الأحد 2021/06/06

آخر تحديث: 11:09 (بيروت)

فظاعة ساندور فيرينكزي..في تقلبات علاقته مع فرويد

الأحد 2021/06/06
فظاعة ساندور فيرينكزي..في تقلبات علاقته مع فرويد
تشكيك فرويد في منظور فيرينكزي لم يمنع هذا المحلل عن المضي به،
increase حجم الخط decrease

كان بينيوا بيتير قد أصدر كتابه عن ساندور فيرينكزي (ميشكولتس، 1873-بودابست 1933) في زمن الكورونا، فلم يأخذ حقه كثيراً، وهذا، على الرغم من كونه يستحق هذا. فقد استطاع صاحبه ان يقدّم، وعلى طريقته، سيرة فيرينكزي، منطلقاً من وصف دقيق للغاية أطلقه عليه ليفيد بكونه النجل الفظيع للتحليل النفسي. وبالفعل، فيرينكزي هو كذلك. فمن ناحية، هو ولد منه، ملتحقاً بجيله الأول الذي تتلمذ على أعضائه ومعهم، ولكنه، ومن ناحية ثانية، سهر على تطويره، الذي جعله، وفي لحظة من سيرته، يبتعد عن تلمذته تلك، ويذهب في حال سبيله.

هو نجل التحليل الذي يريد أن يرحبه، وهو التلميذ، الذي، وبطريقة نيتشوية، لا داعي له إن بقيَ كذلك. من هنا فظاعته، قسم قليل منها، أو بالأحرى مطلعها، بحيث أنها، ومع الوقت، ستبدو على جلائها في حين وضعه لنظرياته. فهي مرادفة لقدرته على الأفهمة والإبداع، مثلما أنها، وقبل هذا، مرادفة لقدرته على الانصات للذين يستقبلهم في عيادته، هاجساً في تعافيهم قبل أن يودعهم بشكرهم!

وإن كان لفظاعة فيرينكزي عنوان، تبرز فيه، فهي بالطبع علاقته مع فرويد. فهذه العلاقة شهدت تقلبات عديدة. فما أن التقى فيرينكزي بفرويد العام ١٩٠٨، حتى كان لهذا اللقاء اثر كبير فيه، بحيث صار قريبا منه للغاية، مثلما أنه يواظب على الدفاع اطروحاته. أما، فرويد، فمن جهته، كان يجد فيه المحلل الأكثر تمكناً من بعده، وهو لطالما اصطحبه معه في زياراته الاوروبية والاميركية، مثلما أنه ناقش معه افكاره. ولكن، العلاقة بين الاثنين تعدّت المهنية لتصير قريبة من الصداقة. فقد دعا فرويد فيرينكزي إلى تمضية العطلة مع عائلته، مثلما انه كان قد أسر له بكونه لطالما ابتغى ان يكون صهره. الا ان كل هذه العلاقة المتينة بين الاثنين سرعان ما تغيرت، ومرد هذا، بداية، هو أن فرويد يجد في فيرينكزي شخصاً حالماً ومكتوماً.

وفي المقابل، فيرينكزي يجد فيه شخصاً مغلقاً، وهو حين طلب منه أن يكف عن انغلاقه، اجابه فرويد بأنه لا حاجة له إلى ذلك، بل إنه يحب أناه، وفي هذا السياق، تندرج عبارته الشهيرة "نجحت حيث فشل البارانوي".

ولكن، توتر العلاقة بين الاثنين ليس سبب طباعهما فحسب، بل بسبب اختلافهما النظري أيضاً. هذا الاختلاف كان قد بدأ باكراً، غير انه تبلور عندما بدأ فيرينكزي، وبتشجيع من لو اندرياس سالومي، بتطوير منظوره العلاجي. بالتأكيد، أول ذلك الاختلاف يدور حول موضع المحَلُل من كلام المُحَلل حول الرطمة الجنسية، ففيرينكزي كان من رواد الأخذ به، بمعنى تصديقه كما هو، والتفاعل معه بالاعتراف والتعاطف. وهذا، على عكس الاعتقاد بكونه هوامياً، وعلى عكس التزام الصمت أمامه، وبالتالي، تكريس انكار الرطمة الذي يعتمده الراشدون في تعاطيهم مع الاطفال: "مسلك الراشدين حيال الطفل الذي عاش رطمة جنسية  يشكل جزءاً من نمط الاشتغال النفسي لهذه الرطمة". طريقة فيرينكزي هذه حيال المحلَل المرطوم لا تنفصل عن صلته بالمحلَلين على عمومهم، بحيث يرى فيها صلة تقاسمية، كما يرى ان الحب هو قوامها.

كل هذا، شكك فرويد في فعاليته، تماماً، كما فعل حيال فكرة فيرينكزي التي تفيد بأن النكوص بمثابة سبيل تعافٍ، بحيث أن السيرورة التحليلية تعيد إلى ما سماه الـThalass نسبة إلى ربة البحر اليوناني، اي إلى ما قبل الولادة، وهذا، من أجل ولادة اخرى.


ولكن، تشكيك فرويد في منظور فيرينكزي لم يمنع هذا المحلل عن المضي به، وهذا، ما جعل علاقتهما تنتهي. ومن بعد ذلك، يتحدث فرويد عن فيرينكزي، الذي كان محلَله، باعتباره قد عانى من وضع باتولوجي، حمله إلى البارانويا. وهذا، ما كتبه ارنست جونس في سيرة فرويد، بحيث اشار الى كون فيرينكزي قد اصيب بذهان حاد، ادى به في نهاية حياته إلى الجنون. غير أن سردية جونس عادت ودُحضت، لا سيما بعد أن نشر ميكائيل بايلينت، ولاحقا جوديت دوبو، لمخطوطاته، وبعد أن استند لاكان إلى منظوره التحليلي، الذي اخذ مفهوم "المُستَحِل" منه(analysant) والذي اعتبره أصيلا في سؤاله عن مسؤولية المعالج. أما، بينوا بيتير في البورتريه الذي وضعه له، فقد قدمه، لا كنجل فظيع فحسب، بل وأيضاً، كأنه راهن. ففي حال قالت سالوميه ان "لا مناص من مجيء زمن فيرينكزي"، فبالنسبة إلى بيتير، هذا الزمن فعلياً قد جاء.

*ساندور فيرينكزي، النجل الفظيع للتحليل النفسي، دار فلاماريون


 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها