الأحد 2021/06/13

آخر تحديث: 08:57 (بيروت)

العراق على النهج الفارسي:من يدعو لاغتيال أبي جعفر المنصور؟

الأحد 2021/06/13
العراق على النهج الفارسي:من يدعو لاغتيال أبي جعفر المنصور؟
تمثال المنصور
increase حجم الخط decrease
أشعلت دعوات، تطالب بهدم تمثال الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور (ثاني خلفاء الدولة العباسية ومؤسس بغداد) الجدل في العراق. وبرزت الدعوات التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، باسم جماعات تزعم أنها شيعية وتريد إزالة التمثال لأسباب تاريخية تتعلق بروايات موروثة. وهذه هي المرة الثانية التي يثير فيها تمثال المنصور جدلا في العراق، ففي عام 2005 نسف مسلحون تمثال المنصور بعد وضع عبوات ناسفة تحته، قبل أن يعاد نصبه من جديد. وأكد مؤيدون للدعوة من شيعة العراق "أن المنصور هو من قتل الإمام جعفر الصادق من ذرية الحسين بن علي بن أبي طالب". وكأن شبح التاريخ يفتك بالحاضر، ويزيد الطين بلة تلك المجموعات التي تسعى الى تطييف كل شيء...

 

وكتب الباحث في تاريخ الأديان عباس شمس الدين قائلا إن "بني العباس سجنوا وعذبوا كل من: الامام أبي حنيفة النعمان حتى مات، الإمام مالك بن أنس، الإمام الشافعي ثلاث مرات، الامام أحمد بن حنبل". وكتب الناشط السياسي عماد مسافر عبر حسابه على تويتر "يجب أن تزال أصنام قتلة آل البيت عليهم السلام من بغداد لأن وجود هذا الصنم استفزاز لمشاعر الأغلبية التي تسكن بغداد".

وصدرت بيانات غاضبة من البغاددة  تدعو الى مجابهة دعوات تدمير التمثال وتطالب الدولة بحماية تراث المدينة الثقافي...



المسخ الثقافي

وكتب الشاعر العراقي باسم المرعبي "الدعوة إلى هدم وإزالة تمثال المنصور ـ الذي سبق وأن استُهدف بتفجير عام 2005 ـ تبيّن مدى عمق المسخ الثقافي الذي لعبته طوال قرون كتب التشّيع الصفوي في العقل الجمعي (الشيعي) العراقي، رغم أن العراق هو موطن التشيّع، بدءاً. كان من أولويات التشيع الأسود ـ بتسمية المفكر علي شريعتي ـ هو شيطنة الخليفة عمر بن الخطاب. وبقليل من التأمل يتضح أن هذا العداء يمثل طفحاً لمضمرات الروح الفارسية التي ترى في عمر هادماً ومُبيداً لإمبراطوريتها. وكأن لا عزاء في دخولهم الإسلام، فالقومية تعلو على الدين لديهم. لقد تمّ تلفيق واختراع عشرات الروايات بحق عمر، دون أدنى مراعاة لدين أو أخلاق فهي تتعرض له في خصوصياته وتطعن حتى في أصله.  

ومن الطينة ذاتها تنبت حكاية قتل المنصور للإمام جعفر الصادق: 702ـ765 م وهو ما لم يقل به أي مصدر تاريخي، وفي غياب الدليل عمد المفبركون إلى اختراع حكاية التسميم، لغموضها وصعوبة الإثبات أو النفي فيها.

فضلاً عن الجانب السياسي في موضوع كهذا فإنه يمثل، في حقيقته، صراعاً حضارياً، وفي عمقه، صراع وجود. أما الأدوات الوضيعة من العراقيين السائرين في جعل هذا المشروع قيد التنفيذ فهم من السوقة، الجهلة الذين لا صلة عضوية تربطهم بالمدينة وروحها، فضلاً عن امتلاكهم حواساً صمّاء، حيال كل ما هو جمالي، فني. وهم، بالضرورة، طارئون عليها، أي المدينة، وعلى كل ما هو مدني.

فقه الدين وفقه السياسة

ونشر الكاتب جعفر المظهر تعليقا طويلا يقول فيه "صلاح الدين الأيوبي قضى على الدولة الفاطمية في مصر، لكنه مع ذلك أبقى على اسم القاهرة، وما زال المصريون يعتزون بإسم عاصمتهم بإعتبارها قاهرة المعز نسبة إلى بانيها الخليفة الفاطمي.

وللتاريخ أيضا فإن جامعة الأزهر يعود تشييدها أيضا إلى نفس الخليفة، أي المعز الفاطمي، وقد خصصت في بادئ الأمر لتعليم ونشر المذهب الشيعي، وقد أبقى صلاح الدين الأيوبي على الإسم نفسه الذي ظل على حاله حتى الوقت الحاضر.

بغداد لم تبنِ ضريحا لمؤسسها (أبو جعفر المنصور) بل اكتفت بنصب لرأسه فقط. في المقابل أبقت بغداد، التي حكمتها أنظمة أغلب رجالها من السنة، على ضريح الإمام موسى الكاظم وأسمت المنطقة الكبيرة التي تحيط بالضريح بإسمه (الكاظمية) التي صارت اليوم من أكبر مناطق بغداد.

الإمام أبو حنيفة النعمان، الذي يتبعه أغلب سنة العراق مات في سجن أبي جعفر المنصور، لكن سنة العراق التابعين فقهياً لإمامهم بنوا ضريحاً لإمامهم وسموا حياً بغدادياً كبيراً بإسمه، ومع ذلك، فهم لم يدخلوا في خصومة تاريخية سياسية مع المنصور، لأنهم عرفوا كيف يميزون بين فقه الدين وفقه السياسة.

أهل سامراء الذين ظلوا حراساً تاريخيين لضريحي الإمامين العسكري والهادي لم يظهر منهم، وهم سنة على فقه أبي حنيفة، من دعا إلى نقل رفات الإمامين إلى منطقة شيعية، بل ظلوا حراساً للضريحين وكرماء مع زواره.

شواهد الدولة العباسية من معاهد دراسية (جامعة المستنصرية) إلى بوابات بغداد إلى قبور لشخصيات عديدة منها ما زالت منتشرة على طول مساحة بغداد الأصلية، فهل صار متوقعاً أن يجري تغيير إسم الجامعة أو يجري نبش القبور وهدم الأسوار وتغيير بوابات بغداد.

ثم إذا حسبنا أن إزالة رأس المنصور قد تمت لأسباب ثأرية، فهل يعني ذلك أن علينا أن نتوقع في وقت آخر تغيير اسم بغداد نفسها التي بناها المنصور إلى إسم من أسماء أئمة الشيعة.

إن التاريخ الذي يكتب بقلم واحد وبلون واحد وبعقل واحد هو تاريخ لا يستحق القراءة.

كذلك فإن بلدا بتاريخ كهذا سيصعب عليه البقاء.

***

شكرا للأخوين اللذين نبّهاني إلى أن صلاح الدين الأيوبي كان قد أغلق جامعة الأزهر لمدة مائة عام لكونها كانت تدرس المذهب الشيعي، وما أريد التنبيه إليه هنا هو أن هدف هذا المطبوع ليس ذكر محاسن الأيوبي على حساب غيره، أو تجاوز حقيقة الأحداث ذات الطبيعة المذهبية والطائفية التي رافقت سياسته الداخلية، غير أن من الحق الإنتباه إلى أن تلك الممارسات لم تكن بعيدة عن واقع الصراعات الدينية والمذهبية التي طبعت تلك المرحلة التاريخية على صعيد العالم برمته. ويوم يشار إلى هذه المآخذ السلبية المتعلقة بالنهج الأيوبي فعلينا أن لا ننسى أن الصراعات الدينية والمذهبية كانت هي التي تتحكم بسياقات الصراع آنذاك، وأن المرحلة الحالية قد أنهت تلك الحقبة المظلمة وسمحت للتيارات المتحضرة أن تتسيد المشهد الإنساني، وكان مؤملا لمنطقتنا العربية بعد إنهيار الدولة العثمانية أن تسير على النهج ذاته، غير أن الحركات الدينية والمذهبية عادت من جديد لتتسيد المشهد السياسي والإجتماعي ولتكسر من جديد حلقة التطور ضمن مجتمعاتنا ودولنا.

 وحتى لو أوصِينا بضرورة البحث عن الأسباب الذاتية التي أدت إلى تلك النكسة، بعيدا عن نظرية المؤامرة، إلا أن ذلك يجب أن لا ينسينا أن مآلات الأوضاع قد صبت في النهاية بمصلحة الأطماع الأجنبية في المنطقة، والتي تتقدمها مصلحة إسرائيل بشكل أساسي، قبل أن تلتحق بها دول أخرى مثل إيران الخميني وبعد ذلك تركيا أردوغان بما أعاد إلى أذهاننا وعلى الأرض أيضا مشاهد الصراع بين الدولتين التركية والإيرانية على حساب مصالحنا الوطنية وأمن منطقتنا العربية.

وحتى لو أننا أعدنا إلى الأذهان حقيقة موقف الأيوبي من جامعة الأزهر، فالسبب كان واضحاً وهو إرتباط الجامعة بطبيعة الصراع القائم آنذاك، وكونها كانت قد أقيمت لتدريس المذهب الشيعي، ولم يكن متوقعا بالتالي أن يبقي الأيوبي على صرح كان قد انتصر على مذهبه.

لكن قصة أبو جعفر المنصور، هي لا شك تختلف عن جميع تلك القصص السالفة لأن صاحب  التمثال هو مؤسس المدينة التي ينتصب فيها تمثاله، ولا بد بالتالي أن تبدأ قراءته من خلال هذه المعطية التاريخية الفذّة، دون أن تحمل الدعوة إلى إحترام ذلك أية دعوة مرافقة لنسيان مشاهد صراعات الرجل مع معاصريه وفي مقدمتهم الإمام موسى الكاظم، وعلى أن يجري البحث فيها بصورة مهنية أكاديمية صرفة، لا تأكل من هذا لحساب ذاك. وحتى أن الإنحياز الفكري أو المذهبي لهذا دون ذاك فهو لن يكون مدعاة لنسيان طبيعة الإنجازات التي حققها الآخر.

إن الطامة هنا تتأكد من خلال حقيقة أن مشروع الإزالة، هي محاولة أكيدة لإعادة قراءة تاريخ العراق على أساس مذهبي، وإعادة تكوين العراق الدولة والوطن على هذا الأساس. وفي بلد ترتفع في مداخل أزقته وشوارعه وفي الوسط من ساحاته صور لرجال دين وسياسة إيرانيين، فإن إزالة التمثال، لا يأتي منعزلا عن نهج التفريس، الذي يدخل إلى عراقنا على حمار لعين اسمه الطائفية، مع إعتذاري للحمار الحيوان الذي لا يستحق اللعنة إلا حينما يتسيد على بني الإنسان، ويحاول أن يدوس على بلد تاريخي عظيم اسمه العراق، ثم يلقي بفضلاته على أرضه دون أي إعتبار لقدسية المكان.

ويهمني للمرة الألف أن أؤكد أن مشروع طيفنة العراق وفرسنته يؤذي بشكل خاص شيعة العراق قبل سنته، لأنه يجعلهم موضوعة التخلف الرئيسة، ولسنا بحاجة إلى توصيف حالة الإمتهان التي تشترط تحويل الشيعي العراقي إلى إنسان جاهل متخلف مُسْتغل وجائع كشرط لبقاء ساسة الشيعة الطائفيين وتسيدهم وضمانة لإستمرار أحزابهم التي لا تمتلك قدرة الإستمرار إلا من خلال بقاء النفخ في الطائفية المقيتة، وأعود إلى التأكيد مرة أخرى على تلك المقولة التي كنت قد كتبتها قبل أكثر من خمسة عشر سنة وهي التي تقول أن الشيعي العراقي يجب أن ينتصر بالسني العراقي وليس على السني العراقي, وينطبق هذا القول على جميع الثنائيات الأخرى, دينية كانت أم قومية. ومعنى ذلك أن الشيعي العراقي سينتصر فعلا وسيضمن مستقبله الإنساني المتحضر في عراق وطني لا طائفية ولا أحزاب دينية فيه.


وغرّد آزاد اسكندر قائلاً: تمثال أبو جعفر المنصور هذا شغل خالد الرحال أحد أعمدة الفن العراقي الحديث، هذا التمثال كنز لا يعوض. الشعوب تحافظ بماء العين على تراثها وتاريخ مدنها. بينما أعداء بغداد من السرسرية والمنحطين يدعون إلى تفجير الفن والتراث والتاريخ! العالم يتلقف أعمال رواد الفن العراقي ويقيمها بالإعجاب والاهتمام والمال، ونحن نعيش في ظلمات الطائفية وضيمها.

 وكتبت صفحة IRaQi Mix: عندما وقعت فاجعة مستشفى الخطيب وانشغل الناس بها، بعدها بيوم ظهر تريند (عگال أياد راضي) مما جعل الناس يتركون القضية المهمة (الحريق) ويركزون على موضوع غير مهم وهذا هو المطلوب من الجهات التي تنفذ هذه الأفكار

في كل مرة يتم فيها التركيز حول الفشل الحكومي أو كارثة معينة تأتي تريندات مثل العگال وهدم تمثال المنصور هدفها صرف أنظار الناس عن الواقع المؤلم والتوجه إلى أمور تفرق الشعب وتسبب نزاعات نحن في غنى عنها حاليًا.

تمثال المنصور مجرد حجر لا فائدة أو ضرر منه، هدمه لن يحل لك مشاكلك التي تعاني منها منذ عشرات السنين، لو كنت فعلاً تحب النبي وآل بيته صلوات الله وسلامه عليهم يجب عليك أن تكون مناصرًا للحق عدوًا للباطل.. لا تتملق لكل سياسي تراه، نزيهًا وشريفًا في كل مجالات الحياة، والكلام يطول..

لا تجعل تلك الجهات تحقق أهدافها وتُدِخلك في صراعات مع أبناء شعبك، هناك أشياء أساسية واجب علينا التصرف بها وبعدها ننظر للثانويات.

 

وغردت صفحة IraQi-Leaks ساخرة: العثرة الوحيدة التي منعت الاحزاب الشيعية التي تلطم وتحزن وتوزع لفات گص في المآتم ومراسيم عزاء الكاظم، هو تمثال ابو جعفر المنصور.

لو ازيل، لرأينا الجسور وناطحات السحاب والشوارع المعبدة. واحدث المدارس والجامعات وارقى المطارات ومحطات المترو. اضافة الى الخدمات والنظافة وكهرباء على مدار اليوم.

لولا تمثال ابو جعفر المنصور، مدمّر بغداد، لجعل احفاد الكاظم بغداد، عاصمة العالم.

***

 

(*) أبو جعفر المنصور هو المؤسس الحقيقي لدولة العباسيين، وقد تنازل عن الخلافة أول الأمر لأخيه (أبي عبد الله السفاح). وهو يضاهي عبد الملك بن مروان في دولة الأمويين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها