كنا معا حين جاء جاك دريدا للقاهرة (فبراير 2000)، وكانت صفاء ترافقه، وكان صديقي متردداً في الحضور، ووصف حضور "المثقفين" المصريين، الكثيف، بأنه "مولد، ظهور من أجل الوجاهة، لم يقرأ أغلبهم حرفاً واحداً للرجل"، وحين قال فيلسوف التفكيك: "أن محاضرته بمثابة شهادة إيمان بالجامعة التي ينبغي لها أن تتمتع بحرية غير مشروطة في التساؤل والاقتراح، حتى تكون المعقل الأخير للمقاومة النقدية، وهذه المقاومة غير المشروطة يمكن أن تضع الجامعة في مواجهة مع عدد كبير من السلطات: سلطات الإعلام، والسلطات الاقتصادية، والسلطات الثقافية والإيديولوجية"، قال صديقي بصوت مسموع: "قل لهم فليعيدوا نصر أبو زيد من منفاه، جامعاتنا آشبه بالقبور، إن لم تكن مواخير علمية"، ثم لم يحتمل صديقي رد دريدا على أسئلة أساتذة الفلسفة المصريين: "استمعت إلى خطاب لم أفهم منه شيئا وأنصحكم بالرجوع إلى ما كتبت إذا أردتم محاورتي"، فقام وغادر القاعة.
وكنا معاً في ذلك المساء الخريفي المفجع. في ليل الخميس 5 سبتمبر2005 احترق خمسون (50) مسرحياً ومثقفا وأستاذاً جامعياً في مسرح بني سويف، بسبب الإهمال والفوضى والفساد، وكنا نعرفهم جميعاً، نعرفهم معرفة زملاء وأصدقاء وأحبة، وكان بهائي من بينهم.
***
ولأنه لا بد من إغلاق تلك النوافذ، فلتكن الخاتمة زيارة "البوابة الإلكترونية لمحافظة المنيا"، فقد نجد فيها آخر الأخبار عن قصر الثقافة، وجولة الوزيرة، لكننا وجدنا ما هو أفضل.
فتحت عنوان أخر الأخبار، نقرأ تحت صورة المحافظ الآتي:
محافظ المنيا يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة حلول العام الهجري الجديد.
ارسل اللواء أسامة القاضي، محافظ المنيا، برقية تهنئة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وذلك بمناسبة الاحتفال بحلول العام الهجري الجديد.
هكذا، إذن، لا شيء سيزيل التهنية بمناسبة مضى عليها أكثر من عشرين يوماً، سوى مناسبة قادمة، ستظل التهنئة، موجودة حتى تحل مكانها تهنئة آخرى.
فلنبحث، فقد نجد شيئاً يخرجنا من المنيا بأمل، أمل أن الوعي الشامل قد بدأ.
سنجد سيرة السيد المحافظ، ومنها سنعرف أنه "تخرج من كلية الشرطة وتدرج في المناصب، وصولًا لرتبة لواء بجهاز الأمن الوطني"، وأنه في منصبه منذ نوفمبر/تشرين الأول 2019.
سنختم ببحث عن المحافظين السابقين لمحافظة المنيا، وسنلاحظ خلو اسم المحافظ الذي تولى المنصب من سبتمبر/أيلول 2012 حتى الشهر نفسه من العام 2013، إنه الدكتور مصطفى عيسى، الأستاذ بقسم النساء والتوليد بكلية طب المنيا محافظاً للمنيا، الذي عينه الرئيس الأسبق، محمد مرسي، والذي نقرأ ضمن خبر تعيينه المنشور في جريدة الأهرام، أنه "أول أستاذ جامعى يشغل منصب محافظ المنيا من 21 محافظاً تعاقبوا على المحافظة منذ ثورة 23 يوليو العام 1952 حيث كان يشغل منصب المحافظ لواء شرطة أو جيش أو مستشار باستثناء المهندس الزراعى فاروق عفيفي الذي تولى منصب محافظ المنيا خلال فترة حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات".
هكذا تخلو لائحة المحافظين السابقين الموجودة في "البوابة الإلكترونية لمحافظة المنيا"، من اسم محافظ شغل المنصب لعام كامل.
من طرافة اللائحة أنها قد تخدع القارئ فيظن مثلاً أن لقب "السيد" الذي يسبق بعض الأسماء تعني أن حامله مدني، لكن ببحث بسيط يتبين أن هذا ليس صحيحاً، حيث أن السيد/أحمد كامل، الذي شغل منصب محافظ المنيا لأربعة أشهر فقط (مايو/أيار- اكتوبر/تشرين الثاني1968)، هو: قائد عسكري وسياسي مصري، شغل مناصب بارزة، منها محافظ أسيوط ومحافظ المنيا ومحافظ الإسكندرية، وكان آخرها رئيس جهاز المخابرات العامة. و كان ضمن المتهمين في قضية مراكز القوى سنة 1971.
***
وهكذا يمكننا أن نقول: كفي بالمنيا دليلاً.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها