الثلاثاء 2021/09/14

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

حكومة "إضحك معنا"..لكن بتهذيب!

الثلاثاء 2021/09/14
حكومة "إضحك معنا"..لكن بتهذيب!
دموع راوول نعمة خلال التسلم والتسليم في وزارة الاقتصاد (دالاتي ونهرا)
increase حجم الخط decrease

في يوم التسلّم والتسليم في مقرات الوزارات اللبنانية، ها هو وزيرُ الاقتصاد المنتهية خدمته، راوول نعمة، يتوّج الحدث بدموعه. نعمة، الذي لم ينسَ أهالي شهداء تفجير المرفأ، كتابه إلى المحقق العدلي قبل أشهر، للإقرار بانتفاء فرضيات الإرهاب والعمل الحربي، كي يتمكن من مطالبة شركات الضمان والتأمين بالتعويضات. نعمة بكى اليوم، فيما كان يسلّم عهدته، حينما ذَكَر في كلمته الوداعية عمال الأهراءات الذين سقطوا في التفجير نفسه.

أما زينة عكر، وزيرة الوزارات (الدفاع، والخارجية بالوكالة ونائبة رئيس مجلس الوزراء السابق)، فبدت امرأة خارقة، نسخة دبلوماسية من القاضية غادة عون ذات الباع الطويل في الكسر والخلع. هكذا، انتهت عكر من خلع باب "الخارجية"، أطلقت نظرة "ليزر" حارقة صوب الموظف الذي لا يقل عنها "شطارة" إذ جعل من "أمانته العامة" إدارة رديفة لينافس الوزيرة على الحظيرة، رفرف وشاحها بما يكفي غمرة الانتصار المتحقق بالاطلاع على البريد ووداع الموظفين،... ثم ارتدت السترة الزهرية وذهبت تسلّم الأمانة إلى خلَفها في وزارة الدفاع.

وقبلهما الوزير الجديد للشؤون الاجتماعية، هيكتور حجار، أبدع في محاضرته للبنانيين عن التقشف في الحفاضات ومحارم الكلينكس والشرب من مياه الحنفية، فأغرقته وسائل التواصل الاجتماعي بما يستحقّ. لكنه لم يغفل عن مواساة زميله وزير الطاقة، وليد فياض، ذي السيرة الذاتية المضمخة بالشبهات، مستنتجاً بذكاء فتاك أن وزراء التيار الوطني الحر يتعرضون لحملة جيوش الكترونية.

ويجد واحدنا نفسه متسائلاً: هل يبذل التيار الوطني الحر جهداً كي يخرج هذه النماذج المبهرة إلى الحياة العامة؟ هل هناك "كاستنغ"؟ أما أنها هكذا مواهب ربانية، والله يعطي من يشاء؟).

الأمانة تقتضي القول أن كوميديا الرثاثة، باقية وتتمدد منذ حكومة حسان دياب، عابرة للطوائف والأحزاب بسلاسة منقطعة النظير. الدولة للصراعات بين الأقطاب، واللادولة للناس، والهزل للجميع. تكفي حكاية الضفادع التي ضمّنها كلمته، اليوم، وزير الاقتصاد الجديد، أمين سلام، مُضافةً إلى اقتراح وزير المهجرين، عصام شرف الدين، بوضع "شارة الاسم" على سترة كل وزير ليتمكنوا من معرفة بعضهم البعض كما يحصل في المؤتمرات متعددة الجنسيات وتجمّعات الباحثين عن شريك في لقاءات المواعدة العمياء...

والحال إن اللبنانيين لم يبق لهم إلا السخرية لتلقف هذه المُدهِشات كلها، ومعها قراءات الكواليس عن أنهم في صدد حكومة جوهرها "حزب الله" والنظام السوري، وواجهتُها متراقصة بنجوم عَونيّة براقة. حكومة تعويم بشار الأسد وطمأنة طهران، انتشال اسم جبران باسيل من لائحة العقوبات، والتوصل كيفما كان إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي (إن قَبِل بنا الصندوق!).

اللبنانيون يوضَعون، كمُستضعفين ومُحتَقَرين، أمام إدارة قوى الأمر الواقع، للواقع المزري، وهي المُشارِكة أيضاً -يا للمفارقة- في مؤسسات الدولة، تشريعياً وتنفيذياً، وعلى رأسها "حزب الله". والحزب، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام، "يعدّ احتفالين لاستقبال قافلة صهاريج المحروقات الإيرانية من بانياس السورية. الأول في المنطقة بين بلدتي العين والنبي عثمان في البقاع الشمالي، والثاني عند مدخل بعلبك الجنوبي، حيث سيقام احتفال جماهيري في حضور نواب بعلبك الهرمل، رؤساء بلديات واتحادات بلدية، وفاعليات سياسية واقتصادية ودينية ونقابية، واجتماعية. ويلي الحفلة، تخزين الحمولة في خزانات تابعة لشركة محطات "الأمانة" في المنطقة، ويتم بعد ذلك نقلها وتفريغها في خزانات المؤسسات والجهات الراغبة بالحصول على المازوت الإيراني".

حسناً، ولماذا لا يحتفل كلّيو القدرة بقدراتهم التي يبدو الآن أن لا رادّ لها؟

عملياً، لم يبق سوى الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. وحتى هذه ما عادت تخيف أحداً، ومن زمان، طالما أن لكلٍّ أبواقه.. وشبيحته ودراجاته النارية. لا رأي عاماً في حسبان "عصبة الحُكم" التي تدرك استعصاء تحوله إلى فعل تغييري في ظل أسلحة الطوائف وبعد ثورة محبَطة ومحبِطة. حتى عنتريات وزير الإعلام الأسدي، جورج قرداحي، وإملاءاته عن "مسؤولية الإعلاميين في إشاعة التفاؤل" والامتناع عن استضافة محللين جهابذة في تثبيط العزائم، ليست سوى لتأكيد الطغمة، وتربية المنتقدين منذ البداية، وتهذيب أي معارضة، مهما كانت عاجزة. إذ ما عاد مقبولاً أن يتسع المجال العام حتى لتنفيساتها. وتعليب الخطاب العام لا يأتي بالعصا وحدها، بل إن الجزرة تقطر دموعاً أيضاً، من نجيب ميقاتي إلى راوول نعمة، للتعبير عن حساسية البيادق تجاه اللعبة وضحاياها، ولأن العرض لا بد أن يستمرّ وبنجاح كبير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها