الأحد 2021/07/18

آخر تحديث: 08:10 (بيروت)

اعتذار سعد الحريريّ مجرّد تفصيل…

الأحد 2021/07/18
اعتذار سعد الحريريّ مجرّد تفصيل…
سعد الحريري في قصر بعبدا (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
لئن سال حبر كثير تناول إعلان الرئيس سعد الحريريّ الاعتذار عن عدم تشكيله الحكومة، وما سبق هذا الإعلان من ملابسات وما تلاه من أحداث، إلّا أنّ هذا السيلان لا يغيّر قدر أنملة من الحقيقة الصارخة: بعد تسعة أشهر من خوض الحريريّ معركته الخاسرة أصبح اعتذاره مجرّد تفصيل باهت حيال ما يعتمل في واقع الناس من عناصر التراجيديا وما يصطرخ في نبض الشارع من تحوّلات.

طبعاً، حريّ بالشيخ سعد أن يقوم بعمليّة تقييميّة لتجربة الأشهر التسعة العجاف. يستطيع في سبيل هذا التقييم أن يحبس نفسه في بيت الوسط أو أن يسافر على أجنحة النسور إلى جزيرة نائية. لا فرق. من البديهيّ أنّ عليه أن يطرح على ذاته جملةً من الأسئلة: كيف سمح لنفسه بأن يستخفّ بثورة الناس على حكومته في 17 تشرين حين أعلن ترشيحه من جديد؟ كيف صدّق أنّ حزب الله سيسعفه على خصمه الباسيل اللدود ويمكّنه من تسلّق تلّة السراي من جديد؟ كيف لم يدرك أنّ تمسّك حزب الله به لا يرتبط بعلاقاته الدوليّة الموروثة وبالتوتّر السنّيّ-الشيعيّ فحسب، بل يتّصل أيضاً بشخصيّته المتقلقلة وميله إلى نسج التسويات التكتيكيّة على حساب المبادئ الكبرى؟ كيف يستطيع الجمع بين تموضعه «الوطنيّ» ولجوئه إلى مؤسّسة دينيّة متهافتة كي تحميه وتشدّ أزره؟

يستطيع الشيخ سعد أن يصارح ذاته بهذه الأمور جميعها محاولاً العثور على أجوبة. ولكنّ هذا كلّه يبقى تفصيلاً حيال المشهديّة التي ترافقت مع اعتذاره. فهذا الاعتذار حصل على وقع انفجار اجتماعيّ متسارع لم يشهد لبنان مثيلاً له حتّى على عتبة الحرب الأهليّة. وهذا الاعتذار حصل على وقع تكسّر النعوش، النعوش التي ترمز إلى ضحايا انفجار مرفأ بيروت، أمام دارة وزير الداخليّة الذي هرب من الناس وأطلق عليهم رجال أمن تحوّلوا إلى كلاب حراسة. وهذا الاعتذار حصل على وقع محاولة بلاطجة المجلس النيابيّ، ذي الشرعيّة الشعبيّة المخلوعة، الالتفاف على قاضي التحقيق العدليّ من طريق المماطلة والعرائض والاستعادات التهويميّة لهيئات كاذبة تحاكم الرؤساء والوزراء هي أشبه بناس «من ورق»، بالإذن طبعاً من عاصي ومنصور وفيروز.

من المفيد أن يراجع الرئيس المعتذر حساباته كي يدرك كيف كان شريكاً، مع خصومه، في إحراق الوقت وتضييع الفرص والاستهتار بالناس المنهوبين الجائعين المجروحين بالجوائح. ولكنّ هذه المراجعة تبقى اليوم مجرّد تفصيل سواء قام بها أم لم يقم. فالرهانات باتت في مكان آخر. والمعارك تخاض في ميادين أخرى. وصعود البلد إلى رحاب جديدة أو هبوطه إلى الهاوية ليس متوقّفاً على سعد الحريريّ. وإنّ اضطراره إلى الاعتذار هو، بخلاف ما يروَّج له، ليس انتصاراً لفريق «العهد» على رئيس مكلّف مكروه، بل هو عنوان لإفلاس طبقة سياسيّة متهالكة على الرغم من أنّها ما زالت تحترف الرقص على أشلاء الناس، وتهوى الاحتفال بطقوس عبادة الذات على مرأّى من مجتمع يتحلّل. هذا الإيذان بالإفلاس والتهالك هو الحدس العظيم الذي تفجّر في ثورة 17 تشرين و4 آب، ولن يسرقه تكليف يتلوه اعتذار إن هو إلّا تفصيل.. مجرّد تفصيل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها