الأربعاء 2021/04/14

آخر تحديث: 15:16 (بيروت)

رحيل رينيه ديك.. من مجد المسرح إلى جوع الجمهورية

الأربعاء 2021/04/14
رحيل رينيه ديك.. من مجد المسرح إلى جوع الجمهورية
increase حجم الخط decrease
توفيت صباح اليوم، الممثلة القديرة رينيه الديك (1943 – 2021)، وهي كانت خلال السنوات الأخيرة، تعيش في مأوى للمسنين، وتُعتبر واحدة من الفنانات المخضرمات، وكانت أوضاعها المادية دائماً حديث الصحافة بسبب إهمال الدولة لها. فكان عليها أن تواجه، لسنوات طويلة، مصيرها بمفردها، كغيرها من الفنانين اللبنانيين الذين قضوا في ظروف مهمّشة مثل الراحلتين ليلى كرم وأماليا أبي صالح..

وفي جعبة رينيه، باقة من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، أبرزها مسلسل "ليالي شهرزاد"، وفيلم "المخطوف"، ومسرحية "فيلم أميركي طويل". وهي تألّقت في العصر الذهبي للمسرح في بيروت الستينيات، وتركت تجارب تلفزيونية وسينمائية لا تنسى، انتسبت إلى "مدرسة المسرح الحديث" التي أسّسها أحد روّاد المسرح اللبناني، منير أبو دبس، وشاركت معه في عدد من المسرحيّات التي قُدِّمت في مهرجانات بعلبك. ففي العام 1963، دشّنت تجربتها المسرحية مع فرقة "المسرح الحديث" مع منير أبو الدبس، فقدّمت دورها الأوّل "امرأة من آرغوس" في مسرحية "الذباب" لجان بول سارتر (إخراج منير أبو دبس). ولعبت فيها دور البطولة الى جانب ميشال نبعة ورضى خورى ونبيل معماري، وجسّدت فيها دور المرأة المدنية التي أراد الشاب القروي الإقطاعي الزواج منها. عرفت رينيه مجد بيروت الستّينات، وملاهيها ومقاهيها من "الكافي دو روا" إلى "الدولشي فيتا" في الروشة إلى "الهورس شو" في الحمرا، وشهدت على انتقال مهرجانات بعلبك من الليالي الفولكلوريّة إلى الأعمال الفنّية العالميّة، قبل أن تقضي الحرب الأهليّة على كلّ شيء.

وهي في الواقع بدأت كـ"موديل" للفنّانين التشكيليّين وفي كليّات الفنون، فكانت ثاني امرأة لبنانيّة تحترف هذا الدور، بعد مريم خيرو. من ثم دخلت معترك التمثيل من باب الصدفة. توضّح ديك "عملت كموديل لأني أردت أن أؤمن لقمة عيشي". منذ صغرها وهي تهوى الرسم، ذهبت لتتعلم الرسم عند صديق لها، ومن هناك ساقها القدر الى معترك آخر. قال لها الرسام ميشال المير "أنت مش خرج رسامة أنت خرج مسرح". كان المير يعلم بأنّ رينيه لا تمتلك موهبة التمثيل فقط، بل جسدًا بإمكانه أن يلهم أمهر الرّسامين. بعد الاكتشاف، أبحرت ديك في هذا العالم، وسرعان ما نشأت صداقة بينها وبين الرّسامين. تقول ديك "لم أندم قط على دخولي عالم الموديل". تأمّل ورسم رينيه، العديد من الرسامين، لكنها لم تنس ما قاله لها الرسام اللبناني رشيد وهبي: "الشغل معك ممتع". يقول استاذ الرسم في الجامعة اللبنانية الأميركية بسام جعيتاوي أنّ رينيه موديل محترفة ومثقفة. يزيد على أنّها مخلصة ومحبة لمهنتها، لكنّها ليست نادرة لأنها تتقاضى أجراً يكفيها لتعيش ميسورة الحال، فلا تحتاج أحداً. ويذكر الفنان مارون الحكيم أن رينيه "كانت قد تعرضت مرة للضرب في الفرع الأول لمعهد الفنون الجميلة".

في المسرح أدّت أدواراً عديدة على الخشبة، منها "ناردين" في "الإزميل" للكاتب أنطوان معلوف، و"الممرضة مونيكا" في "علماء الفيزيا" إلى جانب أنطوان كرباج في الستينيات. ولا يقتصر حضور ديك مسرحياً على الخشبة فحسب، إذ خاضت أهمّ المعارك المتعلّقة بالمسرح اللبناني، منها مشاركتها بما عرف بثورة الفنانين العام 1965، والإضراب الذي خاضوه من أجل إعلان افتتاح قسم المسرح في الجامعة اللبنانيّة في العام نفسه، إلى جانب فنانين آخرين مثل أنطوان كرباج، وميشال نبعة، وأنطوان ولطيفة ملتقى... كما خاضت المجال الأكاديمي، بتدريسها المسرح لسنوات طويلة منذ 1976 في "الجامعة اللبنانية الأميركية".

وبعيداً من لبنان، عملت في المسرح التونسي لفترة من الزمن، حيث أدّت "السيدة" في "الخادمتان" لجان جينيه، في نسخة أخرجها التونسي الراحل عبد الرزّاق الزعزاز، قبل أن تقدّم الدور مجدّداً في المسرحية التي أخرجها جواد الأسدي العام 1994. وكتب الشاعر علي مطر: "ليست هذه المرة الأولى التي تموت فيها، رينيه ديك. لعل هذه الميتة الأخيرة هي الأرحم. الممثلة الأكثر صدقاً ومرونة، ذات الوجه الارستقراطي والصوت المائي، لكن ذات الحظ العاثر، التي عنونت صحيفة الجمهورية منذ حوالي أربع سنوات عنها: "خبر مخزي، رينيه ديك "تموت جوعاً".
رينيه ديك وحياتها ببساطة تعكس بؤس النظام اللبناني وثقافة اللبنانيين الأنانية. 
1996 في زيكو هاوس مع فادي أبو خليل، رائد ياسين وأنا لعبنا مسرحية "راديو، شعر، وحديث"، إعداد وإخراج فادي... وضعت رينيه كل خبرتها المسرحية في تلك الغرفة-العلبة، التواضع والقلب الرقيق، التفاني في العمل والتحول إلى عجينة طيعة بيد المخرج المتطلب. كانت مهمومة يومها برعاية أمها العجوز، وقططها الكثيرة "لا أقوى على رؤية قطة متشردة" قالت لنا، ترعاهن ولو تسببن في فوضى في بيتها المتواضع. 
أخبرتني مرة عن محاولات الانتحار، وقسوة الرجال الذين مروا في حياتها. لكن حاجة أمها لها كانت تمنعها من الذهاب إلى النهاية. لكن أليست كل محاولة انتحار نصف ميتة؟ أوليس التهميش والإقصاء والوحدة أصعب من الموت المادي؟ حقوق رينيه ديك ومثيلاتها وأمثالها من الفنانين لم تجر على لسان "بي الكل" مثلاً.. بل إن الصنف البشري الذي يقوده ينظر إلى مثيلات رينيه باحتقار وسادية. 
لو كانت رينيه ديك كندية لكُرّمت مثلما كُرّم ليونارد كوهين، ليس أقل من ذلك، لكن في بلاد تحكمها العصابات ستموت رينيه أكثر من مرة قبل أن يأتي الموت الرحيم".

وفضلاً عن عملها في الدراما التلفزيونية اللبنانية، رغم إقصائها عن أدوار البطولة، شاركت في تجارب سينمائية عديدة منها أفلام المخرجة اللبنانية الراحلة جوسلين صعب، مثل «حياة معلّقة» (1985)، و«كان يا مكان بيروت» (1994)، وشريطي «متحضّرات» (1998) و«طيارة من ورق» (2003) لرندا الشهّال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها