الأحد 2022/01/02

آخر تحديث: 06:38 (بيروت)

لو عدته، لوجدتني عنده: هكذا يبدأ العام الجديد

الأحد 2022/01/02
لو عدته، لوجدتني عنده: هكذا يبدأ العام الجديد
مريم والنخلة
increase حجم الخط decrease
ورد في صحيح مسلم الحديث الآتي: «إنّ الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضتُ فلم تعدني، قال يا ربّ كيف أعودك وأنت ربّ العالمين، قال أما علمتَ أنّ عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمتَ أنّك لو عدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال يا ربّ وكيف أطعمك وأنت ربّ العالمين، قال أما علمت أنّه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال يا ربّ كيف أسقيك وأنت ربّ العالمين، قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنّك لو سقيته وجدت ذلك عندي».
إنّ كلّ من يلمّ قليلاً بكتاب العهد الجديد، يستنتج من دون مشقّة أنّ هذا الحديث النبويّ ينطوي على تقاطع مدهش مع ما يسمّى في التراث المسيحيّ «إنجيل الدينونة»، والذي نعثر عليه في الفصل الخامس والعشرين من إنجيل متّى (٣١-٤٦). أمّا أبرز الاختلافات، فيكمن في أنّ الشخصيّة المركزيّة في النصّ الإنجيليّ هي يسوع الناصريّ، الذي تُطلَق عليه ألقاب مثل «ابن الإنسان» و«الملك» ويتّخذ صفة الديّان في يوم القيامة، فيما يتصدّر الله نفسه بوصفه متكلّماً وديّاناً نصّ الحديث النبويّ. ويستخدم كلا النصّين للشخصيّة المركزيّة لقب «الربّ». يلفت كذلك أنّ الحديث النبويّ أكثر إيجازاً مقارنةً بالنصّ الإنجيليّ، الذي يضيف إلى المريض والجائع والعطشان كلّاً من الغريب والعريان والسجين. وهو يتّصف بأنّه لا يكتفي بالإشارة إلى «الملاعين» الذين لم يطعموا الجائع ولا سقوا العطشان ولا آووا الغريب ولا كسوا العريان ولا زاروا المريض والسجين، بل يتطرّق أوّلاً إلى الأبرار الذين قاموا بكلّ هذه الأمور.
نترك للعلماء الذين يعنون باستجلاء احتمالات نشوء النصوص ومسارات تطوّرها تفسير هذا التشابه المذهل بين المقطع الإنجيليّ والحديث النبويّ. بيت القصيد هو أنّ كلّاً من النصّين يؤكّد على طريقته، وبالاستناد إلى المقدّمات اللاهوتيّة التي ينطلق منها، أنّ الله يوحّد ذاته بالمستضعفين في الأرض، بالجوعى والعطاش والمرضى، وقياساً على ذلك بالعراة والغرباء والمسجونين. وإذا كان كلّ من الطعام والشراب والكساء والإيواء يحيلنا إلى حاجة جسديّة بالدرجة الأولى، فإنّ عيادة المرضى والمساجين تشير إلى حاجة من حاجات النفس. يضاف إلى ذلك أنّ لا شيء في هذين النصّين يجعلنا نفترض أنّ هؤلاء المستضعفين ينتمون إلى طائفة الأبرار. فالأكيد أنّ لهم أخطاءهم الكبيرة والصغيرة. من غير المعقول، مثلاً، أن نعتبر أنّ كلّ السجناء الذين يعرّج عليهم النصّ الإنجيليّ دخلوا السجن ظلماً. شرط الرحمة، إذاً، ليس برّ مَن يحتاج إلى الرحمة، بل مجرّد قرار الله بأن يتماهى مع الضعفاء، الذين يحتاجون إلى التعاضد المادّيّ والمعنويّ، وذلك إمّا مباشرةً كما في الحديث النبويّ، وإمّا بواسطة يسوع الناصريّ، الذي هو بحسب إيمان المسيحيّين صنوه وكلمته والمكان الكثيف لحضوره: «الله لم يره أحد قطّ، الإله الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر».


كذلك يستوقفنا في النصّين من الإنجيل والحديث النبويّ أنّ الله، في يوم الانقضاء، سيجعل موقف أبناء آدم من إخوتهم عباد الله المستضعفين في الأرض، سواء أكانوا جوعى أم عطاشاً أم عراةً أم غرباء أم مرضى، معيار دينونتهم، أي إنّ مدى التراحم بين البشر، ولا سيّما مدى التكافل مع المحتاجين والمكسورين والمسحوقين، هو الذي يتحكّم في نظرة الله إلى البشر في اليوم الأخير. لا إشارة في هذين النصّين إلى هويّة هؤلاء وما إذا كانوا ينتمون إلى الجماعة ذاتها، أو الطائفة ذاتها، أو الدين ذاته. يقف البشر عراةً أمام ربّهم في يوم الحشر، فيسألهم عن الرحمة، عن محبّة القريب، عن الأخوّة الإنسانيّة، عن التعاضد مع الجائعين والمشلوحين على سرير المرض والمرميّين في غياهب السجون والغرباء التائهين في قوارب الموت. بهذه المعرفة التي تتقدّم كلّ معرفة ينتهي عام قديم ويبدأ عام جديد. لا جديد تحت الشمس…
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها