اول هذه الملاحظات، ألا شك في كون هذا التفكير غزير للغاية. غزارته هنا تتعلق بداية في انتاجه، بحيث أن الأفكار والمقولات والسرديات التي أدى إليها، هي في الواقع كثيرة، لا بل مفرطة. طبعا، هذا ليس بأمر سلبي البتة، على العكس، هذا يعني ان التفكير اشتغل جيداً، وانه حاول، من جهته، أن يتناول الفيروس، أن يقارب آثاره، أن يقيسها، وأن يفسرها. ولكن، اشتغاله على هذا النحو هو إشارة إلى أنه لم يتوقع الكورونا، لم يتوقع انه قد يولد وينتشر. هذه من سمات الفيروس، اي أنه ليس متوقعاً، ولكن، حين يكون التفكير بحد ذاته عاطلا عن التوقع، عن شيء بديهي نوعا ما هو الاستشراف، فحينها، لا يصير على بطء فقط، إنما، وهذا الأهم، يشتغل على أساس ردات الفعل، أو يغدو تفكير برد الفعل. بهذا المعنى، غزارة التفكير، وإن كانت على مقلب منها، تشير إلى حيويته، فهي، وعلى مقلب ثان، تشير إلى كونه ينتج ردات فعل على الفيروس، لتكون بغيته منها الإمساك بالكورونا من دون تحقيق ذلك، ما يؤدي إلى إنتاجه لها مرة تلو المرة. بالتأكيد، قد يكون التفكير قد اراد من إنتاجه لردات فعله على شكل افكار ومقولات وسرديات بغزارة ان تكون كناية عن فعل، غير أن الغزارة لا تؤدي إلى جعلها بمثابة أفعال، إنما، وعلى العكس، تفقدها حتى شدة ردة الفعل، لتؤدي إلى ما يشبه الكساد.
ولكن، هذا التفكير حاول أن يكون فعّالاً، متجاوزاً انه يقوم بردات الفعل، من خلال شيء ما، وهو المغالاة الحوادثية. إذ إنه، ولكي يعوض عن كونه لم يكن قد توقع، ولا تجهز لحصول امر ما بحجم انتشار الكورونا، شرع في تقديم الراهن، وفي نتيجة هذا الانتشار، على أساس أنه سينقلب إلى حدث كبير. هذا الحدث قد يكون نهاية النظام العالمي، وقد يكون عدم توقف الكورونا عن ارداء البشر، وقد تكون تلك الدعاية التي أطلقها بعض من شغيلة الفلسفة، اي الرجوع إلى الميتافيزيقا، أو قد يكون تغلب التواصل في زووم على التواصل خارجه الخ. قد يكون الحدث اي امر، ولكن، المهم ان التفكير يعمد الى تظهيره بشكل يوحي بأنه يكتشفه، كما لو أنه يميط اللثام عنه فيدهش به، أو بالأحرى يدهش بكونه استطاع ان يحدده كمآل الراهن وأفقه. فصحيح ان الكورونا قد انقض عليه من الخلف، وتركه في صدمة منه، ولكنه، لاحقاً، استطاع ان يكون على علم بما سيؤدي اليه.
انهي ملاحظتي بالاشارة الى نشاط بعينه لهذا التفكير، وهو يتصل بتعويضه عن كون الفيروس قد أصابه، اي انه سعى إلى إعطاء معنى لكل هذا الفوات الذي عاش العالم فيه نتيجة الكورونا. إذ إنه-وليس انتاجاته وحده- واظب على خلق معنى لذلك الفوات، ولكل الوضع الفيروسي، ولكل ما نم عنه. وقد اقدم على ذلك باعطائه معاني ضخمة إلى درجة انه بدا كأنه يتلف كل المعاني. فعلياً، في تلفه هذا، الذي اخذ شكل التضخيم المعنوي، كان مصيباً. فمشاهدة الأناس في الشارع بلا اقنعة مستئنفين ما كان قبل الكورونا، لا يحيل الى انتصار على الفيروس، ولا إلى ثقة بالتلقيح، ولا تخطياً لـ"أزمة انسانية"، إنما، وبطريقة من الطرق، أن كل ما حصل لم يكن له أي معنى!
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها