الإثنين 2021/03/01

آخر تحديث: 13:47 (بيروت)

مواقف ثقافية وعلمانية من خطاب بكركي

الإثنين 2021/03/01
مواقف ثقافية وعلمانية من خطاب بكركي
كلمة الراعي أثارت حفيظة علمانيين.. فأين أصابوا وأين أخطأوا؟ (عباس سلمان)
increase حجم الخط decrease
منى فياض: عن موقف بعض العلمانيين من البطريرك الراعي
ليس لديّ اي تحفظ ضد أي معتقد كان. حرية المعتقد حق مقدس. سواء كان إيماناً دينياً أو إلحاداً، حزبياً أو علمانياً، تؤمن بالله أو بالصدفة... ومن المستغرب على مؤمن بنظريات فرويد أو ماركس أو نيتشه أو داروين أن يرفض للمتدين إيمانه بالله. كما لا أجد أن الإيمان بـ"الطبيعة الأم" يختلف في شيء عن الإيمان بخالق. في الحالتين لن نعرف السبب، ولا ما وُجد قبل البيغ بانغ. لذا لا فرق بين المعتقدات مهما كانت: دين ابراهيمي أو أي من أديان آسيا من بوذية وكونفوشية أو غنوصية أو غيرها. 
ما هو غير مقبول أن يجبرني هذا الآخر على الإيمان بمعتقداته أو  اتباعها، سواء بالقوة والسلاح أو بالحيلة أو بالرشوة. في ما يتعلق بخطاب البطريرك الراعي التاريخي، أؤيده لأنه يعبر عن موقفي كمواطنة لبنانية همها إنقاذ لبنان أولاً قبل أي شيء آخر. وحتى الآن، لا طريق آخر لبلوغ ذلك. 
يا سادة، في زمننا الحالي لا وجود لكم خارج هوية وجنسية بلد معين. إن أي شخص من دون وطن وجنسية هذا الوطن، يعني أنه غير موجود، غير موجود في أي سجل معترف به دولياً ولا يملك اي حق، مطلق حق، لا يتطبب ولا يتعلم ولا يسافر ولا يعمل. اللهم إلا عبداً في زريبة أحدهم. 
الراعي عبّر عن موقف فئة وازنة من اللبنانيين ومن جميع الطوائف والمناطق والانتماءات... هو موقف وليس قانوناً يلزمك بطاعته، وليس ديناً يلزمك باتباعه، وليس تهديداً يرفع اصبعه ليخيفك به. ولا يرفقه بـ"سنقتلكم إذا خالفتمونا". 
انه موقف ورأي ولكل شخص حرية قبوله أو رفضه. لكن أن يُرفض لأن صاحبه رجل دين ولا يحق له التدخل في السياسة! فهذا موقف مجحف وغير مقبول. لرجل الدين الحق في إبداء رأي سياسي، ما لا يحق له هو إجباري على طاعته. إن ما نطالب به فصل الدين عن الدولة، وليس منع رجال الدين من اتخاذ مواقف غير ملزمة لأحد الا باختياره الحر. 
من الملاحظ ان بعض المعترضين باسم العلمانية او الشيوعية، يقبلون من يلوح لهم بلاءاته وهو مدجج بالسلاح الديني المقدس ولا يجرؤ على الاعتراض، مع انه يلزم الدولة جميعها ويلزمهم شخصياً بخياراته، ويجبرهم على الخضوع لسلاح ممول من دولة أجنبية تتبجح باحتلالها لبنان.
يمكنك ان تكون ضد موقف البطريرك ، لكن كن ضده في السياسة وبشجاعة، ولا تتلطَّ خلف معتقدك الذي لا أرى أنه يختلف عن الإيمان الديني الذي ترفضه.
هل يمكن لعلماني موضوعي وعاقل أن يرفض كلام وموقف البطريرك الذي يطالب بتطبيق الدستور اللبناني الذي يحفظ حق مواطنيه في حرية المعتقد؟ أي أن يكون ملحداً أو علمانياً أو بهائياً أو يهودياً أو بوذياً؟ .... أو أي دين آخر.

بلال خبيز: لا يصبح المرء مواطناً الا بالاختبار
هناك الكثير مما يجب الحديث عنه في ما يخص مبادرة الراعي وردود حزب الله المحتملة عليها. لكن هذا لا يحجب إلحاح الحديث عن أزمة العلمانيين ومحنتهم التي تتبدى واضحة اليوم. 
في لبنان، لا يصبح المرء مواطناً الا بالاختبار فهو يولد ابن طائفة ومنطقة، لكنه قد يتحول علمانياً بالاختبار والتجربة، لا مكان في لبنان يولد المرء فيه علمانياً، وهذا يطرح مشكلة مستعصية على أي حزب أو جهة علمانية، تطمح لأن تكون جامعة وحاشدة...
  ومهما بلغت قدرة أي حركة علمانية على التحشيد، إلا أن أمكنة ولادة ونشأة أبناء الطوائف موجودة وحاشدة، ذلك أن المدن التي ترعى الاختلاط والتنوع، هشّة، وغير قادرة على تعميم نموذجها على بقية أرجاء البلد، أي أن المرء محكوم في أن يولد ابن طائفة في بعلبك أو غزير، لكنه قد يتحول مواطناً إذا اتصل بواحدة من المدن المتنوعة، واختبر معنى التنوع، وهذا في حد ذاته قصور عضوي تواجهه أي حركة علمانية في لبنان...
باختصار، كان محسن ابراهيم يقول إن "منظمة العمل"(الشيوعي) وبعض اليسار، ظنوا في مطلع الحرب انهم يستطيعون ركوب الطوائف ودفعها لتنفيذ برنامج العلمانيين، لكنهم اكتشفوا متأخرين ان الطوائف ركبت العلمانيين وأنجزت مشاريعها على ظهورهم...
نقطة أخيرة على عجل، رغم صعوبة ولادة المواطن اللبناني وتعسرها حين يكون البلد مستقراً ومزدهراً، إلا أن هذه الصعوبة تصبح شبه استحالة حين يكون البلد فاقداً للأمل والمستقبل. في هذه الحال، تنفض الجموع عن قياداتها التقليدية لأنها تعتبرها ضعيفة العصب وتتحول الى جمهور من اليائسين، وهذا في حد ذاته أحد أسباب استعجال العلمانيين اليوم لإنجاز برامج مسلوقة سلقاً ولطالما كانت مسلوقة منذ القِدَم.

طلال الحسيني... وداوِني بالتي كانت هِيَ الداءُ
سبق لنا أنْ توقّفنا مرّات عديدة عند الشعارات الفارغة التي يُطلقها هذا المرجع الدينيّ أو ذاك، وذلك إلى درجة الشعور بخطأ النظر بجدّيّةٍ إلى تلك الشعارات بل إلى درجة الشعور بضرر اعتبارها اعتباراً جِدّيّاً. لكنّ ذلك لا يعني عدم النظر في المعنى الحقيقيّ لتلك الشعارات ولأثرها الخبيث في تصوّرات جمهور اللبنانيّين وتحرّكاتهم. ومن ذلك الاستعراض الذي قدّمه البارحة البطريرك المارونيّ بشارة الراعي. فمن بداية حركة الاحتجاج التي ما زالت تنتظر ارتقاءها إلى درجة الثورة السلميّة في مواجهة الصيغة الطائفيّة والتدخّل الأجنبيّ غير المشروع اللذين يهدّدان الكيان اللبنانيّ بالزوال، ما زال بشاره الراعي يعمل على مصادرة تلك الحركة وتوجيهها نحو تثبيت الصيغة الطائفيّة في الحكم والإدارة والمجتمع والاستنجاد بالتدخّل الأجنبيّ غير الشرعيّ. فرغم ادّعائه الكلام باسم الشعب اللبنانيّ، فما يدعو إليه ليس سوى عملٍ بالقول الفاسد وطنيّاً "وداوني بالتي كانت هِيَ الداءُ": فالدواء عنده في الحقيقة هو المزيد من التعبئة الطائفيّة والمزيد من الاستنجاد بالقوى الأجنبيّة، أمّا "الشعب اللبنانيّ" فدوره في هذه الدعوة لا يتعدّى الصراخ تحت وصاية هذا المحترم واستثمارِه. فما قاله في الحقيقة لا يتعدّى دعوة عصابات الطوائف إلى إتمام المحاصّة في ما بينها وإنْ لم تفعل فلا سبيل سوى اللجوء إلى أسيادها من الدول الأجنبيّة.

سحر الخطيب... عزيزي العلماني
بعدما قرأتُ أكثر من رأي - يعرّف عن نفسه بأنه ثوري تغييري- يأخذ على بكركي صفتها الروحية وإبداء رأيها السياسي ويقول بأنه يريد علمانية لا كلمة فيها للطوائف ورجال الدين، أوردُ بعض الملاحظات من باب حرية إبداء الرأي.
أولاً، العلمانية حصرت الممارسة السياسية السيادية في الدولة، وهذا بالضبط ما قالته بكركي اليوم..
ثانياً، عزيزي العلماني الذي لم يستطع تمرير خطاب البطريرك. أربعون عاماً وأنت تسمع رجل دين يحمل السياسة في يد، والسلاح في الأخرى، ثم حين نزلت شارع الثورة نظّرت سرّياً بضرورة أن تتجنبه وأن تتعامل معه بموضوعية وأن تفكر كيف تصل لنقاط غير متشابكة معه لتصل لهدفك، وأعلى ما توصلت إليه هو نقد سلاحه (هذا جيد) دونما تفكيك موضوعي لحديدية القاعدة الطائفية التي ينمو عليها والتي هاجمتك حتى باتت الخيام أثراً بعد عين! هاك خطاب قد حددَ هدفاً، فناقِش في مضمونه! أما التذكير بمواقف سيد بكركي السابقة، فكيدية تُلزم الوضع بالبقاء على وضعه!
ثالثاً، وإن كانت لي أسئلة عديدة عن ترجمة هذا الخطاب السيادي الواضح الجريء وما بعده، وأسئلة أعمق عن قواعد العمل الدولي وإجراءاته ومصالحه وظروفه الدولية والإقليمية ومن ثم انعكاس ذلك كله في ما لو تم على محاولة ترجمة ذلك دستورياً، حيث الغلبة معقودة لجماعة العُقد ما غيرهم، إلا أن الخطاب هو بداية. بداية يفترض بكل من يريد لبنان الدولة أن يبحث عن طرق تطويرها وتسهيل ما يعوّق طريقه.

(*) مدونات نشرت في صفحات الفايسبوك بعد خطاب البطريرك، السبت الفائت..
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها