الأربعاء 2021/08/18

آخر تحديث: 09:55 (بيروت)

حين تلهو حركة "طالبان"

الأربعاء 2021/08/18
حين تلهو حركة "طالبان"
increase حجم الخط decrease
لا أدري كيف سيفسر علماء النفس أو علماء الاجتماع أو حتى الاعلاميين، مشاهد المشاهد "السريالية" لعناصر حركة طالبان المتطرفة أو المتشددة، وقد ظهروا بعد اجتياح مدينة كابل والمدن الأفغانية الأخرى، يبتسمون، يضحكون(والضحك في عرف المتطرفين فعل شيطاني) يمرحون، يلهون في مدينة للملاهي، ويستمتعون بممارسة الرياضة في صالة ألعاب... هل يقول هؤلاء "اعطونوا الطفولة"، أو أننا لم نعش الطفولة، أو أننا الآن خرجنا من سجن القتال وحان وقت الحياة؟ هل أننا أمام "نسخة" جديدة من طالبان؟... قالت وكالات الأنباء أنه ورغم المشاهد الدامية ونزوح المدنيين الافغان، وحالة ذعر انتشرت كالنار في الهشيم في أنحاء البلاد، وفرار الآلاف نحو المطار بانتظار اجلائهم، بعد اجتياح حركة طالبان السريع للبلاد، ومع ذلك كان للحركة "وجه آخر"، لرجال اعتادوا الحياة والقتال في الجبال الوعرة، لنحو 20 عاماً. ظهر مقاتلو طالبان، يشربون الشاي في القصور، يلتقطون السلفي، أو يلهون في مدينة للأطفال، في لحظة قرروا ارتياد تلك الألعاب، حيث الأحصنة الخشبية المتحركة، والسيارات الكهربائية، وقد حاول المقاتلون (المدججون بالسلاح التسابق كالأطفال)، فيما كان آخرون ينتظرون دورهم في شغف.


كان ينقص مقاتلو طالبان اللهو بالطائرات الورقية(*)، عنوان رواية خالد حسيني التي تحكي قصة الفتى أمير من حي وزير أكبر خان في كابل وصديقه المقرب حسان، خادم والده الهزاري. تقع أحداث القصة على خلفية أحداث مضطربة من سقوط للنظام الملكي في أفغانستان، مروراً بالتدخل العسكري السوفييتي، فنزوح اللاجئين إلى باكستان والولايات المتحدة ومن ثم صعود نظام طالبان، الذي منع تحليق الطائرات الورقية عام 1999 بحجة أنها تصرف انتباه الشباب عن الصلاة وغيرها من الأنشطة الدينية... والسؤال الآن هل ستبقى مدن الملاهي بعد سيطرة طالبان أم ستمنع بنفس حجة منع (سابقا) الطائرات الورقية؟


ثمة غموض يلف افغانستان الآن... فمن جهة بدا انصار حركة طالبان كأنهم يكتشفون المدينة لأول مرة بعد زمن من القتال والحرب، اتوا من الجبال البعيدة بثيابهم المعروفة وشعرهم الكث، مارسوا جانباً من المرح لدى وصولهم، وفي الوقت نفسه سارعوا الى ممارسه قوانينهم العدمية والظلامية، نزعوا الرايات الدينية لبعض الطوائف، ففجروا تمثالاً هنا، واعتقلوا شاعراً من هناك، وغطوا وجوه صور نساء الاعلانات بالطلاء، وأعلنوا أنهم سيطبقون "القوانين الاسلامية". أيضا لا ندري أيضاً كيف ستكون الثقافة والحياة بعد عودة طالبان، خاصة وقد ارتبط اسم الحركة بالقمع والمنع والرحم والعدم وتدمير تمثالي بوذا الضخمان وادي باميان... ولا ندري كيف سيكتب الروائيون ما حصل في افغانستان الآن، خصوصا الاميركي الافغاني خالد حسيني والفرنسي الافغاني عتيق رحيمي، عن رحيل العم سام وعودة طالبان... نعلم أنه مع ارتباط افغانستان بأسامة بن لادن وغزوة 11 أيلول، ألقي الضوء على جوانب من الثقافة الأفغانية، وراجت أسماء مجموعة من الروائيين والقصصيين الذين "صنعهم" الغرب، أو هم افغانيون اشتهروا في المنفى، قبل أن يترجموا الى اللغات العالمية... مع التذكير أن انبهارنا الأهم كان بأشعار اللاندي الشعر الشعبي نساء البشتون الايروتيكي والحميم، وهو نقيض تام مع العقلية الطالبانية، شعر متقشف ومكثف يشبه الومضة واللمعة، أشعار سرية تتناقلها شفاهياً نساء قبائل البشتون في أفغانستان، عبرن من خلالها عن ألوان من الرغبة والوله، واللهفة والألم والقلق والحرمان، والشغف بالطبيعة، تقول احداهن:
لو كنت أعرف أن زمن الفراق سيأتي
لأمسكت بيد حبيبي حتى ساحة المعركة
اذهب وقاتل في كابول
يا حبيبي من أجلك 
سأحتفظ بفمي وجسدي طاهرين
شعر نساء الباشتون هو نقيض تنظيم طالبان الذي يحجب المرأة ويجعلها أسيرة النقاب الخشن، يقول الناقد عثمان بوطسان إذا كانت أفغانستان دولةً حبيسةً لا سواحل لها على البحار، فإن نساء البشتون حبيساتٌ – أيضًا – لا سواحل لهن سوى شِعْر العشق، والمرأة في أشعارها هذه، "تمنح عاشقها اللجوء إلى نهديها، وتطلب منه وهو يبوسها أن يجعل لسانها حُرًّا بعدما قمعه وسجنه وقطعه "البشع الصغير" تقصد الزوج؛ لأنها تدرك أن الحُب إذا ما لمس شيئًا جعله مقدسًا". لكن المحنة ان تنظيم طالبان الذي يستند في مساره إلى المقدس الديني لا العشقي، لديه "شغف" في المنع والاستبداد، الذي يطال كل شيء، بدءاً من أي انشطة للمرأة مروراً بالموسيقى والرقص والترفيه والتجميل، والتالي العودة إلى اللاحياة.

(*)"عداء الطائرة الورقية"‏ هي أول رواية لخالد حسيني ترجمت الى لغات عدة وصُورت فيلما.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها