الخميس 2021/06/17

آخر تحديث: 12:33 (بيروت)

شادي لويس: أكتب الأدب كهواية.. وموقفي من الجوائز "أخلاقي"

الخميس 2021/06/17
شادي لويس: أكتب الأدب كهواية.. وموقفي من الجوائز "أخلاقي"
أكتب من موقعي في العالم.. قبطي، ابن طبقة وسطى، مهاجر
increase حجم الخط decrease
عقب إصدار روايته الأولى "طرُق الرب"، بدا شادي لويس، متشككاً في مسألة استمراره في الكتابة الروائية. كان متأكداً فقط من أن أي كتابة بالنسبة إليه، ترتبط بلحظة إدراك للظلم. وهذه وحدها كانت نقطة الانطلاق للكتابة بوصفها اعتراضاً أو موقفاً. قادته هذه الرؤية لإصدار روايتين بعدها، لم يركن إلى الصمت أو يتبنى خطاب مظلومية تقليدياً، بل اختار المواجهة عبر أجمل الطرق وأكثرها رهافة، الفن، معتبراً أنه وحده القادر على إيصال أفكاره بوضوح حول معنى أن تكون قبطياً في مصر، وتصوير الأقباط كـ"ناس من لحم ودم" يمكن تفهمهم والاقتراب منهم، والانخراط معهم في علاقة على مستوى الندية، وأيضاً باعتبار أن الأدب هو المسار الأكثر مثالية للتصالح مع الذات ووضعها في علاقة أقل إيلاماً مع العالم وضده.

في "تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة"، روايته الأحدث الصادرة مؤخراً عن دار "العين"، يواصل شادي لويس تعرية طبقات جديدة من التاريخ السياسي والاجتماعي للأقباط في مصر، لحظات منسية أو محجوبة قسراً من التاريخ الرسمي، لكنها محفوره في الذاكرة الفردية والجماعية للأقباط، رابطاً بينها وبين قصة الخليقة وتطور اللغة والكتاب المقدس نفسه. نعود لنشاهد شريف، بطل روايته الأولى، طفلاً في رحلة مع أمه ليوم واحد، طردهما الأب من جنته، فتاها في الأرض ودخلا في تجربة قاسية، بدأت من شارع 30 بمساكن الحلمية على مشارف عين شمس، وإليه انتهت، لكن بميلاد جديد في الجنة نفسها بعدما خلت من الأب المهيمن. رحلة قصيرة لعائلة مسيحية، تزامنت مع  لحظة توتر كبرى وهزة أصابت الوطن بالكامل.

نشاهد القاهرة في نهاية الثمانينيات ومشارف التسعينيات، وهي "أيام (كنا نظنها) هادئة في أزمنة هادئة"، لكنها كانت تحمل في طياتها الكثير من الألم. يواجه شريف وأمه انتفاضة، أو حسب الرواية الرسمية "أحداث الأمن المركزي". عشرات الآلاف من المجندين انتفضوا في معسكر الجيزة في طريق الإسكندرية الصحراوي، وفي أماكن أخرى، احتجاجًا على سوء أوضاعهم، وتسرّب شائعات عن وجود قرار سري بمد سنوات الخدمة من ثلاث إلى خمس سنوات، وانضم إليهم بعض ممن ضاق بهم الحال ووجدوا فرصتهم للتنفيس عن الغضب. انفلات أمني استمر أياماً، أُحرقَ خلاله بشر ومحلات وفنادق وأقسام شرطة، إلى أن أُعلنَ حظر التجول والسيطرة على الأوضاع بعدما سقط الكثير من الضحايا، لكن بعكس الرواية الرسمية التي كانوا فيها مجرد أرقام، أصبحوا في رواية شادي بشراً تؤلمنا مناظر دمائهم السائلة وتؤرق ضمائرنا حرائق أجسادهم.

هنا يتحدث شادي لـ"المدن" عن الرواية والكتابة والجوائز أيضاً...

- قلت من قبل إن الكتابة عن الأقباط محاولة لأرشفة تاريخ شخصي تخشى عليه من الضياع. لكن يبدو الانتقاء عشوائياً، لأن الأمر لو كان مخططاً له، لكانت "تاريخ موجز"، هي الأولى في الثلاثية الصادرة حتى الآن؛ نتابع فيها الطفل نفسه الذى نشاهد ملامح من مراهقته في "طرق الرب"، ثم نتابع انطلاقه وهجرته في "خط غرينتش". أتصور الذاكرة كطائر محلق تترك له حرية الانقاض على الفريسة المناسبة.. كيف ترى هذا التصور، أريد أن أعرف كيف تخطط للكتابة؟ وإن صدرت أعمالك بترتيب كتابتها فهل تتمنى الآن لو أنك تستطيع إعادة ترتيبها؟

الذاكرة بوجه عام ليست خطية... في علم النفس الإدراكي، هناك أدوات للقياس والتوقع في ما يخص الذاكرة، كم مرة تحتاج أن تكرر رقماً من ستة أعداد حتى تستطيع تذكره بعد ساعتين مثلاً. هذا ممكن بشكل إحصائي وبحسب نماذج ميكانيكية، لكنه يظل قاصراً على الأرقام أو البيانات البسيطة، ويعجز ببساطة عن تفسير كل ظواهر الذاكرة طويلة المدى. لا أستطيع تذكّر رقم هاتفي النقال الآن مع أنني امتلكه منذ ستة أعوام، ومع هذا ولسبب غامض، ما زلت أتذكر رقم صديق لي من الطفولة، آخر مرة هاتفته على هذا الرقم كانت من خمسة وعشرين عاماً. ومن باب الصدفة، أو ربما العكس تماماً، هذا الهاتف هو نفسه هاتف الجيران في الرواية، أبو نبيل وأم نبيل، الهاتف الوحيد في الشارع. هذه العلاقة خطرت لي تواً.

الأمر لا يتعلق بالتكرار طبعاً ولا بالخطية، ولا بالضرورة ولا بالأهمية، كلنا مررنا بهذه الخبرة، أن نتذكر حدثاً هامشياً من الطفولة بتفاصيل دقيقة، فيما نعجز عن تذكر شيء حدث قبل ساعة. فرويد قدم المحاولة الأجرأ لتفسير الطبيعة الغامضة للذاكرة، ووصل لأفكار عن آليات كالكبت، وهي آلية لمسح ذكريات بعينها أو تشويهها أو تحويلها أو إسقاطها أو تنفيسها في صور أخرى، منها الإبداع مثلاً، وكذلك آليات أخرى أعنف تنتج ذكريات مزيفة لوقائع لم تحدث. والتقط الشعراء السرياليون تلك الأفكار من التحليل النفسي في مطلع القرن العشرين، ومارسوا الكتابة الميكانيكية/الآلية أو التداعي الحر، لتفريغ العقل الباطن، وكانت هناك إشارات كثيرة في هذه الممارسة للذاكرة المنسية التي تتم استعادتها، أو الذاكرة المزيفة حين تُفضح أو تُنقح. وطبعاً الكتابة الآلية لم تستمر طويلاً، لحسن الظن، لكن فكرتها تظل مُلهِمة عن علاقة الكتابة بالذاكرة، وعن الطبيعة الانتقائية والغامضة للاثنتين. ولذلك أعتقد أن صورة الطائر المحلق، صورة موحية جداً، لا نعرف لماذا يقرر الطائر اصطياد فريسة دون غيرها، هل هي مسألة غريزية أم الصدفة؟ لو أمكن الرجوع بالزمن، كنت سأترك الترتيب كما هو، أعتقد أن هذه البنية غير الخطية وغير التتابعية، والتي لم أخطط لها في الحقيقة، مثيرة أكثر، بالنسبة إليّ، قبل القراء. في الوقت نفسه، "طرق الرب" بشكل خطي تأتي أولاً، لأنها تخبرنا بما هو قبل الطفولة، عن أجيال سابقة لشريف، ومصائرها تحكم مصيره اللاحق. من ناحية أخرى، قصدت أن تكون كل رواية من الثلاثة عن مذبحة، والترتيب التاريخي للمذابح الثلاث يأتي خطياً، وكل واحدة فيها مرتبطة بالأخرى. مذبحة الرواية الأخيرة ليست مباشرة، هي مذبحة حقيقية تاريخياً، تشير ضمناً لمذبحة أخرى حقيقية أيضاً. في النهاية، يمكننا القول بأن التفسيرات الخطية للشخصية، أو التطورية التي تحكم علم النفس والسرد الكلاسيكي، تبدو اختزالية أكثر من اللازم، تعيش طفولتنا معنا في أعمار لاحقة، والعكس أيضاً، أو ربما ندركها بشكل أوضح لاحقاً.

- قلت أيضا أنه من الصادم بل والمخزي، أن الأدبيات عن الأقباط أو بواسطتهم، شحيحة جداً، وأنك وجدت نفسك مدفوعاً لكتابة نص يقدم صورة غير نمطية بالضرورة عن نماذج مختلفة من الأقباط في الأجيال المختلفة، كتدريب شخصي أيضاً، عما يعنيه أن تكون قبطياً. في النظر إلى استمرارك في المسعى نفسه عبر العملين التاليين لـ"طرق الرب"، هل نستطيع القول إنك اخترت هذا الطريق لمشروعك الأدبي.. بشكل أوضح هل ستستمر في تقديم النموذج نفسه في أعمالك المقبلة؟

لا أعرف الحقيقة، أحب ما كان يفعله فيليب روث، في رواياته، الشخص نفسه يظهر مرة بعد مرة، يهودي نيويوركي في حالته طبعاً. بالنسبة إلي، لا أتعمد موضوعاً قبطياً، لكني أكتب من موقعي في العالم، قبطي، ابن طبقة وسطى، مهاجر... ومهما تظاهرتُ بقراءة العالم من موقع آخر وبأصوات أخرى، سيبقى هذا الموقع، بكل ما يعنيه من خبرات وذكريات ونصوص وتواريخ فردية وجماعية، يفرض نفسه، ولو بشكل غير واعٍ أو غير مباشر.

- كان هناك "استحسان" من الكنيسة ومن الأقباط المحافظين لما تكتبه بعد الرواية الأولى.. هل ما زال هذا الاستحسان قائماً؟

لم يكن استحساناً عاماً، أعتقد أن قساً أو اثنين استشهدوا بالرواية الأولى بشكل عابر. لاحقاً قرأت مقالاً يصف "طرق الرب" بأنها رواية أغضبت الكنيسة، ولا أعتقد هذا حكماً عاماً، ولا أظن أن الكثير من الأقباط اطلعوا على الرواية. في "تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة"، يدور فصل كامل داخل الكنيسة الإنجيلية في عين شمس، وهي كنيسة حقيقية وموقعها موصوف بدقة في الرواية، لكن وصفها الداخلي وكل ما يحدث داخلها مختلَق تماماً، تواصل معي قس إنجيلي وأخبرني أنه متطلع لقراءة الرواية وبخاصة هذا الفصل، وأتمنى ألا يكون فيه ما يزعج أحداً. غير هذا، لم تصلني أي ردود أفعال كنسية أو من قراء أقباط. والحقيقة أيضاً، الرواية بالكاد كُتب عنها أي شيء، ربما سيحتاج الأمر بعض الوقت.

- في "تاريخ موجز" تبدو الكتابة عن الكتاب المقدس وترجماته كأنها نواة لشيء آخر، من أين جاءت فكرة الربط بينها وبين الحكاية الأصلية للرواية؟ هل كان ذلك مخططاً قبل الكتابة أم خلالها؟ وهل كان العنوان نتاجاً لهذا الدمج أم كان سابقاً للكتابة من الأساس؟

نورثرب فراي، في كتابه الأهم "المدونة الكبرى"، يدعي أن الكتاب المقدس هو أصل كل أدب بمعناه الحديث كما نفهمه اليوم. وطبعاً، على ما في هذه النظرية من مركزية أوروبية ضيقة الأفق، لكنها تنطبق بشكل جزئي على الرواية، والتي تستلهم أو تعيد كتابة قصة هاجر وإسماعيل التوراتية، الأم الهاربة أو التائهة في الصحراء مع ابنها، لذلك الإشارة إلى لغة الكتاب المقدس ليست عرضية وليست بعيدة من خط القصة هذا. تطرح الرواية عبر فصولها تاريخاً للغة، بطريقة ترقيعية، وسط السرد، وهذه النموذج الترقيعي هو ما يصفه فراي في وصفه للكتاب المقدس بالخليط وتداخل لأجناس وأساليب وموضوعات وقوالب أدبية، أو ما سيطلق عليه آخرون بتعريفات مختلفة: التأليف البوليفيني. تسعى الرواية من بين أشياء أخرى كثيرة لاستكشاف علاقة الأقباط بالعالم، لا بمشروع الدولة الوطنية فقط، لكن أيضاً بالمشروع التوسعي الغربي، ممثلاً في أحد وجوهه في الإرساليات البروتستانتية، المدارس ودور رعاية الأيتام والمطابع والكليات، وأهم ما تركه هذا المشروع وراءه، وهو الكنائس التي تمصّرت بالكامل، وترجمة فان دايك للكتاب المقدس، التي رسمت المخيلة اللغوية لمعظم الأقباط في القرن الماضي. هذه الترجمة تقف وراءها فلسفة كاملة في فهم اللغة، وسحريتها، ودورها في تشكيل الحدود الاجتماعية لأقلية داخل الوسط اللغوي للجماعة الوطنية، هذا جزء مما تحاول الرواية استكشافه سواء في مضمونها، أو باللغة المكتوبة بها، وهي لغة ترقيعية أيضاً بالمعنى نفسه، تخلط الفصيح بالعامي، القاهري بالصعيدي المزيف، بفصحى الكتاب المقدس وعجمتها المتعمدة. وبالفعل كما تقول، عنوان الرواية تركيز لهذه الفكرة، سردان، واحد عن تاريخ اللغة بوصفها أصل الخليقة، أي كن فيكون، والثاني للمكان وهو شرق القاهرة وما يجري فيه.

- كنت موفقاً جداً في كثير من المواضع التي تصف فيها تفكير الطفل في مواقف شديدة الحميمية والخطورة، لكن يعيب البعض على الوعى الزائد للطفل/الراوي في كثير من المواضع الأخرى.

السارد في الرواية لا يفترض به أن يكون طفلاً، بالتأكيد لا يوجد طفل سيتكلم عن اللغة بمصطلحات ما بعد بنيوية. ببساطة السارد بالغ يتكلم عن طفولته، يقدم تفسيراته وتصوراته وذاكرته ربما المزيفة أو المضاف إليها عن أحداث الماضي. وهذا ما يفسر التفاوت في وعي السارد خلال السرد.

- يعارض العمل الرواية الرسمية التي لا تركز على مسألة الطائفية في أحداث الأمن المركزي، بل ينتقد العمل هذه الرواية أيضاً، هل تقدم الرواية كبديل للتاريخ؟ هل تصلح الرواية لهذا الدور؟

الملحمة هي الأصل الذي تفرعت منها ثلاثة مسارات لاحقة، الأسطورة الدينية، والأدب، وآخرها التاريخ. الحقيقة التاريخ النظامي المدوّن، كما نفهمه اليوم، هو مهنة حديثة جداً، وفي أوطاننا لا يتعدى القرن ونصف القرن مثلاً. أما التاريخ السابق على الحداثة، فكان فرعاً من فروع الأدب بشكل ضمني، حتى في الجامعات اليوم تضم أقسام الإنسانيات، الأدب والتاريخ معاً، بسب هذه العلاقة القديمة. كانت هناك طبعاً محاولات حثيثة من قبل المؤرخين لتأكيد الموضوعية والحياد وخلافه، قبل أن تعود تيارات واسعة في التأريخ المعاصر، لاستلهام الأساليب الأدبية في تدوين التاريخ، وهناك مدارس تاريخية كاملة اليوم قائمة على مفهوم "السرد" وتفكيكه و"السرد المضاد"، أقصد أن التاريخ هو الذي يستلهم الأدب في الحقيقة، وليس العكس، أو هو فرع من فروعه بمعنى آخر. أما "تاريخ موجز للخليقة وشرق القاهرة" فهي تاريخ مختلق بالكامل كما تقول في البداية، لكن حقيقي أيضاً بالكامل!

- هناك خلاف حول موضوع الرواية الرئيسي، هل هي عن أزمة جيل الثمانينات، عن أحداث العنف الطائفي، العنف الزوجي؟.. اجتماعية أم سياسية؟.. إلخ هل تشغلك هذه التصنيفات؟ هل يهمك أن يناقش/يعالج العمل الروائي قضية بعينها؟

كتب لي أحد القراء ليخبرني بأنه فهم الموضوع المخفي للرواية، وهو المثلية، وكان هذا مفاجئاً جداً لي، لكنه قدم لي تفسيراً مقنعاً تماماً ومدهشاً، فهناك علاقة غامضة وعصية على الفهم بين الأب والأخ عزيز، وهناك نوع من الشبق في وصف الطفل لعم رجائي، ونفور واضح من جسد الأم الأنثوي. وحين راجعتُ هذه الخطوط وجدته محقاً. أعتقد أن كل الثيمات التي طرحتها صحيحة جداً وجائزة، وأكثر منها، وأعتقد أن ثراء أي عمل أدبي يمكن قياسه بمدى تعدد معانيه وثيماته وقراءاته وتشعّبها. 

- بعد ثلاثة أعمال، لا تبدو مهتماً بتقديم نفسك كروائي! المتابع لحساباتك في مواقع التواصل مثلاً سيجد جدلاً لا ينتهى حول كل شيء تقريباً، لكن لن يجد شادي مروجاً لنفسه كروائي أو يستخدم حساباته لتوسيع قاعدة قرائه، إلا نادراً، بل على العكس لا تمانع من الاشتباك الذي يؤدي بالضرورة إلى خسارة بعض القراء! يهمني أن أعرف رؤيتك لهذه المسألة.

أنا لا أعرف من الذي يستحق لقب "روائي"، أقصد بعد كم رواية، أي شخص يمتلك 300 دولار مثلاً يستطيع أن ينشر رواية. أكتب الأدب كهواية، كما أحب صيد الأسماك والمشي، ولا أقدم نفسي كصياد أو مشّاء. روائي لقب براق، وهو مُغرٍ طبعاً، لكنه قد يكون مفرغاً من المعنى من ناحية أخرى. أتعامل مع الفايسبوك كحيز شخصي، ولا أعني الشخصي كمقابل للعام، بل كمقابل للمهني. أعوض العيش في المهجر بالتواصل مع أصدقاء افتراضيين، وبالجدل وبالسخرية معهم، ولا أريد أن أفسد هذا بتحويله إلى منصة مهنية أو للتسويق، أشارك أخباراً عن رواياتي وتعليقات عليها بالطبع، لكن من باب الاحتفاء والامتنان الشخصي.

- خضت معارك ضارية في فايسبوك مؤخراً حول الجوائز الأدبية، هل استطعت بعد هذا كله أن تكوّن وجهة نظر واضحة حولها؟

لدي موقف واحد من الجوائز من البداية، ادّعي أنه لم يتغير، وافترض أنه واضح أيضاً، وإن كان مركباً بعض الشيء بالنسبة للبعض، ربما، ولا يحظى بشعبية كبيرة في الوسط الأدبي. الجوائز بلا شك لها فوائد عديدة، ولا أعترض عليها في المطلق. ولست معنياً إن كانت الجوائز تساهم في ازدهار الحقل الأدبي أو العكس، ليس هذا ما يعنيني هنا. لكن لدي موقفاً أخلاقياً منها، وما أعنيه بالأخلاقي هنا هو السياسي، فكل ما هو أخلاقي بالنسبة إلي هو سياسي. وهذا الموقف ليس مؤسساً على كون الكتابة مهنة سامية أو نبيلة ولا أياً من هذا، بل هو مؤسس على حقيقة أنه على كل واحد منا، كفرد أولاً، وكمواطن ثانياً، وكعضو في جماعة اجتماعية أو مهنية، أن يكون مسؤولاً أخلاقياً. وفي منطقتنا تحديداً، لا نمتلك رفاهية أن نتجاهل السياسة أو نغمض عيوننا عنها، أو نفصل بين الجمالي والأخلاقي. وموقفي هذا ليس تطهرياً بأي شكل من الأشكال، في معظمه يستدعي الحد الأدنى من اللياقة، هناك أسئلة يجب طرحها، مَن يمنح الجائزة؟ وباسم مَن؟ ولماذا؟ يعني هل نقبل جائزة باسم ديكتاتور مثلاً؟ أو من أرباح تجارة السلاح أو الرقيق الأبيض؟ أو من نظام يخطف الكتّاب أو يعذبهم حتى الموت؟ أو متورط في إبادة جماعية؟ أتفهم أن هذه أسئلة نسبية والإجابة عليها ليست بالبساطة التي تبدو عليها. لكن معظم ما سمعته أثناء "المعارك الضارية" التي ذكرتها، لم يتعرض لنسبية الأسئلة وصعوبة إجابتها، بل ببساطة جاءت الإجابة: نحن نقبل كل الجوائز ومن أي كان، أو تمت شخصنة الموضوع ببساطة، وقيل أنت أيضاً ملوث فلا داعي لادعاء الشرف، كلنا نخطئ، كلنا مجرم. أما السؤال الأصلي، فلم يتصدّ له أحد، هل هناك معايير أخلاقية لتلقي الجوائز؟ وإن كانت الإجابة نعم، فما هي؟ ولا كلمة واحدة قيلت في الأمر.

كما قلت منذ قليل، لا أعتبر كتابة الروايات سوى هواية، وليست لدي طموحات مهنية بخصوص الأدب، وغير ذلك تستهويني إثارة الجدل والقلاقل والزوابع الصغيرة بروح ساخرة في معظم الوقت، ولا أمانع أن يرشح الناشر إحدى رواياتي لجائزة بعينها (أهاجمها طول الوقت)، بدافع الفضول، وربما على أمل شبه مستحيل للفوز بها حتى أرفضها علناً، لست أكثر وقاراً من صنع الله إبراهيم مثلاً، وهو فعل شيئاً مشابهاً، وأجد ما فعله مثيراً للإعجاب وملهماً، أي تحويل طقوس الرعاية والاعتراف التي تفرضها مراسم الجوائز إلى إعلان تمرد وإدانة. لكن لسوء الحظ، نيتي تلك خرجت للعلن لأسباب تعرفها، بالطبع الناشرون لن يقدموا على أي من الجوائز باسمي بعد اليوم، ولا ألومهم طبعاً، ولا يهمني في الأمر سوى خسارة بعض الإثارة الموسمية.

- ما الجديد لديك؟

لدي مشاريع عديدة، بعضها شبه منتهٍ وبعضها مازال في بدايته، لكن لدي انشغالات مهنية وشخصية ربما ستصرفني عن تلك المشاريع لفترة ليست بالقصيرة، ربما أنشر فصلاً من عمل بعنوان "موهن يذهب إلى جنة الفردوس" قريباً، وهذا كل شيء حالياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها