السبت 2021/06/26

آخر تحديث: 13:05 (بيروت)

سعاد حسني الأفغانية

السبت 2021/06/26
increase حجم الخط decrease
قبل مدة، تداولت بعض الصفحات والمواقع صوراً لسعاد حسني من فيلم بعنوان "أفغانستان لماذا"(إخراج عبدالله المصباحي)، صوّرته السندريلا مع شون كونري العام 1984، لكنه "مُنع" من العرض ولم ير النور حتى الآن. لم يحالف الحظ سعاد في خطوتها الأولى نحو العالمية، ولا شون كونري في تجربته والمشاركة في فيلم عربي، فظل الفيلم حبيس الأدراج والتأويلات والتكهنات. وقد يكون هذا العمل الوحيد الذي لم يشاهده الجمهور لسعاد حسني، أو الحلقة المفقودة من سيرة "أخت القمر" التي كانت سيرتها صاخبة وجاذبة وساحرة، وكان موتها شديد الالتباس والغموض بين السياسة والانتحار، بين المؤامرة والاكتئاب... بين الشائعات والافلام المدبرة وسطوة صفوت الشريف.

لم يعرض فيلم "أفغانستان لماذا" في الصالات والشاشات الصغيرة، والمعلومات المتاحة عنه شحيحة أو متناقضة، وإلى حد ما مبالغ فيها ومؤسطرة، وتحولت قصته فيلماً لم يصوّر. البعض سمع عنه بسبب صور سعاد حسني التي تنتشر بين الحين والآخر في مواقع التواصل الاجتماعي، وتظهر فيها وهي ترتدي زياً أفغانياً من ذلك الذي اعتادت النساء في أفغانستان ارتداءه قبل ظهور حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وانتشار الزي الذي يسمى باكستانياً، أو انتشار البرقع الذي يطمس ملامح النساء ويحولهن نسخة واحدة... صور سعاد حسني في الفيلم كأنها اعلان سياحي تراثي عن بلد حُجبتْ صورته، بعد حروب متعددة، واحتلالات متغيرة، وفوضى كبرى تشارك فيها عواصم كبرى.  

قصة فيلم المصباحي بدأت في أواخر العام 1979، حين قام الاتحاد السوفياتي بغزو أفغانستان للدفاع عن النظام الحاكم الذي كان يوالي موسكو في مواجهة الحركات الاحتجاجية "المجاهدة" التي كادت تطيحه. وفي ظل الرفض الدولي الذي قادته أميركا للاحتلال السوفياتي، بدأت واشنطن وبعض العواصم الاسلامية، في دعم حركات المقاومة المسلحة "المجاهدين الأفغان" ضد السوفيات والتمدد الشيوعي.

وكان الحدث الدولي بهذه الصيغة، كفيلاً بأن يثير شهية المخرج المغربي عبدالله المصباحي، الذي حاول، كما قيل، "الانتصار للقضية الأفغانية"، وبدأ خطواته الفعلية لصناعة فيلمه "أفغانستان.. لماذا؟". وفي العام 1983، سافر إلى باكستان ليلتقي "المجهادين الأفغان" الذين فروا من بلادهم، حتى يجمع منهم معلومات عن طبيعة الأحداث وما شهدته بلادهم تحت الاحتلال، تمهيداً لكتابة سيناريو الفيلم، وذهب في رحلة البحث عن تمويل...

وفي البحث حول فيلمه، تبيّن صوّره مدير التصوير المصري عبد العزيز فهمي، وجسدت فيه سعاد دور فتاة أفغانية، أما عبدالله غيث فقدم دور أستاذ جامعي وعالم دين ومفكر ومناضل قاد حركة قوية ضد الاحتلال السوفياتي، قبل أن تنفجر الخلافات داخل المجتمع الأفغاني نفسه، ويتحول المشهد من المجاهدين إلى طالبان. لم نعرف ما دور شون كونري فيه..

أما الممثلون(الى جانب سعاد حسني وشون كونري) اختار مخرج الفيلم كل من شاك كونرز، وهو رياضي أميركي اشتهر بلعب كرة السلة والبيسبول ودخل مجال التمثيل في العام 1952، إلا أنه لم يحقق شهرة كبيرة في السينما. إضافة إلى جوليانو جيما، وهو ممثل إيطالي وجد فرصته في السينما الأميركية، حيث اشتهر بأداء أدوار رعاة البقر والمشاركة في الأفلام التاريخية الحربية. كما شاركت في الفيلم أيضاً النجمة اليونانية، إيرين باباس، التي اشتهرت بأدوار الشخصيات العربية في أفلام المخرج مصطفى العقاد، "الرسالة" و"عمر المختار"، بالإضافة إلى ممثل فرنسي يدعى مارسيل بوزوفي، وما يزيد عن 30 ممثلا مغربياً، على رأسهم الممثل حميدو بنمسعود، وآلاف الكومبارس من مدينة تطوان.

عبقرية السندريلا
وعن اختيار المصباحي لسعاد حسني لتقوم ببطولة فيلمه، قالت الكاتبة نعم الباز، في مقال لها نشر في "المصري اليوم" العام 2010، إن المصباحي اختار سعاد "للعبقرية التى فرضت نفسها على الساحة الفنية وعششت وتربعت على عرش الوجدان العربي"، وبينت الباز أنها التقت مع المصباحي، وسألته كثيراً عن فيلمه وعن سبب اختياره لسعاد حسني لبطولة الفيلم مع كل هؤلاء النجوم العالميين؟ فقال المصباحي: "سعاد كل شيء فيها عبقري، ملامحها عبقرية تستطيع أن تعطي الإحساس بأنها مصرية وأفغانية، وبالدور الذي تؤديه تقنع من أمامها بحرفية عالية"، كاشفاً أن سعاد حسني دُعيت لحضور مهرجان موسكو العام 1984 إلا أنهم تراجعوا عن دعوتها ومنعوها من دخول البلاد بعدما علموا أنها ستشارك في "افغانستان لماذا"، والسؤال هل كان الفيلم صاروخ نووياً حتى اثار هذا الاهتمام من الدول الكبرى قبل عرضه، أم أن المخرج بدأ يحيك القصص والتكهنات منذ توقف عن تصوير الفيلم؟! لا نستطيع الجزم بشيء، لكن ثمة مبالغات تحتاج الى تدقيق وتوثيق، وثمة كتابات كثيرة عن الفيلم قائمة على الافتعال ومحاولة لفت انتباه القراء بلا اي مسند...

جاء تمويل الفيلم من بعض الأثرياء السعوديين، بعدما فشل المخرج في الحصول على تمويل من الجامعة العربية. في أول الأمر، اتفق المصباحي مع الحكومة الباكستانية على تصوير الفيلم في مدينة بيشاور وبمشاركة المجاهدين الأفغان أنفسهم، وبمساعدة من الجيش الباكستاني، إلا أنه سرعان ما عدل عن رأيه وقرر أن يصوّر الفيلم كاملاً في مدينة تطوان المغربية، وهو القرار الذي ندم عليه المصباحي ووصفه في مذكراته بـ"الخاطئ". بدأ تصويره في مدينة تطوان، وكان من المفروض أن تكون مدة عرض الفيلم 3 ساعات، وأنجز 70% من المَشاهد، ولم يتبق إلا مشاهد المعارك التي تعتمد على السلاح الثقيل والدبابات التي كانت ستستغرق نصف الساعة المتبقية، إلا أن الجيش المغربي رفض أن تُستخدَم آلياته العسكرية في الفيلم. فتوقف التصوير وثار الممولون السعوديون وطالبوا باستعادة أموالهم، ثم كثرت المشاكل على المصباحي، خصوصاً بعدما قرر المركز المغربي السينمائي سحب ترخيص عمله كمخرج وإغلاق شركته السينمائية، كما قام بحجز الأجزاء التي صُورت من الفيلم معلناً حظر عرضه، ومنذ ذلك الحين والفيلم الذي لم يكن المصباحي يملك أي نسخ أخرى منه، حبيس ومعتقل داخل أدراج المركز السينمائي المغربي!

يرى المصباحي أن قرار الممولين جاء ليهدم المشروع، زاعماً في مذكراته أن سعاد حسني شاركت في المؤامرة ضده بعدما انتشر نبأ زواجها بالمنتج محمد القزاز الذي التقاها في تطوان. ولم يوضح المصباحي، لا في مذكراته ولا في أي من حواراته، طبيعة الاتهام الذي وجهه لسعاد حسني بالتآمر لإفشال الفيلم... ومن خلال الاخبار المتداولة، بدا أن مشاركة سعاد حسني في الفيلم أقوى من قضية الفيلم نفسه...

يبدو كلام المصباحي عن سعاد حسني قائماً على معمعة وتوهمات يصعب تفسيرها الآن، بعد عقود على تصوير أجزاء من الفيلم، ثم توقُّف التصوير والانتكاسات العديدة، سواء في الجانب التقني أو التمويلي أو السياسي. فمرة نقرأ ان المنع جاء من المغرب لأنه رفض استعمال قواته المسلحة. ومرات نقرأ بأن المنع أتى من الاتحاد السوفياتي الذي كان يحتل أفغانستان ويريد الحفاظ على صورته. وكُتب الكثير عن "تنبؤات" المصباحي الساذجة، ومؤامرة أميركا ضد الفيلم، إذ كانت، بحسب إحدى المقالات، "تريد أن توثق دورها في أفغانستان، لكن من منظورها الخاص، عبر فيلم يكون بطله رامبو الأميركي، وليس أستاذاً جامعياً مسلماً أفغانياً يدافع عن عقيدته وأرضه وأفكاره". ويضيف المقال: "في الوقت الذي منع فيه عرض فيلم أفغانستان.. لماذا؟ بتدخل من الولايات المتحدة، أنتجت هوليوود بعدها بعامين الجزء الثالث من سلسلة أفلام "رامبو" من بطولة سيلفستر ستالون، لتحكي القصة عبر رؤيتها الخاصة، وفي فيلم تجاري لا يهتم لمناقشة قضية الاحتلال، بقدر اهتمامه بتمجيد الدور الأميركي في شخص رامبو ومساعيه لمساعدة الأفغان الغوغائيين الجهلة، كما صوّرهم الفيلم".

في العام 2005، حاول المصباحي إعادة إحياء الفيلم، حين أعلن أنه بدأ تصوير الجزء الثاني منه، من دون أن يوضح كيف يصور جزءاً ثانياً من فيلم لم يعرض الجزء الأول منه حتى الآن، وتسربت حينها أنباء عن أن المصباحي وُعد بإطلاق سراح فيلمه القديم، إلا أن أخبار الفيلم اختفت، قبل أن تعود وبقوة في العام 2013 حين أعلن المصباحي أن فيلمه القديم سيرى النور. وأوضح المصباحي أنه صوّر مشاهد جديدة لإضافتها للفيلم، وأدخل تعديلات جوهرية على أحداثه ليكون مواكباً للتغيرات التي شهدها العالم منذ الثمانينات وحتى الآن، كاشفاً أنه أضاف مَشاهد تؤرخ لفترة ما بعد الانسحاب السوفياتي وظهور حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وكذلك الحرب الأميركية على أفغانستان بعد غزوة 11 أيلول 2001 وما جرى في معتقل غوانتانامو، في محاولة منه لربط الماضي بالحاضر، لافتاً إلى أنه غيّر اسم الفيلم إلى "أفغانستان الله وأعداؤه". إلا أن الفيلم أيضاً لم ير للنور. لم يتوقف المصباحي عن الحديث عن قرب عرض الفيلم في دور السينما، وظل يؤكد أن الفيلم بات جاهزاً للعرض وأنه ينتظر فقط أن يعرض في دور السينما، إلى أن توفي المصباحي في 16 أيلول/ سبتمبر 2016.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها