الخميس 2021/07/29

آخر تحديث: 08:15 (بيروت)

العالم الإسلامي وأدبه.. حيرة رضا أصلان في "اللوح والقلم"

الخميس 2021/07/29
العالم الإسلامي وأدبه.. حيرة رضا أصلان في "اللوح والقلم"
رضا اصلان
increase حجم الخط decrease
كان رضا أصلان في السابعة من عمره، حين انتقلت أسرته من إيران إلى الولايات المتحدة الأميركية، في أعقاب الثورة الإسلامية العام 1979. الآن هو بروفسور في الدراسات الدينية بعد نيله البكالوريوس في الآداب من جامعة سانتا كلارا، والماجستير في الدراسات اللاهوتية من جامعة هارفرد، وماجستير آخر في الفنون الجميلة من جامعة أيوا، كما أنه حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كاليفورنيا. وهو أثار الكثير من الضجة حين أصدر كتابه "المتعصب: حياة وزمن يسوع الناصري".

يسوع، من وجهة نظر أصلان، كان مناضلاً شرساً من أجل الحرية. وهو لم يكن مسيحياً بل يهودياً قومياً متعصباً، يريد تحرير الأرض المقدسة من حكم الرومان من أجل إرساء مملكة دينية يهودية نقية. رسم أصلان صورة يسوع، كداعية يهودي غير متعلم ومتمرد على روما وممثليها في فلسطين، بمن فيهم كهنة الهيكل.

حين بلغ الخامسة عشرة من عمره، اعتنق أصلان المسيحية واستطاع أن يقنع أمه باعتناقها أيضاً. لكنَّه لم يستمر في ذلك طويلاً، إذ سرعان ما رجع إلى الإسلام، لكن في النسخة الصوفية، بعدما درس التراث الصوفي، لا سيما جلال الدين الرومي.

أصدر كتباً مثيرة للجدل مثل "لا إله إلا الله"، "الله، دراسة تاريخية"، "كيف نكسب الحرب الكونية". وهو يكتب بشكل دائم في الصحف الأميركية والبريطانية الكبرى، مثل "نيويورك تايمز" و"الغارديان". كما أنه يدير برنامجاً خاصاً في "سي إن إن" باسم "مؤمن". إنه رجل سجالي ذو نزعة هجومية ومزاج ناري. هذا المزاج، وكذلك الروح النضالية، "المعادية للإمبريالية"، يبرز بجلاء في الكتاب الذي أصدره أخيراً وأراد به أن يهييء صورة بانورامية شاملة للأدب، أو الآداب، في البقاع الإسلامية الممتدة في الشرق الأوسط وجواره.

اختار للكتاب عنواناً مستمداً من الموروث الديني الإسلامي: اللوح والقلم. الكلمتان تردان، كما هو واضح، في القرآن ولو من غير تلاحم، ولعله استقاهما من القصيدة الشهيرة للإمام البصيري عن نبي الإسلام، أي "نهج البردة":

لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـللٍ        

ولا أرقْتَ لذكر البان والعلــــم

فإن من جودك الدنيا وضرتهَا      

ومن علومك علم اللوح والقلمِ

في المقدمة القصيرة التي كتبها للكتاب، يشير إلى إن الدول التي تمتد على طول الأراضي الواسعة للشرق الأوسط، من المغرب إلى إيران، ومن تركيا إلى باكستان، تزخر بثقافات ولغات وديانات مختلفة. ومع ذلك، فإن المشهد الأدبي لهذا "الجزء الديناميكي من العالم" مرتبط ببعضه البعض، ليس بالحدود والجنسيات، بل من خلال "التجربة المشتركة في التصدي للإمبريالية الغربية".

تضم هذه المجموعة الضخمة عدداً كبيراً من نصوص متنوعة من القصص القصيرة والروايات والمذكرات والمقالات والأعمال الدرامية، التي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية على أيدي 77 مترجماً، وبتحرير وتمحيص ومراجعة من جانب أربعة محررين متخصصين في الآداب واللغات التي ترجمت منها النصوص، وهي العربية والفارسية والتركية والأوردية. وعلى الرغم من أن معظم الكتّاب في المجموعة يتحدرون من دول ذات غالبية مسلمة، وأن الأسئلة التي يطرحها دور الإسلام في المجتمع هي موضوعات حاضرة دائمًا في كتاباتهم، فإن الكاتب يشير إلى أن الأمر لا يتعلق بمختارات من الأدب الإسلامي أو "المسلم"، ليس فقط لأن العديد من المؤلفين لا يعرّفون بأنفسهم كمسلمين، لكن أيضًا لأنه لا شيء يمكن أن نسميه "العالم الإسلامي باستثناء ربما في تخيلات البعض في الغرب".

ما يجمع الكتّاب في هذه المجموعة، بحسب أصلان، من الكاتب اللبناني خليل جبران إلى الإيراني جلال الأحمد، ومن الشاعر الباكستاني محمد إقبال إلى التركي الحائز جائزة نوبل، أورهان باموق، ليست حدودًا ولا جنسيات، بل بالأحرى النية والظروف والمكان. لكن كيف يمكن للنيات والظروف والأمكنة أن تقتصر على لغات وشعوب بعينها، ولا تنسحب على لغات وشعوب أخرى تعيش هناك جنباً إلى جنب منذ آلاف السنين؟

لا معايير واضحة، علمية أو معرفية أو تاريخية، يستند إليها الكاتب في اختياراته. المعيار الوحيد هو، والحال هذا، مزاجه وانحيازاته السياسية والإيديولوجية. لا يمكن فهم السبب الذي جعله يتجاهل الآداب السريانية والآشورية والعبرية والأرمنية. فإن قلنا أن الإسلام هو الدافع، فما سبب إزاحة الأدب الكردي، والأكراد في غالبيتهم العظمى مسلمون؟ هذا أمر مثير للدهشة. غير أن الدهشة تزداد حين نرى النصوص التي ضمّها الكتاب. فثمة نصوص لكتّاب من أربعة بلدان عربية، هي مصر وسوريا والعراق ولبنان، من بين كل البلاد العربية. ما من أثر لبلاد المغرب والجزائر وتونس وليبيا أو الخليج العربي أو الأردن أو موريتانيا. ولا نصوص من كتّاب أفغان، سواء ممن يكتبون بالبشتونية أو الدرية، أو كشميريين أو مسلمين هنود.

الكتاب مقسم إلى ثلاثة فصول زمنية. الأول: 1910 ـ 1950. الثاني: 1950 ـ 1980، الثالث: 1980 ـ 2010. أما لماذا هذا التقسيم وما هو المقياس، الأدبي أو الفني أو النصي؟ فليس من جواب. والإعتباطية واضحة في المؤلفين المُدرجين في الكتاب.
من مصر: يحيى حقي، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، يوسف إدريس. عبد الرحيم محمود.
من لبنان: جبران خليل جبران.
من سوريا: زكريا تامر، أدونيس، فرج بيرقدار.
من العراق: نازك الملائكة، مظفر النواب، هيفاء زنكنة، سعدي يوسف.

الطريف أن بعض الكتابات ليس نصوصاً إبداعية، بل مقابلات وخطابات وقصائد ألقاها الكتّاب في مناسبات معينة. مثلاً، ترد قصيدة مطولة لمظفر النواب يشتم فيها الحكومات العربية، وبين فقرة وأخرى نقرأ: "الجمهور يضحك"، "تصفيق حار من الجمهور". أما جبران خليل جبران، فإن النص الوارد له في الكتاب يحضر في هيئة مقابلة أجريت معه حول اللغة العربية والمستقبل العربي. لم يضع نصاً إبداعياً، قصة أو قصيدة، لجبران. ولماذا جبران خليل جبران، من بين كل الكتّاب اللبنانيين؟ الأرجح لكي يبرز للقراء في الولايات المتحدة، أن هذا الأديب الشهير جداً والذي يباع كتابه "النبي" بملايين النسخ هو "من عندنا". والحال أن الخيارات المنتقاة تكاد تنحصر في النصوص ذات المضمون "النضالي"، من مظفر النواب وهيفاء زنكنة إلى أدونيس (قصيدة "قبر من أجل نيويورك") وزكريا تامر..الخ. وهناك أيضاً قصيدة: "سجل أنا عربي" لمحمود درويش، ونص بعنوان "رسالة من غزة" لغسان كنفاني.

ومع أهمية ومكانة كتّاب مثل جبران وسواه، فإن الحيرة تنتاب المرء إذا يحاول معرفة الأساس الذي نهضت عليه خيارات الكاتب... ففي لبنان سوريا والعراق، مئات الشعراء والروائيين وكتّاب القصة الكبار، فما هو الدافع وراء اختيار فرج بيرقدار أو هيفاء زنكنة، مثلاً، مع أهمية صنيعهما، دون الآخرين؟ وينطبق هذا القول على ما اختير من نصوص اللغات الأخرى، لدرجة أن أصلان وضع فصلاً طويلاً من كتاب سياسي عنوانه "غربزدكي"، أي التغريب، للكاتب الإيراني جلال آل أحمد، المُعادي للغرب. وفي تركيا، نقرأ فصلاً كاملاً من "ميمد يا صقري" لياشار كمال، حيث الفتى ميمد يقارع الإقطاع ويقاوم الظلم. ويحضر محمد إقبال، من الباكستان، كي يكمل اللوحة الزاخرة بروح النخوة القومية ومعاداة الإستعمار.

الروح الكفاحية والنزعة الإنتقائية وعدم الإنحياز الإيديولوجي، كلها عناصر هيمنت على فضاء الكتاب وجعلت منه دليلاً سياسياً، أكثر منه كتاباً في الأدب والنصوص الإبداعية، وهو ما أفقده، على الأرجح، أهميته كأثنولوجيا أدبية مقنّعة عن الإبداع في البقاع التي "تمتد من المغرب إلى الباكستان"، تلك التي قرر الكاتب إبراز وجهها الثقافي للقارىء الأميركي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها