الإثنين 2021/05/31

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

هل سرقت نادين لبكي "كفرناحوم" من "الشيخة"؟

الإثنين 2021/05/31
increase حجم الخط decrease
ضمن سلسلة "متمردات"، التي تضم مجموعة أفلام تنطلق من وجهات نظر نساء، حول المجتمع والسياسة والحرب في لبنان، عرضت منصة "أفلامنا" فيلم ليلى عساف "الشيخة" (1993) الذي يتابع قصة طفلة متسولة خلال مرحلة انتقالية من تاريخ بيروت، بين نهاية الحرب الأهلية وبداية زمن السلم. 
 
الفيلم متواضع وفقير سينمائياً، كما الجزء الأكبر من الإنتاج السينمائي، في بلد لطالما افتقر إلى صناعة سينمائية حقيقية. لكن أهميته تكمن في مكان آخر، هو قلبه للأدوار الجندرية، وإضاءته على البيئات الحضرية والاجتماعية في بيروت خلال فترة مهمة من تاريخ المدينة، بالإضافة إلى انطلاقه من الهامش، للنظر إلى المجتمع، إن كان هذا الهامش إجتماعياً، طبقياً، او جندرياً. 

يتمحور الفيلم حول قصة طفلة تغادر بيت عائلتها مع أخيها، بسبب بطش الأب الذي يراهما فقط كآلات لجلب النقود، لتبدأ حياة التشرّد مع أصدقاء من بيئتها نفسها، قبل ان يتلقفهم سارق محترف لا يلبث ان يبدأ باستغلالهم هو الآخر. الحدث الحاسم في حياة الفتاة هو تعرض أخيها للاغتصاب خلال غيابها، ما يدفعها للإيقاع بالفاعل وطعنه. عند إلقاء القبض عليها تتحول قصتها إلى قضية رأي عام بفضل وسائل الإعلام. هنا يتدخل رجل غني يقرر إنقاذها وتبنيها، مبعداً إياها عن أجواء عائلتها والوسط الذي تنتمي إليه.    

أي شخص يشاهد "الشيخة"، سينتبه لا بد للعناصر المشتركة مع فيلم "كفرناحوم" لنادين لبكي الذي يركز على صبي يعيش ضمن عائلة تجبر أبناءها على العمل في الشارع وصناعة المخدرات في المنزل. يقرر الصبي مغادرة البيت بعد زواج أخته القاصر فيعيش حياة تشرد إلى أن تتبناه فتاة أثيوبية، تعطيه منزلاً وطعاماً، مقابل الاهتمام بطفلها الصغير. الحدث الحاسم في حياة الصبي، اكتشافه وفاة أخته القاصر بعد اغتصابها من قبل زوجها، فيقرر الإنتقام من الزوج وطعنه. تتحول قصة الصبي إلى قضية رأي عام بعد تواصله من السجن مع برنامج جو معلوف "هوا الحرية"، فتتبنى قضيته محامية مهتمة بحقوق الإنسان، تساعده على رفع دعوى على أبيه وأمه.

العناصر الرئيسية المشتركة بين الفيلمين: عائلة الشخصية الرئيسية التي تعيش حياة شبه تشرّد وخروج عن القانون، شعور الشخصية الرئيسية بالمسؤولية تجاه أخت أو أخ، قرار مغادرة المنزل بسبب تفاقم استغلال الأهل وبطشهم، تعرض الأخ/الاخت للاغتصاب الذي يدفع الشخصية الرئيسة للانتقام من المغتصب عبر طعنه، تحوّل السجن إلى فرصة للخلاص وهو ما يظهر بشكل فاقع ومريب في حالة "الشيخة"، دخول الإعلام على الخط وإيصال القضية إلى الرأي العام، وجود مخلص ينقذ الشخصية الرئيسية وهو في حالة "الشيخة" مدير المخفر في البداية، ثم لاحقاً الرجل الغني، وفي حالة "كفرناحوم" هما جو معلوف والمحامية المنتمية للمجتمع المدني.  

أما العناصر المختلفة بين الفيلمين، فهي أولاً سمات الشخصيات التي تبدو في حالة "الشيخة" متناغمة مع المجتمع الموجودة فيه، تتبني تصرفات شبيهة بالأولاد حولها وترفض إنكار عائلتها، بعكس شخصية زين في "كفرناحوم" القادم من عائلة سورية لاجئة، حيث يبدو في مواضع كثيرة خارج السياق الثقافي العام، وقد تم إسقاطه على العائلة التي يعيش معها. 

مثلاً، عند مغادرته بيت أهله يختار "زين" الإبتعاد كلياً عن مجتمعه وأقاربه، والتشرّد وحيداً إلى أن يجد الفتاة الاثيوبية التي تساعده. أيضاً لا نراه يقوم بسلوكيات خارجة عن القانون سوى مضطراً، وبدافع حماية الطفل الذي تركته الأم معه، بعد إلقاء القبض عليها. يعزز من فرادة زين أيضاً لجوؤه إلى الإعلام في الجزء الأخير من الفيلم، ورفعه دعوى على أبيه وأمه بمساعدة المحامية التي تبرعت لمساعدته. 

أما "الشيخة"، فعند مغادرتها بيت أهلها، تؤلف عصابة سرقة مع أطفال آخرين، بمساعدة سارق محترف يتولى بيع المسروقات. لا تترك فرصة للحصول على مكسب، ولا تنكر عائلتها كلياً بعد إلقاء القبض عليها في المرة الأولى ودخولها دير الراهبات، وهو ما يحصل مرة أخرى عندما يقوم الرجل الغني بتبنيها.

بلا شك، وباستثناء العناصر المشتركة في القصة، الفيلمان مختلفان بشكل كبير. أحد أسباب ذلك هو اختلاف الزمن والجمهور الذي يتوجه له كل فيلم. فقد صُنع "الشيخة" خلال فترة كان الحديث فيها عن الصراع الطبقي مهيمناً على الخطاب العام في لبنان، وحقوق المرأة كانت أكثر ارتباطاً بالقضايا المجتمعية الأخرى (بفضل الأحزاب والتيارات اليسارية)، بعكس زمننا الراهن الذي أنتج فيه "كفرناحوم" وهو زمن ينشغل فيه الإعلام بالحقوق الفردية والقضايا التي يدافع عنها المجتمع المدني (التي يراها الغرب أولوية) كقضايا اللاجئين وزواج القاصرات، وهو توجه عزز من وجهات النظر التي ترى المرأة فقط كضحية أو ناجية. 

من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل السمات الثورية عند ليلى عساف، مقابل السمات الرجعية عند نادين لبكي. فالأولى تقرر قلب الأدوار الجندرية وجعل بطلتها زعيمة عصابة مؤلفة من الذكور حصراً تسميها "جماعة الحرية"، بالاضافة لإعطائها دور الحماية والدفاع عن أخيها (الذكَر هنا يصبح الضحية عوضاً عن الأنثى). 

أما الثانية فتقوم بسجن المرأة في الصورة النمطية التي تراها إما كضحية (ضحية زواج القاصرات والاغتصاب) او كملاك مخلص (المحامية التي تأخذ دورها نادين لبكي)، علماً أن الصورة النمطية الأولى تتناغم مع نظرة الغرب للمرأة في العالم العربي، التي تراها كعنصر غير فاعل وضحية حصراً في مجتمع شرقي وذكوري (تتوجه نادين لبكي في هذا الفيلم إلى جمهور غربي بشكل أساسي وليس إلى جمهور لبناني). 

طبعاً لا تنحصر صورة الضحية في المرأة، فهي تنطبق أيضاً على الأطفال الذين كتب لهم القدر أن يولدوا في الشرق، لذلك هم ضحايا أيضاً، طالما لم يصبحوا ذكوراً ناضجين بعد. هنا يمكن فهم رغبة زين "الخلاصية" برفع دعوى على عائلته، ليس بسبب الفقر وحده، بل لأنهم أنجبوه في مجتمع ذكوري يدفع بناته للإغتصاب، ولأنه سيصبح لاحقاً رجلاً مثل الباقين، أي "الوحش" مكتمل المواصفات (يذكر هنا أن زين سعى إلى الهجرة إلى السويد أيضاً في محاولة خلاصية سابقة على دخوله السجن). 

في النهاية: هل سرقت نادين لبكي قصة "كفرناحوم" من "الشيخة"، أو على الاقل استوحت العناصر التي ذكرناها منه؟.. لا جواب مؤكداً، لكن من حقنا طرح التساؤل عن سبب وجود هذا الكم من العناصر المشتركة بين العملين.... وفي كل الأحوال، يبقى "كفرناحوم" فيلماً مختلفاً عن سائر أفلام المخرجة، وهو ما يثير التساؤلات أيضاً عن سبب هذا التحول المفاجئ في توجهاتها، من أفلام تظهر عوالم ملونة ومتخيلة في "هلأ لوين" و"كراميل"، الى عوالم "كفرناحوم" القاتمة والسوداوية؟!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها