الخميس 2021/09/23

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

أنطوان كرباج في مُلصقاته... نجم كل المخرجين

الخميس 2021/09/23
أنطوان كرباج في مُلصقاته... نجم كل المخرجين
ملصقات كرباج التي اهدى جزءا منها الى مكتبة الجامعة الاميركية
increase حجم الخط decrease
يُفاجأ المتابع أو القارئ لملصقات المسرحيات، التي شارك فيها الممثل أنطوان كرباج، بكمٍّ من المعلومات المسرحية والموسيقية والبصرية التي لا يعرفها الجيل الجديد، وهي تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها، أو سرد مسارها انطلاقاً من كونها تشكل رافداً للذاكرة الثقافية والمسرحية والبصرية التي كانت غنية نوعاً، وأصيبت بنكسات أو تراجعت في المدة الأخيرة.

ويُفاجأ المتابع أيضاً بكمِّ النوستالجيا التي تعبق بها الملصقات، كأنها ما تبقى لدينا من الذاكرة البصرية. ربما عبقها إضافي الآن في زمن طوفان الثقافة الرقمية الديجتالية والصور الهلامية والفايسبوكية، إذ تحول كل شيء إلى ما يشبه الضباب... الملصقات الورقية الكرباجية أو التي اختير كرباج نجماً لها، تبرّع بها الممثل القدير (الذي يعيش الآن في دار للعجزة) الى مكتبة الجامعة الأميركية، التي بدورها حولتها الى مختبر الرقمنة، ونشرتها في الانترنت(*)...

وكرباج، الرائد بين رواد الفنون المسرحية العرب، وبحسب المعرض الرقمي، يعتبر "أن المسرح مرآة المجتمع ويجب أن يعكس مشاكله الاجتماعية". تلقى علومه الجامعية في جامعة القديس يوسف في بيروت، وتخصص في مادتي التاريخ والجغرافيا. خلال دراسته في هذا الصرح، اكتشف أن ثمة مسرحاً مغلقاً، وحلم بإعادة افتتاحه، لكنه عجز لأن المسرح يتطلب شروطاً ومعايير، لذلك التحق بمعهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية، وكان يديره آنذاك المخرج منير أبو دبس، وتعاون مع الأخير بين 1962 و1968.

بحسب سيرته المتداولة، كان أول ظهور مسرحي له في مسرحية "الملك أوديب" (قُدمت ضمن مهرجان البحر المتوسط المسرحي في المغرب)، وجسد فيها كرباج شخصية الراعي، ثم جسّد شخصية ماكبث في مسرحية "ماكبث" من إخراج منير أبو دبس، في مهرجان جبيل الأول العام 1962. أما المحطة الأهم في مسيرته، فكانت مسرحية "الملك يموت" التي أدى فيها دور ملك في عامه المئة ويرفض الموت، وكان في الرابعة والعشرين من عمره، فشكلت هذه المسرحية تحدياً لقدراته التمثيلية.

بعد هزيمة 1967، انفصل عن منير أبو دبس، وشارك في أبريل/ نيسان مع المسرحي اللبناني ميشال نبعة في مسرحية "الديكتاتور" كتابة عصام محفوظ، حيث قدّم مفهومًا جديدًا للمسرح اللبناني: فعرض حواراً مكثفاً لمدة ساعتين باللهجة اللبنانية المحكية، بين الديكتاتور ومساعده، ضمن ديكور متواضع. و"تعكس مسرحية "الديكتاتور" واقع كل سياسي عربي ميسور الحال، بينما الناس تتضور جوعاً تحت الحصار"، وهي عرضت في مسرح غولبنكيان في بيروت. ثم شارك كرباج في مسرحية "الأمير الأحمر" التي عرضت في سينما أورلي، وهي مقتبسة عن قصة مارون عبود، إخراج يعقوب شدراوي، بطولة ليلى كرم، إيلي صنيفر، والياس رزق، "وتسلّط القصة الضوء على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها القرى اللبنانية، في معركة بين الخير وسلطة الشر المحدقة بالقرويين المتواضعين في بحثهمً عن كرامة ضائعة. وتسلط الضوء أيضاً على جوانب عديدة من حياة القرويين اللبنانيين في الستينات والسبعينات، مثل العلاقة بين الرجال والنساء، والدور الاجتماعي للكنيسة، وتأثير النظام الضريبي غير العادل في ذلك الوقت، بالإضافة الى معالجتها قضايا أخرى". وفي العام 1974، شارك كرباج في مسرحية "المهرج" إخراج يعقوب شدراوي، وتناول فيها المؤلف، الشاعر الساخط محمد الماغوط، قضايا تتعلق بـ"الأمة العربية" ككل، ومحاربة الفساد، وضياع فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة. كانت المسرحية بمثابة دعوة إلى تغيير في السياسة العربية وتحديثها وتطويرها. وفي العام نفسه، قدم كرباج بالاشتراك مع نضال الاشقر، مسرحية "ابو علي الاسمراني"، في مسرح سينما أورلي، والمسرحية للكاتب التركي خلدون تنير، موسيقى زياد الرحباني، إخراج بيرج فازليان الذي تلقى العديد من التهديدات من شخصيات أرمنية كون كاتب العمل هو التركي خلدون تنير. لكن المسرحية قُدمت بنجاح بعدما ترجمها فازليان من اللغة التركية إلى الأرمنية "ثم قام آخر بترجمتها من الأرمنية إلى العربية فيما تولى الممثل سليمان الباشا كتابة الترجمة"، وتضمن العمل بعضًا من أفضل أعمال زياد الرحباني.

في مسرح أورلي، شباط 1975، قدم كرباج "المارسيلياز العربي" تأليف محمد الماغوط، موسيقى زياد الرحباني، اخراج يعقوب شدراوي، ديكور غازي قهوجي. كانت "المرسيلياز العربي" ناجحة جداً لأن الناس أحبّت انطوان كرباج. فهو كان "يعرف كيف يختار الأدوار التي تناسب شخصيته". وفي هذه المسرحية، عمل مرة أخرى مع مجموعة الأشخاص أنفسهم الذين برعوا في إنتاج المسرح في السبعينات والثمانينات. و"أورلي" كان أحد المسارح التي افتتحت في السبعينات واستمرت بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية العام 1975، لكنها أغلقت في التسعينات بسبب تأثر تلك المسارح بالعواقب الاقتصادية للحرب. في العام 1979 قدم كرباج مسرحية "القبقاب"، في مسرح كازينو لبنان، وهي من تأليف انطون غندور، وتولى كرباج الإخراج للمرة الأولى في هذه المسرحية التي كان قام فيها أيضاً بدور البطولة.

وفي نيسان 1980، وفي مسرح كازينو لبنان، استمر التعاون مع انطون غندور، فقدم ومسرحية "بربر آغا"، وفي العام نفسه بدأ التعاون مع روميو لحود فقدم مسرحية "نمرود" في مسرح الاليزيه، وكانت واحدة من حوالى 12 مسرحية من إخراج روميو لحود. عرضت المسرحية في مسرح الإليزيه في الأشرفية، أحد المسارح القليلة في لبنان التي لم تغلق خلال الحرب الأهلية اللبنانية.

ويبدو أن كرباج كان نجم كل المخرجين، من يعقوب شدراوي الى بيرج فازليان، ثم جلال خوري في مسرحية "زلمك سيدنا"(1981) التي عرضت في مسرح لاسيتيه. واللافت أن الذي رعى هذه المسرحية كان أحد القادة السياسيين، أمين الجميل، زعيم حزب الكتائب اللبنانية في ذلك الوقت والذي أصبح رئيساً للجمهورية اللبنانية في ما بعد. وبحسب موقع ملصقات كرباج "تمّ انتقاد المسرحية والمخرج خوري بشدة، لأنه انتقل من اليسار السياسي إلى اليمين السياسي بعد هذه المسرحية". والنافل أن الكثير من الوجوه الثقافية اليسارية ارتدّت الى طوائفها في تلك المرحلة، خصوصاً بعد اندلاع الحرب الأهلية، واغتيال كمال جنبلاط، والفرز الطائفي والمجازر.

في العام 1985 شارك كرباج في مسرحية "أمرك سيدنا" في مسرح كازينو لبنان، إخراج زهراب يعقوبيان، الموسيقى التصويرية من تأليف زياد الرحباني. وفي العام 1987 كان نجم مسرحية "أبطال وحرامييّ" في كازينو لبنان. في العام 1995، شارك في مسرحية "كذاب عند الطلب"، ولم يكن نجماً في المسرح فحسب، بل في العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام والإنتاج السينمائي، منها فيلم "نساء في خطر"(1982) بطولة ليز سركيسيان بالاشتراك مع فؤاد شرف الدين، فهمان، ومادونا، إخراج سمير الغصيني.

الملاحظ من خلال الملصقات الكرباجية، أن الكثير من الأمكنة الثقافية في لبنان اندثر أو تعطل أو قُتل أمام وطأة التحولات التي أصابت كل شيء في لبنان، سينما أورلي وغيرها. الأمر الآخر، أن تأريخ الذاكرة الثقافية اللبنانية يبدو اعتباطياً، وغالبا ما نقرأ سير مخرجين وفنانين وأمكنة، فنجد أن الكتابة تختصرهم في عناوين عريضة. فلا كتابات لبنانية بحثية متجذرة في رصد التحولات والذاكرة. ربما يكون هناك بعض الأبحاث، لكن النشر يظلمها، أو يظلمها التداول...

(*) الميتاداتا والترجمة من إعداد بسمة شباني، والمعرض من إعداد دلال رحمة.
(**) هذا المقال يقتصر على عرض بعض الملصقات التي نشرت ولا يتطرق الى معظم أعمال كرباج.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها