الأحد 2021/04/25

آخر تحديث: 08:44 (بيروت)

فليذهب هذا القضاء إلى الجحيم...

الأحد 2021/04/25
فليذهب هذا القضاء إلى الجحيم...
غادة عون تقتحم شركة مكتف للمرة الثانية (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
«فانتظر (الربّ) حقّاً، فإذا سفك دم
وانتظر عدلاً، فإذا صراخ» (إشعياء) 
قد تتضامن مع القاضية غادة عون وقد لا تتضامن. وهي، بلا شكّ، ارتكبت مخالفات قانونيّةً لا يستهان بها بعدم طاعة رؤسائها واقتحام أملاك خاصّة، وذلك بدعم من عناصر أمنيّة وحدّادين على نحو يشبه التشبيح. ولكنّ ما لا يرقى إليه الشكّ أيضاً هو أنّ سلوك غادة عون فضح جهازاً قضائيّاً مصاباً بآفات ماحقة تبدأ بالمحسوبيّة السياسيّة وتمرّ بالبلادة والصمت المشين وتنتهي بالجبن وقلّة الحسّ بالمسؤوليّة.

الذين انبروا لانتقاد سلوك القاضية عون دفاعاً عن كرامة القضاء، وهم محقّون في ذلك طبعاً، تناسوا أنّ القضاء يفقد كرامته أوّلاً حين يفشل في تحصيل حقوق الناس، وفي تحرير ذاته من التسييس الذي بات هو القاعدة. وفي هذا يتساوى كلّ المنتمين إلى الزمرة العبقريّة التي تحكم البلد. فكلّهم يريدون الأكل من صحن القضاء، وكلّهم يريدون التحكّم فيه وتسخيره لمصالحهم...

كلّن يعني كلّن. قضاء مسيّس كهذا لا حاجة لنا به ولا نريده. وإذا كان رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون قد بشّرنا بالذهاب إلى الجحيم، فالأولى بهذا القضاء أن يذهب إلى الجحيم هو أيضاً. إنّ قضاةً لا يعتصمون ولا ينتفضون ولا يثورون ولا يكسرون قواعد اللعبة لا كرامة لهم، ووجودهم مثل عدم وجودهم لا معنى له. 

قد يقول قائل إنّ هذا كلام تعميميّ، وإنّ هناك قضاةً نزيهين في الجمهورية اللبنانيّة. وهذا أيضاً كلام محقّ. ولكنّ الثابت أيضاً هو أنّ وجود هؤلاء الأكابر في الخلق والأخلاق لم يغيّر الصورة العموميّة منذ انتفاضة ١٧ تشرين وحتّى اليوم: الناس انتفضوا، المحامون انتفضوا، طلاّب المدارس انتفضوا، طلاّب الجامعات يسجّلون الانتصار تلو الآخر رغم أنف أحزاب السلطة وماكيناتها الانتخابيّة الطنّانة وجيوشها الجرّارة. فماذا فعل القضاة؟ لا شيء تقريباً. لا قضيّة محقّة وصلت إلى خواتيمها. ومئات الملفّات التي تفوح منها رائحة الفساد لا تزال نائمةً في الجوارير المغبرة لئلاّ ينزعج أولياء نعمة القضاة، بلاطجة المنظومة الحاكمة. يا للعار!

هل تكون كرامة القضاء في الشكل دون المضمون؟ هل تكون كرامة القضاء بالصمت؟ هل تكون كرامة القضاء بالتلكّؤ؟ هل تكون كرامة القضاء بالتخاذل والتواطؤ والقهقرى؟ مرّت شهور بعدها شهور والقضاة لا يحرّكون ساكناً: لا خطّة، لا استراتيجيا خلاّقة، لا استقالات جماعيّة، بل تبعثر وتشرذم وعسكر مكسور. وحين يحتجّ بعضهم، يلجأ إلى لغة ضبابيّة هي أسوأ من الصمت. قضاتنا مستكينون مثل الأرانب، جبناء مثل الدجاج، ودعاء كالحمائم، ولكنّهم يفتقرون إلى حكمة الحيّات. وفيما الساسة يرفلون في غيّهم، يتآكل القضاة في سكوتهم، ويذبلون في ارتعابهم، ويتعفّنون وراء كتب قوانينهم. يا عيب الشوم! «إذا فسد الملح، فبماذا يملّح». هكذا تكلّم ابن مريم قبل نيّف وألفين من السنين. فهل يسمع القضاة صوته اليوم؟ 

إنّنا نشكر القضاة في الجمهوريّة اللبنانيّة على كلّ ما حقّقوه وأنجزوه واجترحوه في السنوات الثلاثين المنصرمة. ولكنّ السؤال الملحّ اليوم هو كيف سيتصرّفون غداً، ومتى سينتفضون للشعب الذي يقضون باسمه، وللوطن الذي أقسموا أن يمنعوا السفّاحين وقطّاع الطرق من استباحته، وللأخلاق التي تعهّدوا بإعلاء شأنها فيما دمها يُسفك كلّ يوم في قصور العدل. هذا هو السؤال الكبير الذي يقرّر جوابه حرمة القضاء وكرامته. وكلّ شيء سواه ترّهات وأباطيل ولعب أطفال. فإذا لم ينتفض القضاة، فالأفضل لهم أن يذهبوا إلى بيوتهم. وإذا كانت بيوتهم بعيدة، فليذهبوا إلى الجحيم...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها