الثلاثاء 2021/08/03

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

"المارد" القبيح قبح السلطة

الثلاثاء 2021/08/03
"المارد" القبيح قبح السلطة
"مارد" نديم كرم
increase حجم الخط decrease
ذات يوم، كنتُ جالساً في قهوة يونس في منطقة الحمرا(بيروت)، ورأيت بالقرب مني كومة ردم حجارة، خفان من بقايا تهديم بيت، أو غرفة، وبعض قضبان الحديد المعلقة... ظننتُ أن هناك مَن يرمم شقته في المبنى، لكن الردم بقي لأسبوع ولم يُنقلْ، ولم تكن هناك حركة تشير إلى عملية ترميم أو بناء... لا أتذكر كيف تطرقنا في حديث إلى كومة الردم، ونبهني أحد الأصدقاء إلى أن هذا عمل فني تجهيزي، يقصد الفنان منه، طاولة وكراسيها وفوقها قضبان الحديد التي تعني الثريا، بحسب ما قيل لي... لم أعلق على الحديث سوى بابتسامة تضمر خبثاً أو مللاً، وبقي ذلك المشهد "الفني" في ذاكرتي كنموذج بائس مثل الكثير من الأعمال التي تدلف علينا في السنوات الأخيرة، تحت مسميات غريبة عجيبة.. الكثير منها يركز على الباطون المسلح، ومرات تأتي مرفقة بنصوص مطعمة بعشرات الاستشهادات والشروحات الفلسفية لأقطاب "ما بعد الحداثة"..

أحسب لو أني كنتُ آتياً من بلاد بعيدة، من دون سماع الأخبار اللبنانية ولا ضجيجها، ولا تعليقات فايسبوك وتويتر، ومررتُ قبالة المرفأ، ورأيتُ "مارد من رماد" (على ايقاع "مجد من رماد" في الأغنية الفيروزية) الذي "صنعه" نديم كرم، لظننت أنه جزء من كومة حديد لا أكثر، تنبغي إزالته أو بيعه لتجار الخردة أو "اليليي" كما تسمى في سوريا... لم يأت نديم كرم بنص "فلسفي" أو "ثقافوي" مرفقاً بمجسمه أو نصبه على طريقة أقرانه الفنانين، لكنه على الطريقة اللبنانوية، عاد إلى كليشيهات "طائر الفينيق"، وثقافة "الواو" والرعايات الضخمة، والحديث عن شخصيات مهمة و"رسمية" وبارزة ستحضر حفلة إزاحة الستار... ويَعتبر كرم، صاحب الكائنات المعدنية الكثيرة، أن "هذا المارد يظهر قوة إرادة الشعب اللبناني من أجل الحياة والحقيقة". وبحسب زعم إحدى الصحف "تمّ رفع المجسم في قلب المنشآت المدمرة"، وهو "الأول من نوعه، بارتفاع 25 متراً وبوزن 30 طناً"، من قطع الحديد التي "جُمعت مكوناتها الصلبة من بقايا عنابر المرفأ المدمرة، للتعبير عن استمرارية الحياة والإرادة الصلبة في البقاء". وتحتفل الصحيفة بأن المجسم أُنجز بـ"مبادرة ومساندة أصحاب الكفاءات والشركات والمؤسسات والأصدقاء". وتم ذلك في مدة "لم تتجاوز 9 أشهر"، ليعلو شاهقاً "تكريماً لضحايا الانفجار وشهدائه، وللتذكير الدائم بضرورة الوصول إلى الحقيقة".

قيل الكثير عن النصب "الخبيث"، كما وصفه يحيى جابر، لكن القول الأبلغ أنّه "بشع" أو قبيح بقبح السلطة اللبنانية كما قال محمود الزيباوي. القبح في الفن كثيراً ما يحمل جماليات وتعبيرات، لكن "المارد" المارق، نمطي، وفاقد لأي لمسة ابداعية، يشبه السلطة اللبنانية وهو من نتاجها، ولا علاقة له بالضحايا ولا بالذاكرة ولا حتى بطائر الفينيق.. نصب خردوي (من الخردة) يشبه "السلطة" الحديدية التي تحاول جاهدة، بالرضا والإكراه، طمس معالم الجريمة، أو توظيفها في الانتخابات النيابية أو السياسة... بات واضحاً أن معظم السلطة اللبنانية (دولة ودويلة)، كانوا يعلمون بالأمونيوم، وهم إما متواطئون أو مغلوب على أمرهم أو شهود زور... وكل الوقائع، سواء في خطب المتحكمين بمفاصل البلد ومرافئه، أو الجرائم التي وقعت (من ابو رجيلي الى سكاف)، أو بعض العبارات التي أُطلقتْ من هنا وهناك على لسان هذا المحامي (انطوان طوبيا) أو ذلك الناشط (الراحل لقمان سليم)، تشير إلى أن هناك سعي إلى لطي صفحة انفجار المرفأ بشتى الوسائل، على نسق طي صفحة الحرب بجرائمها واغتيالاتها ومجازرها، أو على نسق تحميل جريمة 14 شباط إلى "فاعل مجهول"، مع أن المحكمة التي نظرت في اغتيال رفيق الحريري، دولية، لكن نتائجها أتت على غرار المحاكم المحلية اللبنانية.

لا يبدو أن "السلطة اللبنانية" قادرة على تحمل نتائج تحقيق تفجير المرفأ، فهي مسؤولة أولاً ومدانة ثانياً، والأهم مغلوب على أمرها... أما القاضي فبات يعمل والمسدسات مصوبة على رأسه، تريد منه السلطة المتحكمة، أن يصل في تقريره إلى أن الحادث حصل "قضاء وقدر"، وانتهى الموضوع. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها