الأحد 2021/06/13

آخر تحديث: 07:34 (بيروت)

الحريريّ وباسيل: الشاطر والمشطور

الأحد 2021/06/13
الحريريّ وباسيل: الشاطر والمشطور
يتحرّك كلّ من سعد الحريريّ وجبران باسيل ضمن مشهديّة مثيرة للشفقة.
increase حجم الخط decrease
يتحرّك كلّ من سعد الحريريّ وجبران باسيل ضمن مشهديّة مثيرة للشفقة. فالأوّل تبخّرت آماله في القفز من بيت الوسط إلى السراي الكبير. وهو مصاب بمتلازمة طائرته الخاصّة التي يستطيع أن يتكوّم فيها ويتوارى عن الأنظار، فيما الناس ترتاد الطوابير للحصول على حفنة من المحروقات. أمّا الثاني، فلم يستوعب بعد أنّ ثورة 17 تشرين، والعقوبات الأميركيّة طبعاً، قضت على مستقبله السياسيّ بوصفه من سيمتطي بساط الريح لكي يحطّ به على كرسيّ الرئاسة في بعبدا. ويبدو أنّه لم يفقه بعد أنّ العونيّة السياسيّة في طريقها إلى الاندثار على الرغم من أنّ بعض المنتمين إلى قيادة التيار الحرّ ما زال يتردّد في الانتفاض، وعلى الرغم من أنّ الرئيس ميشال عون ما زال على قيد الحياة... ولكن إلى حين. ففي نهاية المطاف لا بدّ من الموت الذي يهزمنا جميعاً. 


لا ريب في أنّ بنية سعد الحريريّ السيكولوجيّة تختلف اختلافاً عظيماً عن البنية السيكولوجيّة التي للسيّد جبران باسيل. فالأوّل مهادن والثاني «طحّيش». والأوّل يحبّ التسويات ويستكره السير في دروب لا تطمئنّ لها قدماه، والثاني تعلّم من عمّه، الضابط القديم، الرقص الأكروباتيّ على حافّة الهاوية. ولكنّ الحريريّ والباسيل يبدوان اليوم أشبه بالشاطر والمشطور. فكلاهما يبني على إرث «كبير» من عائلته، سواء كان الوالد أو العمّ. وكلاهما يستقوي بحزب الله الذي يصمت في العلن ويقهقه في السرّ. وكلاهما يتحرّك على إيقاع الحسابات الإقليميّة. وكلاهما لم يقرأ بعد، ولن يقرأ، علامات الأزمنة التي تشير إلى تحوّلات عميقة في قعر المشهد المجتمعيّ والسياسيّ في لبنان بعد 17 تشرين وانفجار المرفأ. وكلاهما يغلّب الحسابات الانتخابيّة الرخيصة فيما البلد يتهاوى. وكلاهما يتلهّى بالكلامولوجيا التي لم تعد تسلّي أحداً. وكلاهما عاد ليس له من ملاذ في ضياعه ويأسه سوى اللجوء إلى شدّ عصب القبيلة التي يخيّل له أنّه ما زال يتزعّمها.

ولكن ربّما يكون القاسم المشترك الأبرز بين الشاطر والمشطور هو إصابتهما بمتلازمة اسمها الانتظار والتفرّج. فكلاهما يتفرّج ويتفرّج ويمعن في التفرّج. يتفرّج فيما يراهن على الأميركيّين والفرنسيّين والسعوديّين تارةً، وعلى الإيرانيّين وحزب الله طوراً. ويتفرّج فيما هو يتفرّج على نبيه برّي وحاكم المصرف ومحتكري حبوب الأسبيرين وذلًّ الناس في متاهات الذلّ. ويتفرّج فيما هو يقبع في صندوقه الصغير وينتظر تغيّراً في نشرة الطقس لن يحصل. فالسماء رماديّة والثلج على الأبواب.

كيف السبيل إلى قراءة دلالات الرقعة الغرائبيّة المشتركة بين الشاطر والمشطور، التي اسمها الانتظار، واسمها التفرّج على وطن يتفكّك ومجتمع يتحلّل؟ لا سبيل إلى فكّ لغز هذه الظاهرة إلاّ عبر وضعها في سياق البنية السيكولوجيّة المتقلقلة التي تقرأ الانتظار بوصفه بطولةً وتراهن على التفرّج بوصفه حلاًّ. شيء من هذا نقرأه في المشهد الأخير من رائعة بلزاك «أوجيني غرانديه». يطلب المسيو غرانديه من ابنته أوجيني أن تفرد أمامه كلّ الذهب الذي كان يمتلكه، ثمّ ينصرف إلى الحملقة فيه بنهم فيما هو ينتظر الموت. هكذا يتحوّل التفرّج إلى استعارة كبرى، استعارة للجشع واستعارة للتجمّد واستعارة للموت. ولكنّه، في حال الشاطر والمشطور، الموت الذي لا يحيل إلى تفاهة السياسيّ التافه فحسب، بل أيضاً إلى اندثار وطن بأسره.

لقد كتب محمود درويش ذات يوم أنّه يستحي من دمع أمّه إذا مات. هل يستحي الشاطر والمشطور من فقر الناس وبؤسهم ودموعهم التي ينسلّ منها الجوع؟ أمّا حان للشاطر أن يدرك أنّ نموذج الرأسماليّ المليونير الذي يحكم البلد بثروته وشبكة المحسوبين عليه انتهت مدّة صلاحيّته؟ أما حان للمشطور أن يفهم أنّ الناس إبّان انتفاضة 17 تشرين كانت تسبّه هو، لا أمّه، وأنّ التاريخ لن يتكرّر في ساحة النجمة؛ لا لأنّه ليس ميشال عون فحسب، بل لأنّ حزب الله، بعد 17 تشرين، لن يستطيع صرف فائض القوّة في الدفاع عن المشطور مهما بلغت شطارته.

لقد آن للشاطر والمشطور أن يذهب كلّ منهما إلى بيته، أو إلى جحيمه. فعلى رأي فيروز: «ما في لو دوا سألتو، جاوبني ما في لو دوا». إنّ السمّ المنبعث من الشاطر والمشطور لا ترياق له، والصيدليّات فارغة في أيّ حال...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها