كي لا تعيش العزلة التي عاشتها هي، في مجتمع يزدري المخطئة من دون أن يبحث عن أسباب الخطيئة ولا معاقبة المخطئ.


تعاني أمنية من وصمة كونها أنجبت ابنتها بطريقة غير شرعية. انجبت ماريا تدلعها "ماميتا" قبل 15 عاماً، وطوال هذه الفترة لم يتواصل معها أحد من أفراد أسرتها، ولا سألوا عنها! نبذها الجميع وتخلوا عنها، وكافحت كي تعيل ابنتها، بينما لم يكن هناك أي حضور للرجل الذي أنجبت منه. لم يعطه المخرج دوراً ولا أتتْ أمينة على ذكره! ذلك أن الرجل في تشاد، وفي معظم البلدان الافريقية غير موجود في البيت، وأحياناً غير موجود على الاطلاق. فالرجال في العمل أو في الشوارع يلعبون الورق، وغالباً غادروا إلى أماكن بعيدة تاركين المرأة وحدها تقوم بإعالة وتربية الأبناء.

العنوان "لينغي"، وهو بالتشادية الدارجة "الروابط المقدسة"، يعني أن ثمة روابط مقدسة وقادرة على مجابهة كل العقبات، ومن خلاله يتحدث المخرج عن الاتحاد بين النساء حين تكون هناك مشكلة كبرى.

نساء يتّحدن في الأزمات
عمل محمد صالح هارون، الذي يحمل أيضاً الجنسية الفرنسية وشغل منصب وزير الثقافة في تشاد لمدة سنة واحدة قبل أن يستقيل، يتركز على النساء بشكل عام، عن كفاحهن وقوتهن وقدراتهن العجيبة في مواجهة الصعاب. في مقابلته على قناة Tv5 monde الفرنسية قال المخرج إنه كتب عن نساء قويات كما عرفهن في حياته، فهو عاش في حضن جدّة قوية وأمّ صارمة وأخوات مكافحات، وكان يتذكر جدته أثناء كتابته لهذا الفيلم.

بعدما عاشت أمينة مبنوذة طوال 15 عاماً، اكتشفت أن ابنتها حامل! لم ترد أن تعيش ابنتها ما عاشته هي من عزلة وإزدراء، فربطت صلبها كي تنقذها من معضلتها وتساندها حتى لا تشعر بما عاشته طوال سنوات. "لا أريد أن أصبح مثلك يا أمي" تقولها ماميتا لوالدتها بعدما أخبرتها أنها حامل. في البداية ترفض أمينة أن تجهض ابنتها، لكنها ستعرف أن الفاعل هو إبراهيم الذي طلبها للزواج، فتوافق على العملية. "أنا اسمي أمينة.. ابنتي عمرها 15 سنة فقط وهي حامل. هل يمكنك إجهاضها؟"، هذا ما تقوله أمينة في عيادة خاصة سمعت بأنها تجري العملية، اذا ما دفعتْ الكثير من الأموال.

القانون التشادي يجرّم الإجهاض، ويعاقب الطبيب الذي يجريه بالمؤبد. وهنا يظهر الفيلم أن  شقيقة أمينة تقدّم المال، تاركة ابنتها التي هربت به لأن والدها أصرّ على ختانها.

تجهض ابنة أمينة بدعم من طبيبة، ويتعرض إبراهيم لهجوم من قبلها، وينتهي الفيلم بمشهد احتفال أسرة تشادية وأداء رقصات فولكورية "احتفالاً" بختان فتاة في السابعة من عمرها.

وكما اعتدنا مع المخرج محمد صالح هارون، اختار ضاحية من ضواحي العاصمة أنجمينا الفقيرة، كفضاء لقصته، وهي الأماكن الذي يعتبرها المخرج القلب الحي للمكان، والوسط الحقيقي الذي يتحدث عن السكان، كما اختار عائلة فقيرة من أجل قصته كما فعل دائماً، ووجه عدسته إلى الهامش.

يعرّي الفيلم النفاق المجتمعي الذي يعاقب المرأة فقط من دون أن يهتم بالرجل الذي هو الجلاّد،  وينتقد السلطة الأبوية كما ينتقد العادات السيئة من ختان وسلطات دينية ويتحدث عن الحب، حبّ الوالدة لابنتها.

حصد الفيلم احتفاء في الأوساط السينمائية وفي الغرب وفي مهرجان "كان" السينمائي، كما دخل جوائز الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لهذا العام. لكنه تعرض إلى نقد من الداخل حيث اعتبر كثر أن القضايا التي تناولها المخرج هي قضايا غربية وهامشية، وأنه أخرج فيلمه إلى المشاهد الغربي ليمجد أفكاره التحررية تجاه افريقيا المتوحشة. لكن المخرج دافع عن عمله قائلاً إنه أراد الخروج من الفولكلورية المشهورة عن افريقيا ليقدم عملاً انسانياً عالمياً يخاطب الجميع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها