الثلاثاء 2021/02/02

آخر تحديث: 11:58 (بيروت)

أحمد بيضون.. أنّ الموتَ ضَربٌ من القَتلِ

الثلاثاء 2021/02/02
أحمد بيضون.. أنّ الموتَ ضَربٌ من القَتلِ
increase حجم الخط decrease
هذا التكاثُرُ في أخبارِ الموتِ - وبينَها، كلَّ يومٍ، عزيزٌ أو أكثرُ لهذا أو ذاكَ منّا - يمنحُ وجاهةً مؤكَّدةً لاعتِبارِ الوَباءِ نوعاً من الحرب...
وما يُزَكّي هذا الاعتِبارَ ليس كثرةَ الوَفَياتِ وَحْدَها بل الكثرةُ مقرونةً بوَحْدةِ السبب ومع هذينِ عَشْوائيّةُ الأذى وتَوَزُّعُ الإصاباتِ إلى فئةٍ تُعادِلُ القَتْلى في الحربِ (وهي فئةُ الوَفَياتِ) وأخرى تُعادِلُ الجرحى (وهي فئةُ المصابين الذين يخرُج بعضُهُم من المحنةِ سالِماً ويخرجُ البعضُ الآخَرُ بأضرارٍ متباينةٍ نوعاً ودرجةً).
ويَصِحُّ اعتِبارُ أفرادِ الهيئاتِ الطبّيّةِ، في الوَباءِ، مُعادِلاً للجيشِ في الحربِ، يخْتَلِفُ موقِعُهُم منها عن موقعِ "المدنيّين"، أيْ سائرِ الناسِ، ويُصْبِحون أكْثَرَ تعَرُّضاً للإصابةِ من هؤلاء. ويُشارُ إليهم، كلَّ يومٍ، في كلِّ حالٍ، بعبارةِ "الجيشِ الأبيضِ" وهذا وصفٌ في مَحَلّه، ولو أنّ الجيشَ العَدُوَّ في حالَتِهِم خَفِيٌّ ومُغايِرّ لَهُم في النوعِ ومُلابِسٌ لضَحاياهُ بحيثُ يَبْدو إنشاءُ خطٍّ مَعْلومٍ للجبهةِ أمراً في غايةِ العُسْر.
وأمّا ما وصفناهُ بـ"وَحْدةِ السَبَب" (سببِ الموتِ أو الأذى) فهو، في حالةِ الحرْبِ، اسْتِواءُ العُنْفِ عِلّةً غامِرةَ الحضورِ للموتِ والدَمارِ وهو، في حالةِ الوباءِ، الأذى الواسعُ النِطاقِ لهذا الفيروسِ الواسعِ الحيلة. وفي هذا ما يخالفُ قولَ المتنبّي في الموتِ "الطبيعيّ": "...تَنَوّعَت الأسْبابُ والموتُ واحدُ".
ويُشْبِهُ الحَجْرُ في الوباءِ إقامةَ الناسِ في المَلاجئِ، في أيّامِ الحَرْب، وتُشْبهُ تدابيرُ الحمايةِ التي يتَّخِذُها الجسمُ الطبّيُّ في الوَباءِ إجراءاتِ تحصينِ المواقِعِ وحمايةِ الجُنودِ في الحرب.
وما دُمْنا ذَكَرْنا الدَمارَ فَلْنُشِرْ إلى أنّهُ حاضرٌ في حالةِ الوباءِ حضورَهُ في حالةِ الحرب. وهو يَتَّخِذُ، في الأولى، صيغةَ تعطيلِ الأعْمالِ وقَطْعِ الأرزاقِ ووَقْفِ المَشْروعات...
هذا كُلُّه (وهو غيرُ حَصْرِيٍّ) يسوقُ انتباهَنا إلى خُلاصةٍ أخرى للمتنبّي نَفْسِه طالَما وَجَدْتُها رهيبةً حَقّاً:
"إذا ما تَأَمَّلْتَ الزَمانَ وصَرْفَهُ / تَيَقَّنْتَ أنّ المَوْتَ ضَرْبٌ مِن القَتْلِ!"...

(*) مدونة نشرها الباحث أحمد بيضون في صفحته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها