(تجهيز زياد أبي اللمع على شاطئ أنطلياس)
وخلافاً لهذا المنطق "التأبيدي"، يظهر تجهيز زياد أبي اللمع العام 1991، على شاطئ أنطلياس (وقبله "تدخلات" مجموعة "فلوكسيس" في أوروبا)، والذي يعتبر اليوم أحد اول "التدخلات المؤقتة" في لبنان، وكأنه رد فعل على منطق التأبيد الحداثي بأكمله (يرى وليد صادق أن ابي اللمع قام يومها "بإعادة تشغيل عنيفة للفن اللبناني")، إن كان من خلال اختيار موقع هامشي خارج بيروت: شاطئ مهمل يستعمل جزء منه كمكب للنفايات (وجزء آخر مسبح شعبي أو "سان بلاش" وفق التعبير الدارج)، وقام أبي اللمع بتنظيف مساحة منه، وسوّرها بشريط كهربائي، وهو خيار مضاد لمنطق الساحة الرسمية التي تقع عادة في المركز، حيث يرتفع النصب عن الأرض على منصة، وتلفّه مساحة واسعة تكرس انفصاله عن محيطه.
كما تظهر القطيعة التي كرسها أبي اللمع، من خلال اختيار مواد التجهيز المعدنية التي كان جزء منها مرمياً في النفايات، يأكلها الصدأ (مخلّفات أسلحة)، التقطها ووضعها على الشاطئ في مساحة اختارها بشكل عشوائي، كما عبر الأشياء التي تفصل المواد عن الأرض مثل الغطاء البنفسجي، الطاولة الخشبية، الجريدة، والعلبة الزجاجية التي حملت الصاروخ. أراد أبي اللمع إيصال رسائل مرتبطة بزمن السلم والحرب، لا تتسع هذه العجالة للحديث عنها، لكنها تظهر مثلاً في اختيار الصاروخ الجديد الذي تقابله مخلّفات الأسلحة، كما من خلال وضع المولد الكهربائي الذي كان الناس قد بدأوا التخلي عنه في تلك الفترة، ظناً منهم أن وضع الكهرباء سيختلف بعد انتهاء الحرب.
في كل حال، ما يهمنا هنا هو أن أبي اللمع من خلال نقده العنيف للفن الحداثي الاستبدادي، كرّس منطقاً جديداً في الفن اللبناني، إذ شجع عمله على إنتاج فنون مرتبطة بالزمن الحاضر والفضاءات المكانية التي تمتلك معنى لدى الناس، يتم تلقيها "ديموقراطياً" وليس عبر إسقاطات سلطوية، كما تشكل تدخلاً في الفضاء العام، وليس موضوعاً محدداً منتصباً. وهو ما سنجده في معارض "أشكال ألوان" بدءاً من العام 1995 والتي نظمت في فضاءات عامة مثل حديقة الصنائع، شارع الحمرا، كورنيش عين المريسة (تحركت أيضاً "أشكال ألوان" في فضاءات الوسط العامة التي ولدت من جديد بعد إلغاء خطوط التماس بين الشرقية والغربية والتي بدأت شرطة "سوليدير" بالهيمنة عليها)، ثم تكرست لاحقاً مع مؤسسات أخرى وفنانين منفردين ينتمون إلى منطق سيصبح منذ ذلك الحين جزءاَ من المشهد الفني اللبناني...(يتبع).
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها