الثلاثاء 2021/08/24

آخر تحديث: 08:09 (بيروت)

لبنان بين صيف 1960 وربيع 1961...مايوه في بعلبك وصيدا

الثلاثاء 2021/08/24
increase حجم الخط decrease

صيف 1960، حلّت في ديار لبنان سبع عشرة ملكة جمال تمثل كل واحدة منهن أحد البلدان الأوروبية. رافق هذه الكوكبة من حِسان أوروبا في رحلتها مصور مجلة "باري ماتش" الشهير هاتامي، ونجح في التقاط صورة جامعة لهن بالمايوه البكيني على أدراج بعلبك، وذلك بعد أن انتهى عدد من مصوري التلفزيون والصحف اللبنانية من تصويرهن بأثوابهن.

اقتنص مصور مجلة "الأسبوع العربي" الفرصة ليأخذ خلسة من الجهة الخلفية لقطة تسجّل هذه الوقفة الاستثنائية، ونُشرت هذه الصورة ضمن تحقيق خاص بهذا الحدث حمل عنوان: "سبع عشرة آلهة للجمال جئن يبحثن عن أسرار الجمال في مدينة الآلهة"، وكتب صاحب التحقيق في عرضه لهذا الحدث: "لأوّل مرة تشهد أعمدة بعلبك مايوه البكيني على سبعة عشر جسما من أحلى أجسام غادات العالم".

لم تأت ملكات الجمال من أوروبا للاستجمام في لبنان فحسب، بل للمشاركة في انتخاب ملكة جمال لبنان من بين تسع عشرة صبية تمّ اختيارهن للمشاركة في هذه المباراة. جرت هذه التظاهرة في حفل ساهر بدأ في الساعة العاشرة مساء وانتهى في الأولى بعد منتصف الليل. في الجولة الأولى من العرض، ظهرت المشتركات بملابسهن كاملة وفقاً للتقليد المتبع، وحظيت سبع مرشحات منهن بإعجاب ملكات الجمال اللواتي ألّفن هنا لجنة الحكم. بعدها، جالت المرشحات السبع بالمايوه، واختيرت المدعوة غلاديس تابت وتتويجها ملكة على عرش جمال لبنان.

كانت غلاديس يومذاك صبية سمراء تبلغ من العمر ثمانية عشر عاما، تحمل شهادة البكالوريا، تتقن الفرنسية وتلم بالإنكليزية، وقد سبق ان انتخبت ملكة جمال الجامعة اللبنانية. وقيل إنها ستسافر الى اميركا في آب لتمثل لبنان في انتخاب ملكة جمال العالم في فلوريدا، وإنها ستمرّ في طريقها بالعاصمة الفرنسية لتمضي أسبوعاً في فندق نابليون. هكذا انتهى الحفل الذي حضره وزير الدفاع الوطني أحمد الداعوق والمحامي فيكتور موسى، أحد ألمع رواد العمل السياحي في لبنان، وقدّمت كلٌّ من الملكات الأوروبيات في الختام هدية ترمز إلى بلدها. هكذا قدّمت ملكة النروج لعبة بهيئة كلب البحر، وقدّمت ملكة إيطاليا تمثالا رخامياً يمثّل آلهة النعمة الثلاثة، وقّدمت ملكة سويسرا علبة شوكولا، وقدّمت ملكة فرنسا كتاباً.

حدث ذلك في الأسبوع الأول من حزيران. بعد بضعة أيام، وصل نجم الأغنية الفرنسية ساشا ديستيل لإحياء حفلتين على خشبة مسرح كازينو لبنان، واستُقبل بحفاوة كبيرة من الصبايا اللبنانيات. اشتهر هذا النجم بأغانيه الشبابية الراقصة، كما عُرف بحبّه لبريجيت باردو التي التقى بها في سان تروبيز في ذلك الصيف، وهام بها، وشغل الصحافة بهذا اللقاء، وقد وصلت أصداء هذا الحب العابر إلى لبنان قبل وصول صاحبه للغناء على مسرح الكازينو، فأضحى في صحافتنا المحلية "مسيو باردو"، "حبيب بريجيت باردو"، "النجم الذي سحر أجمل الساحرات".

بعد "مسيو باردو"، وصل "شيخ الأغنية الفرنسية الحديثة" شارل ترينيه إلى لبنان في أيلول، ليغني بدوره على مسرح كازينو لبنان، وسأله أحد الصحافيين اللبنانيين في هذه المناسبة: "من شاهدك تغني على مسرح الكازينو ظنّك أحد مشاهير السينما لمقدرتك الفائقة على اجتذاب الجمهور". فضحك وأجاب: "أنا أغنّي، والغناء تعبير عن مشاعر وعواطف أحسّها أنا أكثر من غيري، والسبب هو انني أنظمها وألحّنها بنفسي، ثم أقف أمام الجمهور لأغنيها له. وهذا، كما ترى، يختلف عن حال سائر المغنين".

بوب عزام
بعد شارل ترينيه، وصل إلى بيروت في تشرين النجم بوب عزام مع فرقته وزوجته، ولاحقت وسائل الإعلام صاحب أغنية "يا مصطفى" في جولته التي شملت ثلاث حفلات قُدّمت في فندق كارلتون وسينما دنيا، "وإحدى عشرة سهرة موزعة بالتساوي على جميع ملاهي العاصمة". كان عزام مصرياً من أصول لبنانية، ولد في الاسكندرية، وشق طريقه في إيطاليا حيث أنشأ فرقة خاصة به، واشتهر في فرنسا بأغنيتين من النوع الشرقي، أحداهما "يا مصطفى". في بيروت، أطلقت الصحافة اللبنانية على بوب عزام لقب "أبو مصطفى"، ونقلت عنه قوله "أنا شرقي عالمي حديث"، "أنا قائد أوركسترا مجتهد، ضحيت بالكثير في سبيل الوصول إلى مركزي، ولا زلت حتى الآن أسير بالسرعة نفسها التي يسير بها التطوّر في العالم".

في نهاية ذلك العام، أعلنت الصحافة عن زيارة مرتقبة للممثلة السينمائية الكبيرة ماريا شيل، وقالت ان النجمة النمساوية "تتلهّف على أكل التبولة والكبّة النية". بالفعل، وصلت نجمة "الإخوة كارامازوف" إلى بيروت في مطلع 1961، واستقبلت في المطار بباقة كبيرة من الورود الحمر، ثم توجهت إلى فندق كارلتون. قيل يومها انها قرأت كتاب عبد الله حشيمة "الإلهة عشتروت"، وإنها اعجبت به، ورغبت في أن تقوم بدور هذه الإلهة على الشاشة، وإنها جاءت إلى لبنان للبحث في هذا المشروع. في سينما راديو سيتي، حضرت ماريا شيل العرض الأول لفيلمها "عندما يهيج البحر" يوم الإثنين. وفي يوم الثلاثاء، كانت لها جولة في جبيل، تناولت بعدها العشاء في كازينو لبنان. وفي الأربعاء، كانت لها جولة في بعلبك، بعدها غادرت لبنان، ويبدو أن مشروع فيلم "الإلهة عشتروت" لم يتحقق بعد هذه الرحلة.

استقبلت بيروت بعد ماريا شيل، مجموعة من النجوم، منهم جيلبير بيكو وشارل ازنافور وداليدا الذين أحيوا تباعاً سلسلة من الحفلات على مسرح كازينو لبنان في شهر نيسان. قدّم جيلبير بيكو ثلاث حفلات، ثم طار عائدا إلى باريس، وقال إنه سيظهر في شهر تشرين الأول على مسرح برودواي في أميركا، ووعد بأن يمر في بيروت ثانية في طريق عودته من الولايات المتحدة. حلّت داليدا مباشرة من بعده في بيروت، وكانت قد غنت في العاصمة اللبنانية لأول مرة في 1959، وذلك على خشبة سينما دنيا. قالت عند وصولها باللهجة المصرية: "عايزة آكل فول وشاورما وأشوف مصطفى عند العجمي"، وكان لها ما أرادت، ثم توجهت إلى فندق ألكازار. مصطفى هو مصطفى شحادة، الميتر المشهور في مطعم العجمي، واللافت أن داليدا دأبت على زيارة هذا المطعم كلّما حلّت في لبنان في السنوات التالية، حتى رحيلها المبكر عن هذا العالم في ربيع 1987.


شارل ازنافور
بعد داليدا، وصل شارل أزنافور ليغنّي بدوره على مسرح الكازينو، وأمضى بضعة أيام في بيروت، ونزل إلى ملعب البولينغ مرّات عديدة، ومارس هذه اللعبة، كما تشهد الصور التي نشرت في الصحافة المحلية يومها. في ربيع 1961 أيضا، شهد لبنان مباراة جمال من نوع آخر تمثلت في إقامة عرض أزياء إيطالي وعرض أزياء فرنسي، فقيل يومها: "روما وباريس تتنافسان خلال أسبوع واحد في لبنان". في الواقع، جاءت العارضات الإيطاليات إلى بيروت لإقامة عرض تقليدي. وجاءت العارضات الفرنسيات للظهور في تحقيق مصور تعدّه مجلة "إيل" (هي) الشهيرة في عدد من المواقع اللبنانية السياحية.

في صيف 1960، شهدت أعمدة بعلبك لأول مرة ظهور "مايوه البكيني على سبعة عشر جسما من أحلى أجسام غادات العالم". وفي ربيع 1961، ظهرت صبية بمايوه من قطعة واحدة في قلعة صيدا، وجاء هذا الظهور مع استعداد عاصمة الجنوب لإطلاق "مهرجان الربيع". اليوم، بعد مرور ستين سنة، نستعيد هذه المحطات في زمنا البائس، ولا نملك سوى أن نردّد قول الياس أبو شبكة: "أرجع لنا ما كان/ يا دهرُ في لبنان".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها