الجمعة 2021/07/30

آخر تحديث: 08:55 (بيروت)

قبلة سلاف فواخرجي..حداثة رومانسية رخيصة.

الجمعة 2021/07/30
قبلة سلاف فواخرجي..حداثة رومانسية رخيصة.
قبلة سلاف فواخرجي ومهيار خضور في شارع شيكاغو
increase حجم الخط decrease
كان علينا أن نعيش عاماً كاملاً من ميقات القُبلة الفموية التي رسمتها سلاف فواخرجي على بوستر مسلسل سوري تم عرضه في سوريا، القبلة التي ظهرت على شاشة رسمية بعد غياب حوالي الأربعين سنة، حين كانت الأفلام السورية التي تظهر القبل والتلامس الجسدي لا تمنع على الشاشة. أما سوريا البعث فقد شكلت حصافة دينية أخلاقية مبتذلة في وجه العلاقة الجسدية المُشهر فيها إعلامياً أو المقبولة فنياً. حتى تحول هذا النوع من الفن السينمائي إلى ما يُشبه أفلام البورنو. آلاف الأقراص المُدمجة نُسخت بوصفها أفلام بورنو سورية، فقط من أجل بعض المشاهد التي لا تتجاوز ظهور أجزاء من جسد فنانة سورية. بعض الأفلام كانت لا تملك أية قيمة فنية، وبعضها كان يملك الكثير من المعرفة والجمال، لكن البعث القمعي الكبتي ذا الأخلاق الزائفة، حولها إلى بورنو  بأن جعل رؤية المجتمع لأي سياق فني  قائمة على مبدأ اللذة الشرطي والمادي.



 خلال سنوات الثورة فتح النظام الباب لما قد يبدو اجتماعياً في الفن، لكن ليس بوصفه واقعياً ساخراً أو هادفا، كفن الواقع المُعاش، والتحولات الاجتماعية للاحتراب والثورة السورية، إنما لما يبدو دنيئا اجتماعيا، لروابط وعلاقات تبدو فيها الغريزة والسلطة الاجتماعية الذكورية أساساً لكل شيء. حتى بدا وكأن حياة السوريين قائمة على نمط ما من الشهوة والغريزة، دون أي تدرجات في الآلام الاجتماعية أوالتأثيرات النفسية أو الإبداعية الفنية المختلقة[1]. هكذا عوض النظام الصمت عن تجارب الموت التي يُفعلها بتجارب الغريزة والشهوة، محاولة لكسر التابو الجسدي الفيزيائي على الشاشات. مشاهد جنسية مثيرة، ولقطات مشهدية أكثر جرأة اتجاه الجسد الأنثوي تحديداً. كان لتلك المشاهد المتوافرة بطلات عدة، من صاعدات ومخضرمات. كسر النظام درجة السماح للجانب المشهدي الجنسي، كتوافق مع ما تمنحه المنصات الرقمية من حرية في الطرح[2]، وليس بعيداً عن السماح بأن يبدو المجتمع أكثر غرقاً بظهور نجمات تحرر جسدي سوريات، فجعل طرح الجسد سوقياً علامة بارزة لمجتمع كبتي منغلق. في "عناية مشددة" أحد أشهر تلك المسلسلات، استحوذت الفنانة لينا كرم على الصورة، وعلى إنتاج المشهد المثير، في إطار متوازٍ مع طرح آخر أخلاقي لضباط الجيش ولتجاربهم. كانت  الصورة المستحوذة على المشهد دوماً تجعله يبدو سوءاً وإباحة غير أخلاقية في المجتمع السوري، وليس مشهداً جنسياً يفترض أن يبدو طبيعياً وميكانيكاً سوياً.


تسعى طبقة الأوليغارك المالكة للبلاد دوما لتكوين علاقات شخصية مع الفنانات، ضمن سياق سوقي استهلاكي بامتياز، وكعلامة مميزة على حرية الطرح في ما يخص الانحلال الجسدي الاستهلاكي، وتقديم ذلك للمجتمع بوصفه حرية ونباهة لأمراض اجتماعية، لا مشكلة سلطة واقتصاد وعلاقات عبودية اقتصادية. كل هذا قائم على تجسيد المرأة لهذا الدور، وتعزيز الافتتان به، وجعله معياراً سائداً.

لعل وصول نجمات كثيرات للشهرة لا يضاهي قبلة لسلاف فواخرجي، الفنانة المقربة جدا من السلطة، والتي يحاول النظام دوما إظهارها على أنها واحدة من أساطيره.

كان وصول القبلة حديثاً إلى الشاشة السورية بعد فترة انقطاع طويلة أمراً حتمياً، لكنه كان يحتاج لبطلة. الفن الدرامي السوري لا يُنتج بوصفه إنتاجاً معرفياً حتى في لاوعي الكاتب، بل يبدو كل شيء فيه مصنوعاً كحدث، محاولاً سرقة ما يبدو فكرة عالمية كسرقة محتوى الأفلام والمسلسلات الأميركية، أو ملائما لأفكار السلطة عن المجتمع، ولو كان بتحقير المجتمع بوصفه أفراداً لا جماعات قيمية أو مالكة لأي مرجع جماعي أخلاقي. تتفق هذه المقاربة جيدا مع شخصية عصابية كسلاف فواخرجي، التي افتتحت باب القُبل في التلفزيون السوري، وفتحت سؤالاً أحمق آخر عن الجرأة في الأدوار السينمائية والتلفزيونية. كان من الضروري الاستماع لموقف سلاف من الموجة المضطربة التي رافقت البوستر الذي نُشر للمسلسل. أشارت سلاف في مقابلة لها أنها تلقت الدعم من المجتمع في ما يخص تلك القبلة، واصفة الداعمين ب "مثقفين، كتاب، فنانين، ممثلين، ....ناس عاديين" [3]. كان تلقف الكلمات من سلاف في المقابلة وتأخرها للإشارة للناس العاديين دلالة على الفنانين السوريين عموماً. هم يصنعون فنهم للناس، لكن نتائج أعمالهم تذهب لطبقة مخلوقة حول السلطة، وهي طبقة أوليغارشية اقتصادية في الأصل، تستحوذ على مسار الفنون ودلالاتها أسوة باستحواذها على السلطة. إشارة سلاف إلى أنها تحمي فنها محاولة لتضخيم الدور الفني  الذي تقوم به، كما يفعل كل فنان سوري وهو يتحدث عن نفسه داخل عمل فني. تبدو الفنانة المقاومة مثيرة للضحك وهي تحاول إبراز دفاعها عن فنها، الذي هو أصلاً لا يخرج عن أي دائرة من  دوائر دعم النظام، الذي يملك أكبر ثقافة رسوبية متخلفة خُلقت في تاريخ البلاد. تُعرف سلاف أيضا أنها من بين نجمات الألفية الجديدة، اللواتي أوصلهن الجمال لشاشة التلفزيون، لا أي استحقاق يُمكن إدراكه من العملية الدرامية الفيزيائية التجسدية. وبالأصل العمل – مسلسل شارع شيكاغو -الذي تمت فيه القبلة وتدافع عنه سلاف يعتبرعملاً شبه اسطوري، يتحدث عن سوريا القديمة، " أيام زمان" حسب وصفها، وكأنها تُعيد إنتاج ما أفقده النظام أصلاً للمجتمع السوري، من انفتاح وعلاقات أكثر تحررية بجمالية ترضى عنها هي ذاتها. أي أن القبلة أتت إحياء لمجتمع غير موجود الآن بالأصل وحميميتها نحوه ليست سوى حميمية خاصة، حميمية متعلقة بمجموعة سورية تحاول إنتاج جمالية حميمية غير واقعية آنياً، وغير مبدعة في آن واحد لأنها كانت موجودة بالفطرة. لكن سلاف حاولت نقل ما ظنته سهلاً بوصفها من ممثلي الطبقة الحاكمة. يبدو أن سلاف ذات العلاقة الجيدة بالسيدة الأولى لا تطمح لإنتاج معنى ما، يمكن أن تساعدها بإنتاجه مثلا آلاف القصص السورية النسوية، كما يبدو أنها لا تطمح لأن تجعل من نفسها رمزاً أنثوياً حراً، برؤية المجتمع أو تمثيله بما يؤلمه، بل تريد أن تكون (تيدا بار) النجمة السينمائية في العشرينيات التي افتتحت مجال المشاهد الجنسية والمرأة القوية. اصطلحت سلاف والكاتب والمخرج على إنتاج معنى يصب في مصلحة سلاف، ويصب أيضاً في مصلحة طبقة أمراء الحرب، والفئات التي تتصل بالثقافة العالمية المسطحة التي تستهلك الأنثى كسلعة، والغريزة كجذب، والصراع الشفوي غير القيمي الجزئي بوصفه ثقافة لإنتاج معنى تحرر فردي رمزي.  يبدو أن على الفن أن يخفي الحرب، وأن يصور أن المجتمع المتجانس في جزء منه ومن كتابه وفنانيه ومثقفيه يرتضي القبلة وما بعدها. قبلة سلاف لا شيء سوى عقلية النظام الأسدي المنتصر، والذي يُريد  بها أن يبدو المجتمع مقسوماً على فن الرومانسية المائع السطحي، الذي تبدو فيه القبلة صراعاً، وكأن صراعنا على الحب قائم في وجه ثقافة شيطانية متخلفة لأناس غير مهذبين. كلمة مهذب وغير مهذب في شقها الفواخرجي يبدو واضحاً، كعنصرية مضافة لأناس عاديين تتذكرهم سلاف بصعوبة حينما تنشئ فناً لهم.

 

 

 

 


[1] https://www.youtube.com/watch?v=lNns9k-2IEY

 

[2] مسلسل بدون قيد عرض على منصة اليوتيوب وحظي بمشاهدة سورية واسعة.

[3] https://www.youtube.com/watch?v=BTYTjQ59x_c&t=3s

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها