الإثنين 2022/01/17

آخر تحديث: 12:59 (بيروت)

محمد خضير... مشتغِلون تحت النظر

الإثنين 2022/01/17
محمد خضير... مشتغِلون تحت النظر
increase حجم الخط decrease
ظلَّ المشتغِلون السرديُّون في اتحاد أدباء البصرة تحت مستوى نظرةٍ مستعلِية، رقيبة، ضاغطة، فكأنّهم حبيسو فضاءٍ طبقيّ منضَّد يحاكي بنيةَ النوع السرديّ المضغوط، المسمّى (ق. ق. ج). تجوّلت النظرة المراقِبة في أرجاء البناء المعماري التراثيّ القديم، كأنّ أحد (بخلاء) الجاحظ ينتصب في الأعلى، منتظراً أن تحظى حكايتُه بتجنيس محرَّم عليها، وعلى صانعِها الساخر الكبير، أبي عثمان عمرو بن بحر البصريّ المعتزليّ.

شهِدَ المشتغِلون على أنفسهم بأنفسِهم، مدة ثلاثة أيام، في نصوص مختصرة جداً، قبل ان تتحرّر "المفارقات" الساخرة من نهاياتها المفاجئة، وتتطاير كشرارات موقدٍ للطبقة العليا من حَوش الدّار، حيث تثوي أرواحُ الرجال والنساء من أجيال بائدة- منذ عصر الجاحظ والحريري وابن المقفع. هناك في الأعلى: باشَوَات ومَحظيّات وخدَم وحُجّاب، فلتوا من قيد التحريم الأجناسي على أخبارهم وحكاياتهم وطُرَفِهم، وراحوا يترقّبون ذِكرَ أسمائهم في تواتر على منصّة السَّرد، تحت مستوى نظرتهم. أصبحت الشراكة في السفر الافتراضي عبر الزمان والمكان، عقداً موثَّقاً، لا يستطيع ساردٌ حديث أن يتبرأ من بنوده الوراثيّة؛ فالاعترافُ بالنصّ القصير، القافز كيراعات الليل، يساوي حقّ السكن مع الماضين بين طبقتيّ المنزل القديم. وكان المشتغِلون أولاء قد انقسموا فئتين لتأدية شهادتين: شهادة الدفاع عن النص_ الشرارة، وشهادة الاتهام ضد النص المتلصِّص على ملكية دار الأنواع السردية الكبيرة؛ بينما كانت النظرة المتحفّزة_ في الأعلى_ تنتظر انفضاضَ جلسة الحُكم.

ستبقى الصورةُ_ النظرةُ العالية، منشورةً على الفضاء الافتراضيّ، لحين الاعتراف بأخيلة جلّاسها الأسفلين، المتسلِّلة إلى فناء المحاكمة، دونما اعترافٍ بهويّتها التجنيسية. فإنْ لم تحظَ النصوصُ القصيرة المضغوطة تحت ارتياب النظرة التاريخية المتعالية، بالمرور، فلعلّ التحاقها بالفضاء الرقميّ، واكتسابَها شفراته وكثافته اللغوية، سيسمحان لها بالانتماء الى عالمٍ تسريديّ_ غير تجنيسيّ.. فما حاجة كائنٍ نصيّ يشهد على نفسه بنفسه، ويبني فضاءه من مجموعة النظرات التسلّطية المتشكّكة، كي يزاحم المستقبل بقيمته التطوريّة، إلى هوية تجنيسٍ أرضيّة؟
أولئك المشتغِلون الخياليّون، سيملكون ما لم يملكه مشتغلو الواقع الحقيقي_ المتسلّطون_ حرّاس االنظرية_ المنتظِرون رُقادَ الأرواح العائدة من كتابٍ مهرَّب تحت جُنح التاريخ_ من (مُستطرَف) بهاء الدين ابي الفتح الأبشيهي القاهري، حتى كتاب الأرغواني أدوارد غاليانو "ذاكرة النار"؛ ومن "جنّة الشَّوك" حتى "أحلام فترة النقاهة". فمِن صفحات الإنس والحيوان والكائنات الخارقة وأحلامها تطايرت شراراتُ القصص المضغوطة نحو طبقات الأبنية السردية العليا، مثلما هربت حكايات ابن المقفع إلى فضاء النصوص الرقمية_ المستقبلية، في امتزاجٍ تزامنيّ. 

(*) مدونة نشرها القاصّ العراقي محمد خضير في صفحته الفايسبوكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها