الأحد 2021/07/04

آخر تحديث: 08:19 (بيروت)

هكذا حدّثتني المرأة التي تحبّ الشمس

الأحد 2021/07/04
هكذا حدّثتني المرأة التي تحبّ الشمس
ازدحام امام محطات البنزين الوقود(المدن)
increase حجم الخط decrease
إلى سارة ال.
حدّثتني المرأة التي تحبّ الشمس، قالت: 
يتّسع المشهد السورياليّ في بلادك: طوابير تتوسّل حفنةً من المحروقات، صيدليّات فارغة إلاّ من الرطوبة، مستشفيات تعمل بالحدّ الأدنى من الكهرباء، قوافل تنتظر على باب الرحيل، أطفال ينتثرون على أرصفة المدينة يعشّش الجوع في خواء أمعائهم.

يتّسع المشهد السورياليّ في بلادك. ولكن بالتوازي معه يضيق الخناق شيئاً فشيئاً على القتلة والبلاطجة وقطّاع الطرق، إذ من الليل الأليل تنبثق ذرّات ضوء صغيرة تحاصرهم. عيونهم الخرساء تشي بأنّهم لا يطيقون خيوط الضوء. وابتساماتهم المكلّسة كصمت القبور تستبطن قلقاً تفوح منه رائحة الكارثة التي تحيق بأجسادهم الصدئة.

يخيّل إليهم أنّهم قضوا على روح الثورة في الناس الذين بشّروهم بهدم عروشهم، واقتلاع أبراجهم من رحم الأرض، يوم انتفضوا في 17 تشرين و4 آب. لكنّهم يعرفون في قرارة أنفسهم أنّهم يكذبون على أنفسهم، وأنّ كذبهم ملأ عباب السماء وضاق به الأفق العظيم. ويحدسون في قيعان ذواتهم بأنّ المعركة مع أخيلتهم التي تحتلّ كلّ زاوية وتتربّص بكلّ جمال قد بدأت، وأنّى لها أن تنحسر وتتلاشى. فثمّة نساء ورجال من بلادك يحبّون الحقّ أكثر من الباطل. وقد قرّروا أن يخوضوا هذه المعركة حتّى النهاية.

في نقابة المهندسين، رجال ونساء ينتفضون وينتقمون على طريقتهم لطفلة اسمها ألكسندرا نجّار لم يعثر بحر بيروت في قعره على ما يكفي من الموج حين قرّر أن يرثيها بكلمات من موج. وفي حاضرة الفاتيكان، رجل متجلبب بالأبيض حسبوه سيتكلّم على ساسة العالم وقادته، فإذا به يتكلّم على الأطفال والشيوخ، على الشبان الذين يصنعون الحاضر ويجترحون المستقبل، وعلى النساء اللواتي أمّنهنّ سيّد الحياة على الحياة، كما كتب رشدي المعلوف ذات يوم. وفي زاوية من زوايا المدينة، يحتجب شاعر مسكون بالضوء يخربش قصائد تعجّ بالحياة لمدينة ترفض الموت، وينتصب رجل قرّر أن يخوض معركته حتّى النهاية: معركة المرفأ الذي تفجّر، ومعركة الناس الذين تمزّقت أجسادهم بالنيترات وانطحنت أحلامهم باللامعنى، ومعركة القضاء الذي شاء المجوس أن يدفنوه ويحوّلوه إلى رميم، ومعركة الشيء الغامض الذي اسمه الضمير، والذي يأبى أن يموت بسهولة.

في بلادك يأس كثير: يأس يتولّد من يأس ويمعن في اليأس. ولكن في بلادك أيضاً معارك صغيرة كثيرة تخاض هنا وهناك، وتزرع في الليل المعتكر بالليل حبيبات من ضوء وسنابل من رجاء. إنّها المعارك الصغيرة التي ستصنع، ذات يوم، المعركة الكبرى التي ستقلب كلّ شيء وتغيّر كلّ شيء.

هكذا حدّثتني المرأة التي تحبّ الشمس. وأنا صدّقتها. لقد كانت عيناها تشتعلان بالشمس حين تكلّمت. وأنا أعرف أنّ الشمس لا تكذب...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها