الأحد 2022/01/16

آخر تحديث: 08:18 (بيروت)

دانيال أنجلي... ملك البابارتزي بلا فضائحية

الأحد 2022/01/16
increase حجم الخط decrease
دانيال أنجلي ليس مصوراً عادياً، وسبب ذلك، ليس موضوع صوره، أي النجوم فحسب، انما، وايضا، طريقة التقاطه لهم بعدسته. فقد لخص المعرض المعد حول عمله في باريس (Grande Arche de la Défense) كل مهنته بعنوان دقيق للغاية، وهو "ملك البابارتزي". بالفعل انجلي هو هذا الملك، الذي اطلق، وقبل عقود، وكالة فوتوغرافية باسمه، واخذ على عاتقه التنقل بين أمكنة المشاهير من أجل انتاج صور لهم، أو بالأحرى صور خاصة بهم. فقد اسس أنجلي وجهة خاصة في التصوير، بدأت بتصويره ما يعرف في قاموس المجلات الاجتماعية بالـ"people"، اي مجتمع المشاهير، وهذا، خلال سهراتهم او حفلاتهم، ولكن، سرعان ما شرع في ملاحقتهم في كل المطارح حيث يريدون أن يحضروا بعيدا عن أعين أغيارهم، أي من هم ليس على ذيوع مثلهم. بالتالي، جمع انجلي في وجهته بين صناعته صور المشاهير من ناحية، وتقديمه ما تخفيه من ناحية اخرى. وهنا بالتحديد، تكمن أهمية انجلي، فهو تمكن، وبتصويره، خلق مشاهير، أو الزيادة من نجوميتهم على الاقل، وبتصويره ذاته، استطاع ان يميط اللثام عما تستره هذه النجومية. 
بالطبع، وبحسب صور أنجلي، لم تبق صنعته تلك كما كانت مع مرور الوقت. اذ إن مشاهير ونجوم الأمس ليسوا كمشاهير ونجوم اليوم. حين ذهب انجلي إلى التقاط صورة لاديث بياف قبل موتها بأسابيع، استفهمت منه عن ماذا يريد، فأجابها "صورة". كادت أن ترفض لولا الحاحه، الذي دفعها إلى القبول. طلب منها أن تتظاهر بأنها تغني، فأجابته "هل تعتقد انني فعلا سأتظاهر بذلك"، وفي النتيجة، راحت تغني. التقط لها صورة حية، مملوءة بحضورها، الذي تكلله نظرتها المعروفة في اثناء الغناء، فقد كانت تنظر إلى الأعلى في حين تأديتها. مثال مختلف عن حالة النجوم القدامى، الذين لا يتركون لصورتهم تصنعهم وحدها، هو تصويرة أنجلي التي قد تكون الأكثر مرئية مقارنة بغيرها، أي تصويرة سيمون فيل في سانت-مكسيم، التي تظهر فيها فيل بعيون يمكن وصفها، وبسهولة، بالأيقونية. فأنجلي، حين كان يصور نجومه ومشاهيره، كان يرسم بورتريهات لهم، لتكون مؤلفة مما يشكل سماتهم الرئيسة، التي تجسدهم بكثافة، من قبيل صلابة الملكة إليزابيت الثانية، او لامبالاة سيرج غينسبور، او صمت كاترين دونوف.


المقلب الآخر لتصوير أنجلي للمشاهير، يتعلّق بتسلله الى عيشهم، الذي ارادوه ان يبقى في الظل. ولكن، ليس في تسلل أنجلي اي تلصص عليهم. فهو استطاع أن يكون "ملك البابارتزي" من دون ان يكون "ملك الفضائحية"، وهذا، مع أن الصحف والمجلات التي نشرت صوره، قدمتها كأنها عناوين للفضائح. فقد كان أنجلي يذهب إلى "كان" او "سان-ترو" حيث يعيش نجومه ومشاهيره، يمضي عطلته بالقرب من بيوتهم، ويحاول خلال ذلك أن يلتقطهم، أو يصطادهم حتى، من بعيد. صور بريجيت باردو على قارب، لكنه، وحين فعل ذلك، لم يلجأ الى إلى تشويه صورتها، او تدمير سمعتها. على العكس، في صورة باردو تلك، تمكن من تقديمها على اختلاف مما هي عليه في تمثيلها او نشاطاتها الأخرى. كذلك فعل مع جيوفاني انييلي، أو "الافوكاتو"، الذي التقطه على قارب بعيد في "كوت دازور"، الامر نفسه ينسحب على رومي شنايدر لحظة تقبيلها دانيال بياسيني في سويسرا. كل هذه اللقطات وسواها، لم يكن أنجلي يبغي بها فضح نجومه ومشاهيره، انما تقريبهم من عيش الذين لا ينتمون الى عالمهم، أي من عيش جماهيرهم. بالتأكيد، في اقدام أنجلي على ذلك نوع من التدخل في الحياة الخاصة لنجومه ومشاهيره، وهو تدخل يريد منه فتح حياتهم هذه على الحياة العامة لكي لا يبدون، وطوال وضعهم لها بعيدا عن الاضواء، كأنهم في سمواتهم التي يصعب بلوغها، كأنهم ليسوا كائنات بشرية كغيرهم. تدخل أنجلي لا يخرب خصوصيتهم، بل "يعلمنها" كما "يعلمنهم" ليصيروا من لحم ودم. وهذا بالتحديد ما كان يسرون به هؤلاء، او بعضهم الغالب. فصحيح انهم، وفي البداية، كانوا يتلقون "بابارتزيته" كأنها تطفل عليهم، ولكن، سرعان ما وجدوا انه يخفف من ثقل النجومية عن كاهلهم، كما لو ان التقاطهم لهم في خصوصيتهم يعينهم على تحمّل عيشهم التام في التصورات العامة عنهم، أي أن التقاطه لهم هو فرصة تخففهم من نجوميتهم الكاملة. 
هذا ما شهدت علاقة أنجلي بهم، التي، ورغم تدخله في خصوصياتهم، ظلّت متينة. كما لو انهم، وفي لحظة ما، بدأوا بالانتباه الى ان صور "البابارتزي"، تفيدهم أكثر مما تضرّهم. وفي هذا السياق، يمكن القول إن ما تغير فيهم بين الأمس واليوم، هو كونهم صاروا يحبون تلك الصور، بحيث تزيد من شهرتهم أكثر مما تنقص منها. فنجوم ومشاهير أنجلي تبدلوا، وغدوا، وفي صوره اللاحقة، منتبهين أكثر الى عدسته، كما لو انهم يطلبون منه أن يتلصص عليهم لكي يكونوا في نجوميتهم. فـ"البابارتزي" ما عادت تدخل في خصوصيتهم، انما اضحت كناية عن دمج لهذه الخصوصية في الاضواء بعد جعلها مكمن شهرتهم. فحين يزاول أنجلي "بابارتزيته" على احد ما، فهذا يعني حتما انه من "البيوبول"، او، وبطريقة أخرى، لكي يكون من "البيوبول" لا مناص من التقاطه "بابارتزياً". فقد تغير النجوم والمشاهير: ممن لا يحبون التقاطهم من دون علمهم، الى من يطلبون تصويرهم "من دون علمهم" لكي يلمعوا أكثر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها