الإثنين 2021/09/27

آخر تحديث: 13:38 (بيروت)

هل تأثرت اللغة السينمائية العربية بطفرة التقنيات الجديدة؟

الإثنين 2021/09/27
هل تأثرت اللغة السينمائية العربية بطفرة التقنيات الجديدة؟
من الفيلم السوداني "ستموت في العشرين"
increase حجم الخط decrease

في سياق "ملتقى مينا: محطات لقاء وعبور فنية" 2021، والذي يواكب برمجة "اتجاهات" في الذكرى العاشرة لتأسيسها، نظمت المؤسسة بالشراكة مع "المورد الثقافي" جلسة حوارية في بيروت بعنوان "عن الشعب الغائب وعنف التمثيل الحاضر | جدل الصورة والبصري: رحلة العشر سنوات"، تعالج موضوع الصورة السينمائية في المنطقة العربية خلال عشر سنوات، وتطرح أسئلة عن التجارب والنماذج الجمالية المتنوعة التي قدمتها.

أتت الجلسة قبل أيام من برمجة منصة "أفلامنا" التابعة لـ"بيروت دي سي" مجموعة أفلام تسجيلية وروائية حاصلة على دعم "المورد الثقافي" (خلال شهر أكتوبر/تشرين أول). وقد طرحت الجلسة التي أدارتها فرح فايد من "بيروت دي سي" أسئلة عديدة حول التأثيرات الأساسية التي كونت الصورة السينمائية الجديدة، وهنا مقتطفات من إجابات المشاركين عنها:

هل تأثرت اللغة البصرية في المنطقة العربية بالطفرات التقنية؟ أم أن تأثير التطور اقتصر على خرق الركود القائم من نواحي التوزيع والعرض؟

إنصاف ماشطة (ناقدة سينمائية من تونس ومديرة فنية لجمعية "مسارب" وأستاذة جامعية):
حاولت إنصاف ماشطة الإجابة عن هذا السؤال من خلال الحديث عن تجارب سينمائية في السنوات العشر الماضية، من بينها فيلم المخرج السوري زياد كلثوم "الرقيب خالد". إذ يشكل هذا الفيلم تكثيفاً للتناقض الذي تعيشه السينما الجديدة بين نمطين جماليين، واحد يستكين لأسلوب تقليدي من الصناعة السينمائية، وآخر يجد نفسه مجبراً على استخدام وسائط جديدة كالموبايل لأداء الوظيفة التي تعجز الكاميرا التقليدية عن تحقيقها. وينقسم تصوير "الرقيب خالد" بين مكانين/فضاءَين بصريين: الأول هو موقع تصوير فيلم محمد ملص "سلّم إلى دمشق" الذي يعمل فيه كلثوم كمساعد مخرج، والثاني هو مكان تأدية كلثوم خدمته الإلزامية في الأبنية الحكومية والعسكرية التابعة للجيش السوري.

ما يثير اهتمام ماشطة في هذا الفيلم تحديداً، أنه يظهر قدرة التقنيات الجديدة على تجريد المخرج من سلطته على المادة المرئية. مثلاً في الجزء المصور بالموبايل، تظهر الأقدام فقط والأحذية والبذلات العسكرية، لا الشخصيات، بينما لا يتاح تصوير الفضاء المكاني الموجود فيه المخرج سوى في مناسبات قليلة، ما يبدو تجريداً لسلطته على الصورة المرئية. أما في القسم المصور بالكاميرا، فتظهر فيه قدرة المخرج على امتلاك أدوات "السلطة السينمائية"، التي تتحكم بشكل كامل في الحقل المرئي.

ويؤدي الإذن الرسمي بالتصوير، الذي استحصل عليه محمد ملص، دوراً في توفير المناخ المناسب لهذه السيطرة المرئية، وهو الظرف الذي يستغله زياد كلثوم لتصوير مدينة مسكونة بالحرب والموت. لكنه، من ناحية أخرى، يظهر تأثير التقنيات التي تتيحها الأدوات الإنتاجية التي تذكر منها ماشطة "المونيتور"، أي الأداة التي يستعملها المخرج لمشاهدة ما يراه مدير التصوير، التي تمثل وفقها أداة للهيمنة على الفضاء أو الحقل البصري الـ Perspective.

شريف زهيري (مخرج سينمائي وكاتب سيناريو من مصر):
يرى المخرج المصري شريف زهيري أن هذه التقنيات الجديدة رغم اهميتها، لم تكن قادرة على خلق لغة سينمائية جديدة، فالإبداع الإنساني دائما يمتلك اليد العليا بمواجهة التكنولوجيا، وبإمكانه تطويعها ضمن القوالب الذهنية المعروفة. يعطي زهيري مثال كاميرات 16ملم او 8ملم التي حين دخلت إلى عالم السينما، بدأ الجميع بطرح الأسئلة عن قدرتها على التأثير في اللغة السينمائية: "هناك جهاز الكاميرا وجهاز صانع الافلام. الأخير يمتلك رؤية ونظرة وفكرة، بعكس الكاميرا التي تحتاج من يشغلها ويتحكم بها، لذلك طفرات التكنولوجيا دائماً ما يتم استيعابها وتنتهي لصالح السياقات الجمالية السائدة".

استغلت السينما الوثائقية الوسائط المتاحة على المستوى الشعبي بشكل أكبر من السينما الروائية، لكن هل كان ذلك إيجابياً دائماً؟

يقول زهيري: "السينما الوثائقية هي تناول إبداعي للحقيقة، وليست الحقيقة كما هي. من هنا اعتراضي الأساسي على المنتج البصري المشوه أو متدني الجودة الذي نراه بشكل اعتباطي في الافلام، لأن من يستخدمه يريد الإيحاء للجمهور أنه يقدم الحقيقة كما هي. للأسف نجد ذلك أيضاً في وسائل الإعلام التي تستعمل مشاهد مأخوذة بالموبايل لإعطاء وهم الواقعية التي تصب في النهاية ضمن أجندات محددة".

ويرى زهيري أن الموازنة مرتبطة بشكل وثيق ايضا بالتقنيات، ما يحدد بالتالي الخيارات الجمالية للمخرجين. "في السابق لم يكن ليتاح لشخص مثلي أن يصنع فيلماً بسبب الكلفة المرتفعة. اما اليوم، فقد تغير هذا الواقع، لكن يبقى للموازنة تأثير كبير في الجماليات، والمثال الأوضح فيلم الرحلات الذي أنتجته من دون دعم: "7 سنوات في دلتا النيل". امتلك الفيلم هوية بصرية فريدة، فرضها عدم امتلاكي كاميرا شخصية. فقد كان عليّ عند كل رحلة استعارة كاميرا من احد أصدقائي، وهو ما فرض على الفيلم هوية محددة".

حسام هلالي (كاتب، مسرحي، وصحافي من السودان):
كما الزهيري، يقلل الكاتب السوداني حسام هلالي من قدرة التقنيات الجديدة التأثير في اللغة السينمائية المكرسة: "رغم فتح التكنولوجيا المجال امام المتلقي للمشاركة في صناعة الصورة او حتى خلق صورة بديلة، فإن هذه الصورة الجديدة أظهرت فعاليتها كبديل عن وسائل الإعلام التقليدية وليس عن السينما... فالأخيرة دائماً ما تتمكن من تطويع التقنيات لصالحها".

يضيف هلالي: "هذا النقاش حول التقنيات يستمر من جيل إلى آخر. بعد العام 2000 رفض الرعيل الأول من المخرجين السودانيين (درسوا السينما في الإتحاد السوفياتي أو أوروبا)، سينما الديجيتال لأنها لم تكن سينما حقيقية بالنسبة إليهم. نظرة هؤلاء للسينما لم تكن محصورة في الصورة، بل تجاوزتها إلى أدوات الإنتاج من تحميض الأفلام إلى أساليب المونتاج.. لذلك رأى هؤلاء أن السينما الجديدة لم تكن سينما حقيقية بل مجرد "فيديو آرت". طبعاً، أتفهم ذلك، فهؤلاء أنفقوا سنوات طويلة من حياتهم في الدراسة والتدريب، وحين تخرجوا وحاولوا صناعة أفلام كان عليهم اللجوء إلى الدولة حصراً للحصول على تمويل، قبل أن يأتي فجأة الانقلاب ويجعل الأفلام محرّمة. في النهاية يأتي بعض الأولاد بكاميرا وكومبيوتر ليصنعوا فيلماً بدعم من مؤسسات غير حكومية. كان ذلك شيئاً مجحفاً وغير عادل من وجهة نظر مخرجي الرعيل الأول.

يرى هلالي أن إحدى أهم إيجابيات التطور التكنولوجي هي الثورة التي حصلت في مجال التوزيع التي أتاحت الأفلام لفئات جديدة، بعدما كانت محصورة سابقاً في جمهور المهرجانات: "بالإضافة إلى منصات عرض الأفلام التي نشطت خلال فترة الوباء ودفعت مجال التوزيع إلى الأمام، أعتقد أن قرصنة الأفلام أيضاً شكلت نوعا من التمرد على علاقات السلطة في المجال السينمائي. دائماً ما أسمع تعليقات من سودانيين عن الافلام الجديدة التي شاهدها الجميع باستثناء الأشخاص الذين تتحدث عنهم أو تمثلهم، لذلك حين عرض "ستموت في العشرين" عبر إحدى المنصات، تمت قرصنته بعد وقت قصير عبر فايسبوك وتمكن الجميع من مشاهدته".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها