الإثنين 2021/04/19

آخر تحديث: 12:34 (بيروت)

اللَّحام... بين هتلر ونجيب محفوظ

الإثنين 2021/04/19
اللَّحام... بين هتلر ونجيب محفوظ
increase حجم الخط decrease
في المرة الأخيرة التي زرتُ جارنا اللَّحام بعد إقفاله القسري لشهر، وتغييره ديكور محله "ونفضه" كما يقولون، وجدتُ أنه علّق صوره و"أقواله" في صدر ملحمته، كأنه ينتمي إلى عالم النجوم المشاهير. وعلى أحد الجدران ألصق عبارة "اللحم سيد طعام"، ويقال إنها حديث منسوب لنبي الإسلام، وثمة من يصنفها في خانة "موسوعة الأحاديث الطبية". وقرب البراد ألصق عبارة نُسبت لنجيب محفوظ تقول "في الحياة، إن لم تتعلم من الضربة الأولى فأنت تستحق الثانية"... لا أعرف متى قالها الروائي المصري، وفي أي مناسبة أو في أي كتاب أو رواية، هي موجودة في بعض مواقع الانترنت من دون تفاصيل، ولا تشبه ثقافة محفوظ المسالم والحالم، وثمة من ينسبها الى مارتن لوثر كينغ، وهنا نشير إلى أن النت فعل العجائب، إذ ضاعت الملكية والأصول... أما العبارة الأخرى الأشد وقعاً التي ألصقها صديقنا اللحام في ملحمته، فهي لأدولف هتلر وتقول "إن لم تجد من يحقد عليك، فاعلم أنك إنسان فاشل"، وهي منسوبة الى صفحة "أقوال وحكم الفلاسفة"، وثمة جدل انترنتي (فايسبوكي، تويتري) حول نسبها، هل هي لهتلر أم للشيخ متولي الشعراوي؟! 

تفاديتُ أن أسأل اللَّحام عن أسباب اختياراته الأدبية ومواعظه غير اللّحمية، حتى لا أدخل في متاهة الإجابة، ويتحول شراء بعض اللحم "سيرة وانفتحت" وحكاية لا تنتهي... كنت أريد أن آخذ طلبي وأمشي... في الطريق، قلت في قرارة نفسي: أن يعلّق اللحام حديثاً نبوياً، فهو متوقع ومألوف ومن الثقافة السائدة... وأن يعجب اللحام بقول لنجيب محفوظ منشور في الانترنت، فهذا أمر جيد، فأدب محفوظ في الأول والأخير هو نتاج الحارة القاهرية، و"حدوته" انعكاس لها ولناسها ومقاهيها وحرافيشها، حتى صديقنا اللحام نفسه فيه طيف من سي السيد بطل "الثلاثية" المحفوظي...

أما أن يختار اللحام قولاً لهتلر، فهذا ما لم أجد له تفسيراً، أو ربما وجدت التفسير وبقيت أنفر منه بسبب ثقافة ما. أعرف أن كثيرين تستهويهم ثقافة هتلر وفظائعه، إجرامه، يقرأون كتاب "كفاحي" ويعتبرون الحقد مدرسة يتلقونها في حياتهم اليومية. والحال أن القول الهتلري المنتقى، قمة التفاهة والسخف والخسة، والمحنة أنه في لبنان، صار الحقد ثقافة عامة، ولم يعد يرتبط بنجاح شخص أو فشله كما يتوهم اللحام أو يزعم. ذلك الحقد الخارجي والداخلي الذي دمر لبنان من 1975 حتى 1990، لم تتوقف مفاعليه، في زمن السّلم، فهو متوافر بقوة على ألسنة قادة الأحزاب والطوائف والعصبيات وأصحاب المشاريع، وفي يوميات مناصريهم، وتجلى في الاغتيال السياسي بقوة، وفي خُطب المنابر. وأتى زمن التواصل الاجتماعي ليظهر الناس على حقيقتهم ووجوههم، كشف المكبوت وفضح أساطير العيش المشترك... وبيّن أن غلاة حفر القبور أقوى من طلاب التسامح...

نكتب عن الحقد في لبنان وفي طريقنا نقرأ قول بوب إيغر، المدير التنفيذي لشركة ديزني، أن أدولف هتلر كان سيعشق وسائل التّواصل الاجتماعي بوصفها طريقة فعالة لنشر الحقد بين الناس. "فهي اليوم أقوى أداة تسويق يُمكن أن يحلم بها أيّ متطرّف، حيث يعكس تصميمها الرؤية الضيّقة للعالم، التي تُغربل كلّ ما يُشكّل تحدياً لمعتقداتنا وتُصادق باستمرار على قناعاتنا وتُضخّم أسوأ مخاوفنا"، وفق ما ذكره إيغر خلال حدثٍ نظّمه مركز سيمون ويزنتال اليهودي لحقوق الإنسان. ولبنان، في ذروة أحقاده اليوم. 

لا بأس أيضاً أن نقول أن كثيرين طالما تغنوا بكيتش "لبنان الرسالة" والتعددية، وهو في المكنون "لبنان الأحقاد"، وقد قال أَبو صخر الهذلي:
وعَدِّ إِلى قوم تَجِيشُ صُدورُهم
بِغِشِّيَ، لا يُخْفُونَ حَمْلَ الحَقائِدِ
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها