الجمعة 2021/02/26

آخر تحديث: 19:24 (بيروت)

السيادي حمد حسن

الجمعة 2021/02/26
السيادي حمد حسن
قراره السيادي متسق مع كل السيادات التي (لا)نعيش في ظلها (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

رغم الغضب والجدل اللذين أشعلتهما عبارة وزير الصحة، حمد حسن، عن "القرار السيادي" الذي اتخذه بتلقيح نواب ضد كورونا، وكأنه مِلك يمينه، إذ "لا وصاية دولية على وزارة الصحة"، وواعداً، بعد زيارة تلقيح للقصر الجمهوري أيضاً، بزيارات للمؤسسات الروحية، والسراي الحكومي إذا ما طلب رئيس الحكومة ذلك.. فإن الوزير، على الأرجح، لم يخطئ في التعبير.

كل ما في الأمر أننا، كمواطنين، و"بسذاجة" مَن يتلقى الكلام كما يجب أن يكون، كالمتعارف عليه بين البشر والفاهمين والمتفقين على أبسط معايير الحقوق والواجبات، وفي أحسن وأنظف السياقات المأمولة، فكّرنا بالسيادة وقراراتها بمعناها الأحق. نحن الذين استقبلنا الكلام على أساس أن القرارات السيادية هي سلطة يوليها الناس لشخص أو مؤسسة، في مقابل حمايتهم، جسدياً وأمنياً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أي في مقابل تأمين الصالح الجَمعي.. وربما أيضاً الرفاه! وهي نفسها السيادة التي، إذا وحينما يفشل حاملها في مهمته، يستعيدها الناس تمهيداً لإبرام عقد جديد. نحن "البسطاء" الذين انطلقنا باستنكارنا وحنقنا من فكرة أن المُمسك بصلاحية القرار السيادي، يفترض أن يمثّل المصلحة المشتركة للُبنانيين متساوين في الحقوق والواجبات، وبذلك يكون دوماً على صواب طالما أنه يعمل من ضمن القانون وهذه المصلحة المشتركة. والأهم أن السيادة، وإن كانت صواباً دائماً في ذاتها، في مُطلَقاتها، فقراراتها ليست بالضرورة متنورة أو صائبة أو حتى حسنة النيّة.

مجدداً، كل ما في الأمر، أن الوزير حسن لم يُكمل عبارته. ربما لأن استكمالها لزوم ما لا يلزم، أو لأنه يعلم أننا نعلم البقية، أو بالأحرى تذكرناها، مُجبَرين، بعد تلاشي آثار الصدمة والانفعال. هو قرار سيادي... قسري. اتخذه وزير يمثل "حزب الله" المسلّح، وزير "الجناح السياسي" إن كان لذاك الشيء جناحان. قرار وزير في حكومة من لون واحد، ومستقيلة تحت ضغط المنتفضين ورافضينها في الشارع. حكومة فاقدة للشرعية اتخذت "قراراً سيادياً" بتلقيح نواب على قاعدة "اللي بيشوفك بعَين بدك تشوفه بعَينتين" كما قال حسن مبرراً هذه "المكافأة" التي ارتآها فجادَ بها تقديراً لبرلمان اجتمع (مشكوراً على أقل واجباته!) سبعة أيام متتالية لإقرار قانون الاستعمال الطارئ للقاحات. وهو نفسه البرلمان الذي شهد استقالات احتجاجية لنواب تفاعلوا، بأضعف الإيمان، مع صرخات الناس المطالبة بالتغيير والعدالة والشفافية والمساءلة. قرار سيادي قسري، مِن المُراقَب (الحكومة)، لمُراقِبه المفترض (النواب)، وغب الطلب لمؤسسات روحية وحكومية، وما عليهم إلا أن يطلبوا ويتمنوا. قرار سيادي قسري، ومثله على الأرجح آلاف القرارات التي لم تُعلَن، تساوي آلاف اللقاحات "الضائعة" (بحسب لوائح تقارن أرقام توزيعها وأعداد متلقّيها)، وفوضى التوزيع على المراكز، ونسبة النصف تقريباً من الملقحين من خارج منصة التسجيل. قرار سيادي قسري، لا يخضع لوصاية دولية، لكنه مستفيد من قرض البنك الدولي المشروط بعدالة توزيع اللقاحات وعدم خرق الأصول القانونية والأخلاقية للتلقيح، وعدم تجييره لأي محسوبيات أو انتفاعات. خرق الشروط، في عُرف الوزير السيادي، لا يبطل قراره الخارق الحارق.

سيادة، لكن قسرية. أشبه بما تمارسه الشرطة والجيوش حين تتسلم الزمام. سيادة الأمر الواقع، الاستحواذ على قوة القرار، وإلغاء البدائل. هذا في عِلم السياسة. في لبنان، القسري نتيجة أنه، ببساطة، عالق. فهذه سيادة غير قابلة لأي تعديل، سَيرُها في شارع باتجاه واحد، دوماً باتجاه السلطة المزورة نفسها. سيادة مستعصية، كنا نعتقد أننا مالكوها الحقيقيون، نفوّض بها من نراه جديراً وملتزماً بمصالح عموم اللبنانيين وأفرادهم. في حين أن حتى الحكومة الصاعدة، لتحلّ محلّ المستقيلة، لا أفق منظوراً لتشكيلها، للأسباب اللبنانية ما غيرها: المحاصصة، عقلية المَنهَبة، البازار الإقليمي (طابق ثان من السيادة القسرية)، الاستقواء، الصلف والتعالي وانفصال وقح عن الواقع.

نحن "السذّج"، والوزير على حق. نحن الذين استسلمنا لبراءة استغرابنا، ونسينا كل ما سُرق منا، وكأن للّقاحات أن تكون استثناء. غفلنا، لوهلة، عن السيادات القسرية التي (لا)نعيش في ظلها. من المؤسسات الرئاسية الثلاث، إلى الوزارات، واللجان النيابية (التي تستدعي الإعلاميين بدلاً من الوزراء!)، إلى همايونات مصرف لبنان، وأصغر مصرف في أبعد قرية لبنانية لا يسع أهلها وطلابها الحصول على أموالهم منه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها