الإثنين 2021/07/26

آخر تحديث: 10:27 (بيروت)

ريم الجندي تقبض على الوقت في الخرز..لكن الانتظار سيّال

الإثنين 2021/07/26
increase حجم الخط decrease
قد لا يكون عادياً أن يُطلَق على معرض تشكيلي عنوان "وقت". الكلمة تحتمل كلاماً كثيراً، وتطلق العنان لتأويلات الزمن لدى كل فرد، وما يرتبط به، بزمنه. الأرجح ألا يخطر في بالنا الماضي، ولا المستقبل. الحاضر هو المقصود ضمناً، لا بدّ. والزمن الحاضر يبدو أنه بات يتحكّم فينا أكثر في السابق.. حين كنا أكثر قدرة على تطويعه، ولو بالحد الأدنى الذي تسمح به إمكاناتنا.

في معرض ريم الجندي، المقام لدى "غاليري أجيال"، تتشابك سياقات الظرف والوقت، والسيكولوجيا أيضاً. ثمة ما يدفعنا إلى انتهاج طرق لم تكن مقررة سلفاً في صناعة المنتج الذي بين أيدينا، حين يدور الأمر حول نشاط ذي طابع فنّي، وذلك إنطلاقاً من فكرة أو خاطرة لا تلبث أن تتحوّل فعلاً مادياً، في حال توّصلنا إلى اقتناع ذاتي بما نقوم به.

هكذا، لجأت الفناّنة إلى مداخل معينة لإخراج بعض أعمالها التي تشكّل جزءاً من المعرض، ومنها إستعمال الخرز في صناعة اللوحة، وذلك بحسب طريقة ذاتيّة، من دون أن تدرك في البداية سبب إقدامها على هذه الخطوة. فهي، بذلك، تضمّن لوحتها مادة مصنوعة سلفاً ومكتملة الشكل، ضمن عمل كان لا يزال يبحث عن الخروج إلى الضوء من دون قرارات جذريّة مسبقة. ثمة عفوية في الأمر، وانقياد وراء ما يشبه النزوة التي تحوّلت فعلاً تشكيلياً، في مجال يحتمل النزوات، وقد يتطلّبها، من أجل الخروج على حدود التقليد. اللجوء إلى المادة، أي مادة، كتلك التي تؤطّر القامة البشرية في أعمال ريم الجندي، أمر مشروع تماماً في التشكيل، ولم يعد يخضع لقوانين وأعراف منذ زمن التفلّت من المستلزمات الأكاديمية. ليس هناك، عموماً، من عمل تصويري يخلو من مادة ما، اللّهم إذا إستثنينا بعض ضروب الفانتازيا التي أفرزتها "فنون ما بعد الحداثة"، حين لا يعود الملموس حاضراً بحسب النمط الذي نعهده، وهي أساليب ما زالت موضع جدال ونقاش لا ينتهيان. 

اعتادت ريم الجندي أن ترسم يومياتها، كما لحظنا ذلك في معارض سابقة، ولا تخلو هذه الأعمال من أوتوبورتريه، أو ما يشير إليه من قريب أو من بعيد. لم نرَ في النتيجة النهائية، من حيث الاتجاه التشكيلي، ما يدلّ على اعتماد واقعية شديدة، كما لم يتعدَّ العمل الفنّي الواقع الموضوعي كي يطرق أبواب التجريد، وإن شارف عليه، فمن طريق التعامل مع الخلفيّة. وبحسب ما رأيناه سابقاً وما نراه حاضراً، ما زالت ريم الجندي من أنصار التمثيل، بصرف النظر عن مدى واقعيته. وما زالت، أيضاً، تولي أهمية للمتن كما للخلفية، من خلال إفراد دور لكل منهما، وقد حافظت على هذا الدور في أعمالها التي نحن في صددها.

في لوحة "القُبلة" يشكّل تلاصق الشفتين، الذي يبدو وكأنّه يحدث في اللامكان، بداية لسلسلة من الحوادث المرتبطة بما سينتجه هذا اللقاء الحسّي، الذي سيؤدي، منطقياً، إلى تكوين عائلة ستمارس فصول حياتها المتشابكة ضمن بحر أقرب إلى الرمادي. الرمادي نفسه يميّز مدينة ترتسم عليها ملائكة سبعة، بأسلوب وألوان تستنسخ التقليد الأيقوني. "كونتراست" لوني ما بين عمارات المدينة المتراكمة، وبين أطياف الملائكة، يشبه الحياة في تناقضاتها الساحقة، ويلتصق بشدّة بالواقع الذي نعيشه.

دعوة إلى روحانية، أم أمل في أن يسبغ الملائكة نعمتهم على بلد صار الحزن فيه أسلوب عيش، وأمسى الفرح استثناء، أو كما يقول ليو فيرّيه في إحدى أغانيه، التي كتبها بنفسه كما كل نتاجه الشعري: "السعادة ليست شيئاً كبيراً .. إنها الحزن في حالة الراحة".

تقول الجندي إنها أخذت وقتها في صناعة قسم من الأعمال التي تتعلّق بها تحديداً دون سواها، وتذكر إنها شاءت أن يكون المتن موضعاً لحركة جسدها الميكانيكية. هكذا، تصبح إضافة الخرز على حدود الجسد وكأنها محاولة للتحكّم في هذه الحركة، وإعطائها بُعداً مادياً، ولو في شكل مجازي. العمل بالخرز يستوجب صبراً وأناة، وكانت مارسته شعوب وسلالات، وارتبط أحياناً بطقوس وتعاويذ. ولن ننسى الإشارة إلى أن هذه العملية شكّلت سلوى للمساجين، ممن يمتلكون ناصية الوقت، الذي يمتد ولا ينتهي، أكثر مما يمتلكها أحد سواهم. تمرين على الصبر وتحمّل مرور الوقت الذي يبدو كأنه مكرّس للانتظار، كما تفيد الفنّانة. هذا الأمر ينسحب على الأعمال التي تتعلّق بها شخصيّاً، كما ذكرنا. أوضاع جسدية مختلفة لا تشغل فيها قامتها العارية حيّزاً كبيراً من العمل. شيء من التقوقع ضمن ثغرة محاطة بالخرز، مدينة رماديّة في الأفق، ومحاربون ترتفع رماحهم في الهواء. هذا البلد يسير إلى المأساة والمجهول بخطى ثابتة، تقول لنا ريم الجندي..

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها