السبت 2021/07/31

آخر تحديث: 11:34 (بيروت)

"المعبد الذهبي" ليوكيو ميشيما... رحلة فلسفيّة مع الجمال

السبت 2021/07/31
"المعبد الذهبي" ليوكيو ميشيما... رحلة فلسفيّة مع الجمال
increase حجم الخط decrease
صدرت عن شركة المطبوعات رواية: المعبد الذهبي للكاتب الياباني يوكيو ميشيما (1925-1970) ترجمة: ديمتري أڤييرينوس.

في "المعبد الذهبي" أو كينكاكوجي، الرواية التي كرّست اسم ميشيما عقب نشرها بين أكثر كتّاب العالم تميّزاً، يأخذنا الروائي الياباني في رحلةٍ فلسفيّةٍ مع الجمال عبر قصّةٍ هزّت اليابان عن رجلٍ أحرق أجمل معبدٍ في العالم. منذ طفولته، يسمع ميزوغوتشي عن المعبد الذهبي من أبيه الكاهن البوذي. ومنذ طفولته أيضاً يُتأتئ في الكلام ما جعله منغلقاً على ذاته. ذات يوم يدرك الأب أن وفاته اقتربت، فيطلب إلى ابنه الاعتناء بالمعبد الذي شُيّد قبل أكثر من خمسمئة عامٍ في مدينة كيوتو. يعرّفه إلى رئيس المعبد، وتبدأ رحلة الفتى التي نرافقه فيها فنطلّ معه على اليابان قبل الحرب العالميّة والتغييرات التي طرأت عليها حتى عام 1950 وهو العام الذي أُحرِق فيه المعبد الذهبي، أشهر معالم اليابان السياحية. آمن ميشيما بأن الكتابة فعل تغيير وقدّم في روايته هذه رؤيةً جديدة للتاريخ ضمّنها فلسفته الخاصّة في مواضيع مثل العنف، والرغبة، والدين، والجمال. روايةٌ حين نتمّ صفحتها الأخيرة يصعب ألّا نهجس بأن كلّ ما في العالم يكتسب جماله من معرفة أنه سينتهي في لحظةٍ ما... وهذا في حدّ ذاته قمّة الجمال.

 والنافل أنه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، توجه ميشيما، كان أشهر روائي في اليابان، عندما إلى قاعدة للجيش في طوكيو واختطف القائد، وأمره بأن يجمع الجنود، ثم حاول أن يقود انقلابا عسكريا. ودعا ميشيما الجنود للتمرد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، ووبّخهم بقسوة على الاستكانة والخنوع وتحداهم أن يعيدوا للإمبراطور هيبته كإله حي وقائد قومي كما كان قبل الحرب.

كان الجنود منصتين في البداية من باب الأدب أو ربما الذهول، ثم سرعان ما علت هتافات السخرية والاستهزاء حتى طغت على صوته. وانسحب ميشيما إلى الداخل وقال: "أعتقد أن صوتي لم يصل إليهم"، ثم جثا على ركبتيه وانتحر على طريقة الساموراي ببقر البطن. كان موت ميشيما صادما للشعب الياباني، فهو أديب مرموق ويتفاخر برجولته وكان مثيرا للجدل أحيانا والسخرية أحيانا أخرى،  لكن آراءه التي كانتْ تبدو كاذبة أو استفزازية انقلبت فجأة إلى حقيقة. وهيمن انتحار ميشيما على الجلسة 64 للبرلمان الياباني، التي حضرها الإمبراطور بنفسه، خاصة وأنه لم يقدم أي شخص على الانتحار بطريقة الساموراي منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.

في كتابها "ميشيما أو رؤيا الفراغ" تنسف الكاتبة الفرنسية مرغريت يورسينار، بعض الأساطير التي كانت قد حيكت، خلال السنوات اللاحقة عن انتحار ميشيما في مثل هذا الشهر من عام 1970، من حول ذلك الانتحار، لا سيما منها الأسطورة التي تروي كيف أن الكاتب أنجز كتابة الصفحة الأخيرة من رباعيته الختامية الكبرى "بحر الخصوبة" وأرخ المخطوطة في صباح الخامس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام، ليرسلها من فوره إلى ناشره، ويتوجه من ثم إلى ثكنة قيادة جيش الدفاع الياباني، حيث قام بـ"انقلابه" الشهير ليقدم فور ذلك على الانتحار.

تقول يورسينار، إن ذلك لم يحدث بتلك الدقة، وذلك لأن ميشيما كتب السطور الأخيرة من الرواية قبل ذلك بأشهر، حين كان يمضي إجازة صيفية عند شاطئ مع عائلته، لكنه أحجم عن إرسالها لأسباب غير واضحة على رغم إلحاح الناشر. أما التاريخ الوارد على مغلف المخطوط، فهو تاريخ إرسال هذا الأخير إلى الناشر قبل ساعات من تنفيذ تلك العملية المركبة، التي ربما ستكون أغرب حدث عرفه عالم الأدب في ذلك الزمن، بل ربما على مدى تاريخ الأدب كله. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها