الخميس 2021/06/17

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

انفجار مرفأ بيروت مأساة.. لا مباراة ألوان

الخميس 2021/06/17
انفجار مرفأ بيروت مأساة.. لا مباراة ألوان
increase حجم الخط decrease
من بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، كثُرَ الذين يحاولون الاستثمار في المأساة والكارثة، سياسياً وثقافية وسينمائياً وموسيقياً واجتماعياً، أو بمعنى آخر كثر الأشاوس و"العباقرة" الذين يحالون استغلال الفجيعة وركوب الموجة.. كتاب بائس من هنا، نص متهافت من هناك، مَعارض بعناوين براقة، خطابات غبية، بيانات كأنها ذر للرماد في العيون، تستسهل ما جرى... 

بالطبع لا تمر الاحداث المأسوية الكبرى في العالم، من دون أن تحضر في النسيج الثقافي والسياسي والاجتماعي، ولا شيء يحصل من دون تداعيات. لكن للأمور أصولها وقواعدها "الاخلاقية" والفنية، وغالباً ما يكون التعاطي مع المأساة بين وجهتين. هناك انتهازيون يستغل اللحظة لإطلاق العنان لمشاريعهم الوصولية بأي شكل، حتى من خلال الكلشيهات العريضة أو اللوحات المبتذلة. وهناك من يغوصون في الجوهر، من دون عناوين مباشرة، بحثاً عن خيوط دفينة، تعبّر عن الشيء وبواطنه.
في لبنان، تحاول السلطة تمييع التحقيق في قضية مرفأ بيروت، والتعاطى معها كما لو أنها "حادثة لم تقع"، أو "قضاء وقدر" وانتهى الأمر، وحتى رئاسة الجمهورية، حين كانت تريد استقبال عائلات ضحايا المرفأ، أرادت وضع رقابة مسبقة على كلماتهم، منعتهم من طرح الأسئلة، تريدهم مجرد "مبخّرين" على المنبر، وتناست أن لهم ضحايا سقطوا. عدا ذلك كله، وعدا الانفجار الرهيب، تتحفنا كلية الفنون الجميلة والعمارة في الجامعة اللبنانية، بالاشتراك مع جمعية "لغد أفضل"، بالدعوة إلى "المشاركة في مباراة أفضل عمل فني لمشهديات دمار الأحياء المنكوبة" في 9 تموز.... يا لهول الفن، ويا لهول الغد الأفضل...  بدلاً من القول كيف نرسم مأساة مرفأ بيروت؟ وهل يمكننا أن نرسم مأساة بيروت بعد انفجار 4 آب؟ كان عنوان الجامعة اللبنانية "مباراة" و"أفضل عمل فني".

كلام أشبه بالرقص فوق الجثث. كلام لا يختلف كثيراً عن وقاحة نادي الليونز الذي أراد إقامة حفلة موسيقية في مرفأ بيروت تحت مسمّى تكريم ضحايا الانفجار...

هناك جموح مرضي للسعي للقب "أفضل"، حتى لو كان ذلك على بركة دم... 

بدلاً من المشاركة في كشف الحقيقة وتقديم الدلائل للتحقيق، فإن كلية الفنون الجميلة والعمارة -الكلية التي تئن تحت سلطة الأمر الواقع وأحزاب السلطة الحاكمة- تتعامل مع مأساة كبرى في العاصمة اللبنانية كما لو أنها مشهد من مشاهد ضفاف نهر السين، أو هضبة مكسوة بالأشجار، أو أحياء مدينة أثرية. لا احترام للضحايا، لا احترام للمدينة، ولا للفن نفسه... مأساة بيروت بعد تفجير المرفأ، ليست خراباً جميلاً ليكون مسابقة فنية وألواناً وفرشاة. هي كارثة، فجيعة، قتل فيها أكثر من 200 مواطن لا حول لهم ولا قوة، وشُرّد المئات وأرهق الآلاف، ولا يجوز أن تتحول الكارثة إلى مباراة ألوان. لعل الجامعة نواياها سليمة، أو ربما خالية من الخبث، لكنها اختارت العنوان الخطأ... من البديهي رسم المأساة في إطار فردي وشخصي، لكن من غير المنطقي جعلها مباراة ومسابقة في اللحظة الراهنة...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها