السبت 2021/07/17

آخر تحديث: 06:47 (بيروت)

كاسندرا: الجيش الألماني يقرأ روايات الجزائر

السبت 2021/07/17
كاسندرا: الجيش الألماني يقرأ روايات الجزائر
الأدب كـ"جهاز استشعار مبكر" والأديب النبي فكرة مغرية بالطبع
increase حجم الخط decrease
المشروع المشترك بين وزارة الدفاع الألمانية وعدد من المتخصصين في الدراسات الأدبية بجامعة "توبنغن" يحمل اسم كاسندرا، عرافة طروادة. الإشارة الإغريقية تذكرنا بأن واحدة من النصوص المؤسسة للتراث الأدبي الغربي هي ملحمة حرب، وتحيل إلي ما يمكن للأدب أن يخبرنا به، في شأن الصراعات والمزاج الاجتماعي العام، وفي استشرافه شيئاً من المستقبل، وإن حالفه الحظ ربما يمكنه التكهن بتفجر الصراعات قبل وقوعها. 
لطالما اختلطت النبوءات بالشعر، ووجدت الهرمنيوطيقا واحداً من أصولها في تفسير رؤى الكتاب المقدس، لفك شفرة أهوال نهاية العالم. إلا أن الجيش الألماني يبتغي من المشروع ما هو أكثر وضوحاً من ذلك، تحويل النصوص الأدبية إلي معلومات متماسكة وخرائط عاطفية لمناطق الأزمات، تقيس تصاعد خطابات العنف على خط الزمن وبمعاملات رقمية، أي بيانات يمكن للعسكريين والمخططين الاستراتيجيين استخدامها، بعيداً عن البلاغة. 

ما الأدب؟ سؤال يظل مثيراً للارتباك، ربما بفضل سذاجته المفرطة. لكن الأكثر استعصاءً، هو سؤال ما نفع الأدب؟ تتضاعف المعضلة لدى أقسام الآداب الأكاديمية، فما نفع دراسة الأدب؟ التغير التدريجي لدور الجامعة، من التمحور الكلاسيكي حول المعرفة لأجل المعرفة إلي المعرفة المنتجة حصراً، دفع أقسام الإنسانيات أكثر من غيرها، إلي البحث عن أدوار غائية يمكن فهمها بمنطق السوق. وكان على الدراسات الأدبية أن تجد وظيفة تتجاوز الأدب بالضرورة، وظيفة تدور حول أي شيء إلا الأدب، بحيث تكون قادرة على اجتذاب التمويل، وعلى إثبات كفاءة قابلة للقياس. بدورها تهييء العسكرية الألمانية نفسها لمهمات أوسع، خاصة مع تراجع الأدوار الأميركية، والوزن الذي تكتسبه برلين على المستوى الأوروبي. 

مدير المشروع، يورغن فيرتهمير، أستاذ الأدب المقارن، للمفارقة، كتب رسالته للدكتوراة عن الألماني، شتيفان جورج، الشاعر المنتهي إلى مدرسة "الفن للفن". لكن تلك المفارقة تصبح أقل تناقضاً ذاتياً، حين نعرف أن ديوان جورج "الرايخ الجديد" (1928) مُنع في ألمانيا المحتلة بعد الحرب الثانية، تم ذلك بالرغم من رفض كاتبه المتواصل لأي تأويل سياسي لقصائده. هكذا حتى الفن "الخالص" لا يجد مهرباً من التفسير السياسي.

متخصصو الدراسات الأدبية لا يبحثون وحدهم عن دور برغماتي، بل والأدباء أيضاً، ربما الفارق بين الحقلين لم يعد واضحاً بهذا القدر، فظاهرة الأدباء الأكاديميين والأكاديميين الأدباء في طريقها لأن تغدو تياراً رئيسياً على الأقل في جامعات أميركا الشمالية. هكذا، حين تواصل فريق "كاسندرا" مع عدد من الأدباء، رحب هؤلاء بالمشاركة في جلسات ولقاءات خاصة بالمشروع، روائيون من الجزائر والمغرب ومصر وإسرائيل ونيجيريا، بل وتحمل غالبيهم كلفة حضورهم من أموالهم الخاصة. الدافع ليس مادياً، إلا أن الأدب كـ"جهاز استشعار مبكر" والأديب النبي فكرة مغرية بالطبع، لحقل يتوارى بريقه التاريخي في عصر أصبح متمركزاً حول الصورة منذ وقت طويل. تبنى تيار واسع من الأدباء العرب خطاباً ينسب للأدب دوراً جوهرياً في مواجهة التطرف مع تصاعد المواجهة مع الحركات الإسلامية منذ الثمانينيات. وليس من باب المصادفة، أن فيرتهمير، مدير "كاسندرا" مؤمن أيضاً بأن للأدب دوره في مواجهة الأصولية ولصالح العلمانية في أوروبا.
 
المشروع الصغير الذي بدأ في العام 2017 حقق نجاحات محدودة، كان من بينها التنبؤ بعدها بعامين في انتفاضة الجزائر، فعبر قراءات مدققة لعدد من الروايات الجزائرية في العقد الأخير أصبح واضحاً لباحثي "كاسندرا" أن البلد الذي لم تطوله انتفاضات الربيع الأول في وضع مأزوم، ويجب تظليله باللون الأحمر. ربما لم يكن ذلك التكهن في حاجة لتحليلات أدبية، إلا أن الجانب الأكثر فطنة في المشروع وتصميمه، هو إدراكه أن الأهم من النص الأدبي هو "البنية التحتية الأدبية" اقتصاديات الجوائز وسياسات النشر والاعتراف والحظر والرقابة، أي ما يجري حول النص، وما يحدث له وبه. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها