الإثنين 2021/05/10

آخر تحديث: 12:10 (بيروت)

العراق.. حقوق المثقفين الضائعة

الإثنين 2021/05/10
increase حجم الخط decrease
غالبية المثقفين والكتّاب العراقيين من معارضي السلطات التي سبقت الاحتلال الأميركي العام 2003، استمروا في معارضة السلطات الجديدة التي انتجتها معادلة الاحتلال، والتي ما زالت قائمة حتى الآن. وقلة قليلة من هؤلاء عادت واستقرت في البلد الذي شهد تحولات كبيرة، والبعض حاول أن يعود ليساهم في بناء العراق الجديد، لكنه اكتشف أن العملية صعبة، بل مستحيلة، بعدما سيطرت قوى معينة على مقدرات العراق السياسية والاقتصادية، وصارت هي التي ترسم هامش المشاركة. وهناك كتّاب ومثقفون وفنانون عراقيون يقيمون في أوروبا والولايات المتحدة وفي بعض البلدان العربية، لا يجدون في العراق الحالي أي فرصة للمشاركة والعمل وحتى الحياة.

وتعكس الضجة التي أثارها موقف وزير الثقافة العراقي، الدكتور حسن ناظم، منذ أسابيع قليلة، من الشاعر العراقي سعدي يوسف، صورة عن حال الثقافة والمثقفين والرأي الآخر في عراق اليوم، في ظل السلطات التي أنتجتها معادلة الاحتلال الأميركي، والتي سلمت مقاليد البلد إلى القوى الدينية القريبة أو المحسوبة على إيران. وحتى لا يختلط الموقف على أحد، تجدر الإشارة إلى أن الوزير من خارج المحاصصة الطائفية، وهو أستاذ جامعي معروف. وأثار، حين تسلم هذا المنصب في حزيران/يونيو الماضي، الآمال في إمكانية إصلاح وضع وزارة الثقافة التي تعيش تهميشاً وفساداً، بعدما تداولت عليها شخصيات من خارج الحقل الثقافي، تنتمي إلى أحزاب الحكم الذي قام على المحاصصة بعد الاحتلال.

وكانت البداية حين نشر الوزير كتاباً في صفحته في فايسبوك، موجهاً إلى وزارة الخارجية يطالب فيه بضرورة الاعتناء بالشاعر سعدي يوسف لتعرضه لوعكة صحية دخل بسببها إحدى مستشفيات لندن، بداية الشهر الماضي، ليمضى قرابة اسبوعين ويتجاوز الأزمة. وللعِلم، فإن تكاليف المستشفى تتحملها الدولة البريطانية كون الشاعر يحمل جنسيتها. وتجاوز الوزير موضوع المرض ليقول كلمة حق في أن الشاعر "يُعدّ -وهو في العقد التاسع- من أعظم الشعراء المعاصرين الذين كتبوا بالعربية، وهو مع أدونيس ومحمود درويش أحد عمالقة الشعر العربي في النصف الثاني من القرن الـ20 لما قدمه من منجز أدبي". ووضع النقاط على الحروف حين أوضح: "من منطلق واجب وزارة الثقافة المهني في رعاية الأدباء والفنانين وتأكيد ضرورة عدم ادخار أي جهد للوصول إليهم في بلدان المهجر ورعاية شؤونهم، وما يقدمه ذلك من صورة عن عراق تزخر خزائنه بكبار الأساتذة الذين ملؤوا الدنيا بجمال الأدب ونور العلم ويضع مصلحة أبنائه في قائمة أولوياته".

هناك من أزعجته الالتفاتة التي قام بها الوزير، على بساطتها، ووجدها فرصة لمهاجمة بعض مواقف الشاعر سعدي يوسف. ورغم أن بعض الردود حاولت شخصنة المسألة، فإن الوزير أبقاها في سياقها السياسي، حين صرّح: "اليوم تصرفت كوزير في دولة جديدة وليس كناقد للشعر". وأضاف: "لدى سعدي إبداع كبير لا ينسى، سيبقى بعد أن يزول ونزول وتزول تخاريفه وتُنسى". ورغم شراسة الحملة التي تعرض لها الوزير والشاعر، فإن الوزير لم يتراجع عن موقفه، ويمكن البناء عليه من أجل معالجة قضية المثقفين العراقيين، الأحياء منهم والأموات، وما حالة سعدي يوسف إلا واحدة من بين عشرات الحالات لكتّاب ورسامين وفنانين يعيشون خارج العراق منذ عقود طويلة، ومن حقهم أن يساعدهم بلدهم أو يعودوا إلى بلدهم إذا شاؤوا بلا ازعاجات او تصفية حسابات، وأذكر هنا على سبيل المثال من الأموات الذين يجب أن تقوم الدولة العراقية بنقل رفاتهم: محمد مهدي الجواهري، عبد الوهاب البياتي، صلاح جياد، شريف الربيعي، مؤيد الراوي، سركون بولص وفالح عبد الجبار..إلخ. ومن الأحياء، بالإضافة إلى سعدي يوسف، مظفر النواب، وحميد سعيد. وهناك لائحة طويلة من الأسماء، على امتداد زمن ديكتاتورية العهد الذي سبق الاحتلال، وحكم الأطراف السياسية التي جاء بها الاحتلال.

كان الوزير منصفاً، رغم أنه اعتذر عن دعوته لعلاج سعدي، ولم يكن في وسعه أن يفرض رأيه في بلد يسوده قانون القوة، وتمكّن من أن يثبت مسألة اساسية، تتمثل في أنه يمكن أن يكون هناك خلاف حول بعض مواقف المبدع، لكن ذلك لا يمكن أن يكون سبباً مقنعاً لإسقاط حقوقه كمواطن ومبدع، واغتياله معنوياً كما هو دارج اليوم في غالبية بلدان العالم العربي، التي تشهد تراجعاً لا حدود له على مستوى الاهتمام بالثقافة والمثقفين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها