الثلاثاء 2021/04/20

آخر تحديث: 15:46 (بيروت)

حزب البوشار

الثلاثاء 2021/04/20
حزب البوشار
قبيل الاشتباك بين أنصار القاضيين عويدات وعون أمام قصر العدل (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
من مؤشرات ذوبان لبنان في الحضيض، من العلامات المؤكدة على طيرانه سقوطاً في هاوية لا قعر واحداً لها، بل كل ارتطام بما نظنّه قعراً يتبدّى بوابة جديدة تُفتح لتمديد تحليقه العكسي.. أنَّ ظاهرة تنتظم: حزب البوشار.

هؤلاء الذين يغرّدون ويدوّنون أنهم، أمام المعارك والصراعات المشبوهة والرثة، يشجعون "اللعب الحلو"، وأياً كان المهزوم، فهو مكسب. وهُم أنفسهم الذين يستخدمون أيقونة تجمّعهم السياسي هذا، الذي لم ينبثق عن اجتماعات ولا قوانين داخلية ولا بيانات، بل وحدها هذه الأيقونة محور تلاقيهم: علبة كرتونية طافحة بالبوشار، يرسمونها ملصقاً في محادثات الشبكات الاجتماعية. فهُم، في لحظات "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين"، ليسوا ناشطين، ليسوا متدخّلين ولا مدافعين عن أحد. وليسوا هجّامة أيضاً، إذ تتكفل اللعبة بلاعبيها، ولا داعي للاتساخ. ليسوا أصحاب رأي سياسي ميال إلى هذا القطب أو ذاك، إذ بات آمناً القول بأنه لا طرف أو قوة من قوى المتن السياسي تستحق التكتل حولها وإعلاءها بديلاً.

"حزب البوشار"، عملياً، دلالة القحط العميم، لكنه أيضاً رمز وعي، ساخر ساحر تتسع رقعته. وعي ليس لامبالياً، بل هو متعالٍ على فخاخ العصابة الحاكمة. لا موقف لأنصار البوشار في كباش أذرع السلطة. هُم فقط متابعون. مشاهدون مستمتعون بـ"الفيلم". ومَن كان من هواة ارتياد السينما يعلمُ أن المُشاهِد مُحترِف التسلية، لا يفهم الفيلم ولا "يهضمه" أو "يستهضمه" إلا مع علبة بوشار.

الصراع الراهن بين القاضيَين، غسان عويدات المُعيّن أصلاً من حصة "تيار المستقبل"، وغادة عون المحسوبة على "التيار الوطني الحر"، وجد لنفسه وقوداً في الشارع. أنصار "المستقبل"، وعناصر "متحدون" والعونيين، اشتبكوا أمام قصر العدل وسالت دماء، نُصرةً لماذا؟ لسيادة القانون ومكافحة الفساد، بالأحرى نصرةً لعَصَب الحارات الضيقة المحكومة بالخوّات وقد امتدّت مجساته إلى الجسم القضائي. يجدر الاعتراف بأنها سابقة. المنظومة لا تكفّ عن الإبداع. كنا قد اعتدنا على حروب صغيرة من النوع هذا، دفاعاً عن الزعماء السياسيين والرموز الدينية-الطائفية، لكنها جديدة اليوم في ميدان القضاء الذي أثبت أنه، وبعدما كان ذلك "الشبح المهيب"، قادر أيضاً على التحول إلى تلك الساحة السائبة وسط بلدة متخلّفة خارجة على مفاهيم الدولة.

أما كل لبناني يحترم نفسه، وما زال يرى البلد وأزمته بعدسة الحق المحض، الحق المُغتصب، الحق العام والحقوق الخاصة المأكولة، وليس بعيون الطوائف التي تظل فارغة وبطونها لا تشبع مهما طالت مباريات تَناتُش "حقوقها"،.. هذا اللبناني يتابع ويمضغ البوشار. يقتنص وقتاً مستقطعاً للمتعة، مهما كانت صغيرة ومحدودة أو حتى بلا جدوى منظورة. هذا اللبناني يحقّ له التلذذ، لولا أن المسؤولين الفعليين عن الظلمة اللبنانية الراهنة يتلذذون هم أيضاً بالإمعان في تكسير مؤسسة كان يُمكن، في يوم من الأيام، وبعد عمر طويل، وبمعجزة ثورية، أن تحاسبهم وتعقابهم. ومع ذلك، البوشار مالحاً وحلواً، ساخن وشهي، كالمشهد نفسه.

حزب البوشار إذ بات حالة، هو إعلان البلد، هكذا من تلقائه، بأن الثورة لم يكبر من لدنها بديل لهذه الديوك المدماة التي لا تُميت إلا الحلبة حيث يُقال أننا "نعيش"، وأن الإفلاس يصيب المجرمين أيضاً، ليس في جيوبهم ربما، لكن في خططهم لحيازة كل شيء والنَّيل من كل شيء. وفي الوقت نفسه، هو إعلان الناس، بيومياتهم وتهكمهم، بأنهم ليسوا غافلين، أنهم مفلسون مُفقَرون، لا حمقى. ربما يكون البوشار مُقبّلات الانتفاضة الماحقة الآتية، أو لا يكون، لكنه الحقيقة الوحيدة في هذه اللحظة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها