السبت 2021/03/20

آخر تحديث: 12:58 (بيروت)

كوكب حزب الله

السبت 2021/03/20
كوكب حزب الله
أين كانت حكومة الأكتاف العام 2019؟ ولماذا ستكون أكتاف الغد مختلفةً عن أكتاف الأمس؟
increase حجم الخط decrease
قيل قديماً إنّ التحالف بين التيّار الوطنيّ الحرّ وحزب الله سيفضي إلى «لبننة» الحزب. لكنّ سذاجة هذا الزعم سرعان ما افتضحت. بقي الحزب على ارتباطه الوثيق بالجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، فيما تحوّل التيّار ذو التاريخ النضاليّ، إلى حفنة من الوصوليّين الذين لا يحلمون إلاّ بالقصر الجمهوريّ، وجمهرة من الواقِعين في التجاذب الماحق بين الحلم القديم بالإصلاح، والعجز عن مجابهة الخطّ اللاتاريخيّ الذي يدعمه سيّد القصر.

لكنّ التيّار يبدو أنّه نجح، رغم ذلك، بأن يصيب الحزب بلوثة من نوع آخر لا علاقة لها باللبننة، وهي تلك التي يعانيها رئيس الجمهوريّة منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين على الأقلّ، أعني الخطاب الذي يوحي بأنّ صاحبه منفصل عن الواقع ويعيش على كوكب آخر.

إنّ من يصغي إلى الكلمة الأخيرة لأمين عام حزب الله، حسن نصرالله، يتولّد لديه الانطباع بأنّه أمام نصّ منطقيّ ومتماسك. لكنّ التمعّن في تضاعيف هذا الخطاب، يكشف أنّه مثقوب من الداخل وكأنّ الخواء يفترسه، ما يجعله شبيهاً بلغة سائر الأحزاب اللبنانيّة الأخرى. حين حاولت العرب توصيف مثل هذا النوع من الخطاب المتماسك في ظاهره، الأجوف في باطنه، لم تجد أفضل من القول إنّه "حقّ يراد به باطل".

لقد اعتبر نصرالله، في تسويقه لفكرة حكومة سياسيّة أو شبه سياسيّة، أنّ المنظومة التي حكمت البلد طوال سنين عليها أن تتحمّل المسؤوليّة عبر عودتها إلى الحكومة من جديد. فوحدها حكومة "ذات أكتاف" قادرة على أن تقنع الناس بضرورة اتّخاذ قرارات صعبة للحيلولة دون الانهيار الكامل. لكن كيف تنقذ البلدَ عصابةٌ، وكيف تضعه على سكّة الإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والإداريّ زمرةٌ من البلاطجة وقطّاع الطرق؟ من حقّنا أن نسأل أين كانت أكتاف حكومة الأكتاف العام 2019؟ ولماذا ستكون أكتاف الغد مختلفةً عن أكتاف الأمس؟ السيّد محقّ، ولا شكّ، في أنّ المنظومة الفاسدة يجب أن تتحمّل المسؤوليّة. لكنّ المسؤوليّة الوحيدة التي يمكنها أن تتحمّلها هي مغادرة الحكم إلى غير رجعة والمثول أمام القضاء. فبمنطق الطبّ، هل يمكن الرهان على أنّ الفيروس الذي يفتك بالجسم منذ سنوات سيتحوّل إلى كيان يناصر جهاز المناعة من جرّاء إصابته بطفرة غرام بالجسد الذي أمعن قبلاً في تفكيكه وتسميمه وبري خلاياه؟

لقد اعتبر نصرالله أنّ انتفاضة 17 تشرين كانت مجرّد ردّ فعل احتجاجيّ على ضريبة، ولقد ساهمت في تعزيز الفوضى وتلقّت تمويلاً من السفارات. أيعقل أنّه غاب عنه أنّ المشكلة البنيويّة في الممارسة السياسيّة وفي الاقتصاد لم تبدأ مع ثورة تشرين؟ هل يتذكّر ثورة النفايات العام 2015؟ قال إنّ من لا يتحمّل مسؤوليّة الانخراط في الحكومة ويقف بعيداً "على التلّة" يجب "أن يحاكم". ولكن ماذا عن مسؤوليّة حزبه في حماية المنظومة التي انتفضت الثورة السلميّة عليها، وماذا عن اعتبارها خطّاً أحمر ومنع إسقاطها؟ أليس حزب الله متحالفاً حتّى اليوم مع جزء من البلاطجة الذين سرقوا الشعب وجوّعوه، وهو يحمي الجزء الآخر لأنّ منظومة السلطة المارقة أمّنت له الغطاء طوال سنوات؟ ألا ينتسب إلى المسؤوليّة الوطنيّة أن يقرّ الحزب هو أيضاً بنصيبه من المسؤوليّة عن الخراب الزاحف الذي يبتلع كلّ شيء؟

من اللافت أنّ الأمين العام دعا في خطابه من أسماهم "أباطرة المال" إلى الاهتمام بالشعب الآن عوضاً من تكديس المال بغية استخدامه في الانتخابات. كلّ قيصر من قياصرة المال مدعوّ إلى الاهتمام بمناصريه، بجماعته، بطائفته. فالشعب افتقر برمّته ويحتاج إلى معونة الأغنياء دفعاً للجوع. والحقّ أنّ السيّد وليد بك جنبلاط، استبق نصيحة السيّد حسن، وبدأ بتطبيق النموذج قبل شهور. إذا أخذنا هذا المنطق إلى خواتيمه، فإنّه يوحي بأنّ بعض الحلّ يكمن في الاستعاضة عن مشروع الدولة بمنطق الزبائنيّة والمصالح. وهكذا يضمن أباطرة المال منذ اليوم انتصارهم في الانتخابات المقبلة.

ولقد اقترح السيّد أن يصار، في أسوأ الأحوال، إلى تعويم الحكومة المستقيلة، وطالب رئيسها حسّان دياب بموقف وطنيّ مسؤول من خارج الصندوق. لكن كيف نسي في آخر خطابه النصيحة التي أسداها للجميع في مستهلّ هذا الخطاب، وهو فيها محقّ، أنّ معالجة المشاكل لا تكون بالسطحيّة، بل بتحليل الأمور والنفاذ إلى أعماقها. لماذا لم يخبرنا من أفشل حكومة حسّان دياب ولماذا فشلت؟ لماذا لم يحلّل الأسباب؟ وكيف تنجح غداً اذا فشلت البارحة؟

بحسب الأمين العامّ لحزب الله، تقف الصين على بابنا وتقرع. وهي مستعدّة لاستثمار المليارات في بلادنا. كيف تستثمر الصين في بلد إدارته فاسدة وقوانينه لا تطبّق ومجلس نوّابه، الذي حزب الله جزء منه، فاقد للشرعيّة الشعبيّة ويتلهّى بالألاعيب القانونيّة من التدقيق الجنائيّ إلى السرّيّة المصرفيّة؟ والكلّ يعرف أنّ هذا المجلس لا يستطيع أن يراقب ويحاسب لأنّ المجرم والسارق وقاطع الطرق لا يحاكم نفسه.

الحقّ أنّي كدت لا أصدق أذنيّ حين استمعت إلى خطاب السيّد حسن نصرالله. ربّما يقول قائل إنّ هناك مشكلةً بنيويّةً في منطق حزب الله تتلخّص في أنّه ينظر إلى العالم باعتباره يتألّف من محورين: محور شرّ مسؤول عن كلّ الجرائم، ومحور مقاومة يقف إلى جانب الحقّ وينافح عنه. في عرف هذا المنطق، الدنيا لا تشتمل سوى على لونين: أسود وأبيض. هذا إشكاليّ طبعاً من وجهة نظر نقديّة، كونه يستند إلى مقاربة تبسيطيّة لأحوال السياسة. لكنّه يناقَش. أمّا بعض ما أتى على لسان حسن نصرالله، في كلمته الأخيرة، فلا علاقة له بالثغرات البنيويّة، بل هو كلام ينمّ عن سورياليّة موصوفة ويوحي بأنّ السامعين سذّج أو أغبياء. هل ما زال حزب الله يعيش في لبنان أم على كوكب آخر؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها