الأربعاء 2021/05/05

آخر تحديث: 13:28 (بيروت)

نزار قباني "الإيراني".. ودم بلقيس

الأربعاء 2021/05/05
نزار قباني "الإيراني".. ودم بلقيس
increase حجم الخط decrease
رغم أن إيران تقدّس الرموز الشعرية، من الشيرازي الى عمر الخيام، ومع أن أعمال الشاعر السوري الدمشقي، نزار قباني، حاضرة بقوة في المشهد الثقافي الايراني، منذ تُرجِم للفارسية في السبعينيات من القرن الماضي، لكن ثمة أطراف إيرانية - أسدية تحاول أن تتذاكى، وتوظّف بعض قصائده لتحسين صورة السياسية الإيرانية الخمينية، وتقبيح صورة العرب والشاعر نفسه... والأمر يتعلق بفبركة معانٍ رخيصة وسخيفة مستلّة بشكل مجتزأ من نصوص لقباني، واستخدامها لأغراض سياسية بروباغندية في غير محلها، والاندفاع إلى استعمال شِعر صاحب "طوق الياسمين" مناطاً بسهولته وشيوعه وسخطه وبساطته...

والحال أننا لا ننسى المندوب الأسدي لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، حين استشهد ببيت لنزار، بعدما اجتزأه من سياقه العام ليستخدمه كـ"عكاز أدبي"(التعبير للكاتب فهد السلمان) لما يزعم أنه خذلان العرب والعروبة لنظامه. يقول نزار: دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي... أشكو العروبة أم أشكو لك العربا... ويقول فهد السلمان: "كنتُ أتمنى لو امتلك الجعفري الشجاعة، وهو الذي حاول أن يُقاتل بالأدب في ميدان السياسة، ليُتمَّ على مسامع الحضور قصيدة نزار "من مفكرة عاشق دمشقي" والتي ألقاها في مهرجان الشعر في دمشق العام 1971...". يضيف السلمان: "لا أعتقد أنه يخفى على الدكتور بشار الجعفري أن لا أحد سقى فلسطين الأحلام الملونة وخطب الوعيد والتهديد، وباع واشترى بقضيتها تحت عنوان المقاومة والممانعة، مثل نظام الأسد في نسختيه الأولى والثانية".

ولم "ينتبه" الجعفري إلى أن نزار قباني يعرف بموقفه الرافض لنظام الأسد الذي عاقبه بالنفي (لنا عودة لاحقة لهذا الموضوع)، ولم يُسمح له بالعودة سوى ضمن تابوت، في ربيع 1998. وقد أعلنت رنا قباني رفضها المطلق لاستخدام نظام الأسد، فقرات من قصائد عمّها نزار، لتبرير مواقفه الدموية، وقالت إن استخدام أشعار عمّها هو محاولة لاستغلاله وروحه، وهو المعادي للطغاة. وأضافت بأن عمها مات في المنفى، لأنه لم يستطع العيش في بلده سوريا الحبيبة التي تحولت الى ديكتاتورية دموية، ولو كان حياً اليوم لكان من الأصوات القوية للشعب السوري وثورته الشجاعة.

في المرة الثانية، وبدلاً من أن يتحول منزل نزار قباني في دمشق، إلى رمز مكاني ثقافي، اجتاحته المليشيا الإيرانية ونظّمت مهرجاناً "شعرياً" تحت عنون "شعراء المقاومة الدولي"، وقيل يومها أن المهرجان كان أشبه بحلقات "اللطم"، حيث جرى خلاله رثاء قادة المليشيات الذي لقوا مصرعهم، وعلى رأسهم قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، ومحسن فخري زاده-العالِم النووي الإيراني الذي اغتيل في طهران. ولم يخل المهرجان من توجيه المدح والتبجيل لخامنئي، وبشار الأسد، وحسن نصرالله. ونقلت وكالة "سانا" الأسدية عن مدير المهرجان، عمر جمعة، قوله: "إن إقامة هذا النشاط في منزل الشاعر قباني مهم، لا سيما أن شِعره وفكره حفلا بالدعوة إلى المقاومة والانتفاضة ضد الاحتلال"، حسب قوله.

الانتهاك الثالث تجلى في فيديو بثته قناة "العالم" الإيرانية بمناسبة ذكرى رحيل قباني، ولاقتراب "يوم القدس العالمي". وذكر الزميل راشد عيسى "ما يهمّ القناة في المناسبة ليس نزار، حياته وشعره، بل هي تستلّ شتائمه للعرب ليبدو وكأنه ناطق بالنيابة عنها. ثم يتحدث الفيديو عن "الموقف المتخاذل والانبطاح العربي، الذي ما زال منذ زمنه حتى الآن جلياً تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى". وفحوى الكلام الذي بثته قناة "العالم" منشور سابقاً في موقع قناة "المنار" التابعة لحزب الله.

بالطبع، مدَح نزار قباني، الخميني، كما مدح عبد الناصر، من بوابة الموقف من قضية فلسطين، وأيضاً من ضمن الموجة آنذاك، فالكثير من الشعراء والكتّاب كان يتوهمون أو يعولون على الخميني وثورته، من قباني إلى أدونيس، من الشيوعيين الى اليساريين. فجريدة "نضال الشعب"، المطبوعة السرّية الناطقة بلسان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري ـ المكتب السياسي (مثلاً)؛ حملت صفحتها الأولى عبارة "الثورة الإيرانية المنتصرة تضع إيران على درب الحرية والديموقراطية والتقدم"، قبل أن تتحول الثورة الخمينية كابوساً سليمانياً(نسبة الى قاسم سليماني) ويعلن كثر ندمهم وسخطهم، من ميشال فوكو الى حازم صاغية...

وحبذا لو أكملت قناة "العالم" حبها لشعر نزار قباني وتعرفت إلى تفاصيل عن مقتل زوجته بلقيس الراوي في السفارة العراقية في الرملة البيضاء بيروت في 15 كانون الاول من العام 1981، بل وتعرفت على القتلة، ربما كان للهوبرة معنى آخر.

تنتهك البروباغندا الايرانية النظامية شعر نزار قباني، لغاية أساسية هي شتم العرب، والتالي الحط من نزار قباني، وهذا السلوك في خلفياته امتداد لسلوك قديم، كان بغلاف قومي تجسد في الثقافة، منذ الفردوسي الى صادق هدايت، واليوم يأخذ طابعاً ثورجياً دينياً...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها