في خاتمة قراءتي في كتاب نوال السعداوي "الرجل والجنس": إن كتابة نوال السعداوي بيانٌ عن شجاعتها الاستثنائية.
أليست هي البادئة عندنا بنبش المحرّمات من تحت ركام ثقيل من الأفكار "العلمية"، ومن المعتقدات المنسوجة بخيوط متينة من الإيديولوجيا والدين، ناهيك بوطأة الواقع الذي يحاصر النساء والرجال ويعيد إنتاج مواقع الفئتين المرسومة والمكبّله للطرفين؟
هي إن فتحت صندوق باندورا فإن "الشرور" التي انسكبت منه، فيها كلّ الخير، وكلّ الأمل بالنسبة لنا نحن النساء:
ألم يكن ما أطلقته من نقاشات على الملأ الثقافي العربي إضاءات من زوايا أضافت على الأنوار التي غمرتنا في عقود الثورات التحررية من القرن الماضي والتي... بالرغم من سواد الظلامية اليقينية التي عادت لتخيّم على أجوائنا العامّة، ما زلنا نستضيء بها؟
(من كتابي "الجندر ماذا تقولين ص. 97)
حبيب عبد الرب سروري - روائي
البعض تبدو له غريبة، عند التعزيات، عبارة "لروحه السلام"،
من فرط احتلال صيغ تقليدية أخرى، دينية غالبًا، لبلاغة التعزيات.
جاء ذلك بعد رؤية تسونامي "لروحها السلام" التي رددها الجميع تقريباً، عقب وفاة العظيمة الخالدة: نوال السعداوي.
الإشكال آت من أنّ لكلمة "الروح" (مثل: السماء، الشهب... وغيرها من المصطلحات) مدلولين مختلفين جداً، أحدهما ديني، والثاني علمي. الشهاب مثلاً بالنسبة للعلم هو جرم سماوي يشتعل عند دخوله الغلاف الجوي للأرض.
بالنسبة للدين، الشهاب نار يرجمها الله على الشياطين الذين يسترقون السمع!
كذلك الروح من مفهوم الدين (وكل الميثولوجيات التي سبقته منذ آلاف السنين): نفخة إلهية تسكن جسد من صلصال، تغادره بعد الموت!
الروح من مفهوم العلم شيء آخر.
هي مثل سوفتوير الكومبيوتر: الجزء اللامادي فيه.
يعني، بالنسبة للإنسان، الروح هي: الذكريات، الانتاج الثقافي، الأفكار...
أي: مجموع نشاطات الدماغ (التيارات الكهروكيماوية بين عصبوناته)، باعتبار أن "الإنسان جسدٌ لا غير، روحهُ دماغُه".
عندما أتمنى لروح الفقيد السكينة والسلام، فلأني أتمنى، بعدما فقدنا جسدَه، خلودَ ذكرياته ورؤاه وذكره وكل ما قال وكتب... أي أني أتمنى حياتَه الروحية بيننا، رغم غياب جسده.
وهذا ما نتمناه جميعا للعظيمة الخالدة نوال السعداوي...
ابراهيم عبد المجيد - روائي
رحم الله الدكتورة نوال السعداوي. غير كتبها التي تعلمت منها التحضر في الحياة والحق في معني وقيمة المرأة ورواياتها الممتعة جمعتني بها ظروف جميلة في الحياة الثقافية أو العمل السياسي في السبعينات والثمانينات. بعض منه في كتابي عن الأيام الحلوة فقط. نوال السعداوي رحلة نضال سياسي كبيرة منذ الخمسينات وعرفت السجن والظلم وكثير ممن ينتقدونها لم يقرأوا كتاباً لها ولا يعرفون شيئاً عن سيرتها ولا يعرفون تاريخها. معرفتهم تتوقف عند برامج التوك شو وبعض جُمل لا تعجبهم. البرامج التي صارت للأسف مصدر المعرفة والثقة عند الكثيرين. منذ خمس سنوات أو أكثر اتصل بي مذيع لبرنامج تلفزيوني لا أذكره ولا أذكر البرنامج وكان يتحاور معها، لأقوم بمداخلة. كنت أتابع الحوار فوجدته يستفزها بشكل سخيف جداً لتخرج منها كلمات انفعالية وهي في هذا العمر فوضحت له في المداخلة أن يتوقف عن هذا الاستفزاز ويتحدث في العلم، وبعدما عادت الى بيتها حدثتها في التليفون أن تنتبه الى ما يفعله المذيعون الباحثون عن متابعين على الفاضي. نوال السعداوي غير الجوائز العالمية من كل القارات التي فازت بها، فكتبها المترجمة الى لغات أخري عديدة، وكانت هذه الكتب في التسعينات تتفوق في المبيعات على كتب نجيب محفوظ بالخارج. نوال السعداوي لها حوالى أربعين كتاباً، ما بين كتب فكرية عن قضايا المرأة والمجتمع والسجون والزنازين ومذكرات حياة بين الطب والرحلات وروايات، ويأتي من لا يعجبه رأي في برنامج يحكم عليها أحكام سخيفة، ولا يري ما أنجزت ولا يفكر أن يعرف شيئاً منه. رحمك الله يا سيدتي لقد كنتِ للعالم أجمل نافذة على مصر، وكنتِ في مصر أجمل وأعمق نافذة على العلم والأدب والحياة السياسية والاجتماعية. وخالص العزاء لأبنتها الأديبة منى حلمي، ولكل محبيها. وما تركته نوال السعداوي وراءها من علم وأدب لن يضيع رغم جهل الجاهلين.
مروان أبي سمرا - كاتب وباحث
الحديث عن شجاعة نوال السعداوي وما أحدثته من صدمة ثقافية تنويرية في أذهان وسلوك أجيال من النساء والرجال العرب، لا ينفي ويجب إلّا ينسينا "سقطاتها" المروّعة، ابتداء من تعاليها الاجتماعي-الطبقي، وانتهاء بدفاعها المستميت عن نظام السيسي والتستر على جرائمه بل واعتبارها "بطل كشوف العذرية" أفضل رئيس مصري منذ عبد الناصر.
ما نحتاج إليه ليس إحصاء تلك "السقطات" ووضعها في "ميزان الحسنات وبالسيئات"، وإنما التفكير في معنى ودلالات هذا الإنفصام القيمي والأخلاقي والثقافي، أي السياسي بالمعنى العميق للسياسة. فهذا الإنفصام هو في الحقيقة أحد الأمراض الشائعة في بلادنا المنكوبة. يكفي المرء ليتبين عمق مرض الإنفصام هذا أن يستعيد التاريخ المديد لخيانات التيارات المدنية والليبرالية واليسارية العربية والتحاقها الذليل بالسلطويات والديكتاتوريات العربية على أنواعها.
كنان قوجة
نوال السعداوي صاحبة فضل على أجيال نسائية، ماقبل عصر PDF والسوشال ميديا، تعرفت هذه الأجيال من خلال كتابة نوال في فترة زمنية كانت توصف بالتقدمية على أفكار حقوقية وجنسية، تخالف أغلب ما تمت تربيتها عليه، أما لماذا فشلت نوال وكتاباتها في إحداث خرق للوعي النسائي لهذه الأجيال، فالأمر أعقد من خلل عندها، ويتعلق أساساً بإستنقاع أنظمة الحكم (التقدمية) وتسليمها المجتمع لخصومها الإسلاميين، من الظلم حصر تاريخ السعداوي في كلام خرف قالته عن الثورة المصرية، وفي هذه تحديداً مشكلتي معها هي، في هيافة ما قالته، أكثر من كونها تدعم ديكتاتوراً، فما جرى لفرج فودة ونجيب محفوظ، ونصر حامد أبو زيد، يجب أن يكون في بال كل من يعيب على المعرضين لهذا التهديد بالقتل الحرفي قبل أن يطلق حكمه النهائي!
زياد ماجد - كاتب وأكاديمي
نوال السعداوي هي من النماذج الأكثر تجسيداً للعلاقة الشائكة أو المنقطعة لدى بعض النخب الثقافية والفكرية العربية بين مسائل التحرّر والتنوير وتهشيم المحرّمات المجتمعية التي يخوضون فيها من جهة، وقضايا الديمقراطية والمساواة السياسية ومسائل العدالة الاجتماعية ومؤدّياتها الفعلية أو التطبيقية انتخاباً وانتظاماً من جهة ثانية.
هي رائدة مواجهة التسلّط البطركي وتحطيم مقدّساته على مدى عقود (وهذا فعل ثورّي عميق له فضل على أجيال من النساء والرجال في منطقتنا)، لكنها في الوقت نفسه داعمة للتسلّط السياسي والمخابراتي وللفكر التآمري طالما أن ضحاياه إسلاميون أو من فئات شعبية مسحوقة أو نساء محافِظات أو من المدافعين عن حقوق الناس بالكرامة والعدالة مهما كان طول لِحاهم ونوع قماش حجابهم.
وإذا كان من الصعب تجاهل هذا التناقض الصارخ قيمياً وسياسياً في خياراتها المعلنة، إلا أنه من غير المنصف اختزال سيرتها بتأييدها السيسي وأضرابه أو ببعض تصريحاتها البلهاء حول ميدان التحرير ودولارات هيلاري كلينتون...
لروحها، في أي حال، الرحمة والسلام.
سمر نور
في العام 1998، جلست أمام نوال السعداوي بإيشارب كبير يغطي شعري وصدري تماماً، بعد الحوار سألتني وفي عينيها دهشة طفولية: هو انت لابسه دا ليه؟! كانت تشير إلى حجابي، وكنت بعد أسبوع كامل بين كتبها، سبقتها سنوات منتظمة في قراءة مقالاتها، أتوقع هذا السؤال ومستعدة للرد عليه، فأجبتها بانتصار طفولي: وحضرتك عامله شعرك كدا ليه؟! أمسكت رأسها، متعجبة فبادرتها: دي حرية شخصية، ابتسمت ولم تعقب، وفي زيارتي التالية قالت إن مقدمة حواري معها جعلتها تتأمل المشهد الذي تطل عليه شرفة منزلها بشكل مختلف، لم أتواصل معها بعد ذلك إلا في إطار تصريحات صحافية على فترات متباعدة، وكانت آخر محادثة العام الماضي، وكنت على وشك سؤالها: هل ترغبين في سؤالي مرة أخرى عن إيشاربي الكبير؟ لكني لم اسألها بالطبع.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها