الجمعة 2021/09/24

آخر تحديث: 13:28 (بيروت)

أحزان ميقاتي وأرنب "حزب الله"... فيلم هندي طويل

الجمعة 2021/09/24
أحزان ميقاتي وأرنب "حزب الله"... فيلم هندي طويل
صهاريج مازوت حزب الله في بعلبك (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
العابر والمتجوّل في معظم المناطق اللبنانية، والسامع بأسعار البنزين في السوق السوداء (وصلت الى 500 ألف ليرة وتجاوزتها)، أو الواقف في طوابير "الذلّ العالي"، المراقب لحركة تجار الغالونات في الأحياء وعلى النواصي، لا بدّ أن يقول إن الأزمة، التي هي في جزء كبير منها مفتعلة، أفرزت آلاف "تجار" البنزين والمازوت والغاز، الذين يعمقون الكارثة، إما خبثاً أو بحثاً عن الثراء السريع، وإما سعياً خلف لقمة عيشهم، خصوصاً آلاف الموظفين والعسكريين والعمال الذين لا تساوي رواتبهم ثمن أجرة نقلهم.

والأزمة أفرزت أيضاً دخول حزب الله في "كارتيلات النفط"، من خلال شحن نفط إيراني عبر معابر "غير شرعية"، متخطياً كل الأطر والقوانين والسيادة اللبنانية، ولم يكن لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما يقوله، سوى التعبير عن حزنه. ولا تذكرنا أحزان ميقاتي على السيادة اللبنانية، إلا بقلق الأمين العام السابق للأمم المتحدة سابقاً، بان كي مون، على الوضع في سوريا وأماكن أخرى. تحولتْ سوريا إلى أطلال بعد حروب الكيماوي والبراميل، والسيد بان يبدي قلقه اليومي. والملياردير الطرابلسي ميقاتي، الذي بدأ مشواره الحكومي بالدموع ثم بالأحزان، مروراً بإنشائيات "شمعه في الظلام" في مجلس النواب، سيعبّر عن حزنه بشكل يومي في ظل هيمنة حزب الله وغطاء عون. ففي حين كان "أبو الفقراء"، كما تقول اللافتات، يعبّر عن حزنه عبر محطة تلفزيونية أميركية، كان مسؤول إيراني يقول إن النفط وصل إلى لبنان بـ"الاتفاق مع السلطة اللبنانية". والحق أن المسؤول الإيراني، لا يقول "السلطة اللبنانية" عن جهل، بل يقصد إن حزب الله هو السلطة في لبنان (على نحو ما قال وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، في تصريح صحافي، "إن نصرالله هو الرئيس الفعلي للبنان"، قبل أن يصبح وزيراً من حصة عون في مسعى لتبييض صورة باسيل في أميركا.. غواية الكرسي ولعنتها!).

والحال، إن الحزب خُمينيّ الهوى، يعرف من أين تؤكل الكتف في زمن الأزمات، يعرف كيف يشد عصب الجمهور، محترف ثقافة البروباغندا كطريقة براغماتية للسيطرة على الواقع المأزوم، يعرف كيف يخرج "أرنب القوة" من كمّه. القوة تغوي في بلاد الشرق، "القبضنة" أكثر جاذبية من المواطنية في أذهان الحشود. حزب الله، الشريك في تفتيت لبنان، والشريك في تعميق أزمة المحروقات بشكل مباشر أو غير مباشر (قال أحد المقربين منه "ان تهريب النفط مقاومة")، ظهر منتصراً بين جمهوره في خضم أزمة المازوت، كأن صهاريجه التي عبرت من سوريا الى لبنان، كانت أسيرة لدى العدو، وقوته استرجعتها، وأعلن الانتصار على الحصار "والاستكبار" كما يسميه نجل السيد فضل الله. في الواقع، انبثق الحزب إلى الوجود بعدما تحوّل لبنان ركاماً العام 1982، كان أشلاء وطن وسط حروب متعددة ومستعرة، وجاء الحزب بمنطق أنه الحزب الخلاصي، وبدأ انتعاشة وصعوده وهيمنته، وكان يستفيد بشكل مطلق من ترهل الدولة اجتماعياً وأمنياً، حتى أصبح هو الدولة ومقرر حربها وسلمها ورئيسها ومجلس نوابها وشكل حكومتها. ولا ينفصل شحنه النفط، مرفقاً برصاص الابتهاج وخطابات الانتصار، عن مساره في الاستفادة من احتضار الدولة اللبنانية. وحزب الله لم يصل إلى ما وصل إليه بمفرده، بل بمساعدة الآخرين الذين يستجدون المواقع، أو يستسلمون للواقع.

على أن أزمة المحروقات في الميدان اللبناني لا تختلف عن أزمة الليرة وصعود الأسعار الجنوني. فالعابر في شوارع المدن، أو المتابع لعشرات أو مئات مجموعات "واتسآب"، لا بد أن يقول إن الصغير والكبير، الثري والمفلس، تحولوا تجار دولار، وبالأحرى مقامرين، ينتظرون لحظة بلحظة ما تمليه عليهم مافيات السوق السوداء من أسعار وبورصات... مشهد هذياني هو مشهد الدولار بين الناس، ولدى التجار الذين يسابقونه في رفع أسعار السلع...

قبل البنزين والدولار كانت الكهرباء، سلطة مارقة وسارقة، دمرت قطاع الطاقة، وأنعشت الظلام وثقافة الشموع، فحولت الكثير من الشبيحة والزعران إلى تجار كهرباء "يتمقطعون" بالناس، بالأسعار وساعات تغذية، ولا يختلف الأمر في شبكات توزيع المياه... وقبل كل شيء وقبل أي شيء، كانت الشعوبيات الطائفية والمذهبية، التي حولت الناس قطعاناً. إذ دخلت "السياسة" كل بيت وكل حانة وكل سيارة نقل، فماتت السياسة بمعناها التقليدي والعملي، غلب منطق العصبيات والتحشيد، وتغلّب منطق القوة والاستتباع على الدستور والقضاء، ولم يعد مجلس النواب هو المكان لطرح أي جدل أو نقاش، لم يعد مجلس النواب المكان لفض النزاعات وإخراجها من الشوارع والزواريب، بل ماتت السياسة منذ أن أصبح أقطاب الجمهورية اللبنانية ينتظرون إطلالات وإملاءات أمين عام حزب الله وتوجيهاته، في البيئة والجهاد الزراعي والنفط والقضاء والقدر والسيادة والتحالفات والخير والشر، وهلمّ جرا...

بالمختتم، دُمّرت القطاعات كلها في لبنان، دُمّرتْ الامتيازات كلها، من التعليم الى الاستشفاء إلى الثقافة والبيئة والسياحة والقطاع النقدي، وجبران باسيل ما زال يبحث عن حقوق المسيحيين ويحقق "الانتصارات". بينما أحزان ميقاتي، ومعه سعد الحريري، أشبه بفيلم هندي طويل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها