الثلاثاء 2021/12/07

آخر تحديث: 12:24 (بيروت)

"القاهرة السينمائي"..7 أفلام تقول أشياء عن مستقبل السينما العربية

الثلاثاء 2021/12/07
"القاهرة السينمائي"..7 أفلام تقول أشياء عن مستقبل السينما العربية
من الفيلم السعودي "بلوغ"
increase حجم الخط decrease
"هدفي الرئيسي هو دعم صناعة السينما في مصر والدول العربية". كانت هذه كلمات محمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حتى قبل بدء فعاليات دورته الـ43 في 26 تشرين الثاني الماضي.

كلمات تُرجمت في اختيارات برمجة المهرجان، أبعد من الاحتفاء بالعرض العالمي الأول للفيلم الطويل للممثل التونسي ظافر العابدين، "غدوة"، حيث حضرت إنتاجات عربية أخرى جديرة بالاهتمام. وإن كانت بعض العناوين المعروضة، مثل "دفاتر مايا" لمايا حاجي توما وخليل جريج و"مجنون فرح" لليلى بوزيد و"الغريب" لأمير فخر الدين، قد جاءت بختم الجودة من مهرجانات أخرى أثقل وزناً، مثل "برلين" و"كانّ" و"فينيسيا"، فإن العديد غيرها - من دون خلفية دولية كبيرة - عُرض في القاهرة، وللمرة الأولى في بعض الحالات. هذا لا يعني بالضرورة احتفاءً مطلقاً بالدورة وتنظيمها، بالنظر لما خالطها كالعادة من سقطات واختيارات وتسويات وأمور أخرى ليست بغريبة على كافة المهرجانات والفعاليات السينمائية العربية.

ما يهمّ هنا هو الإشارة إلى تلك الأفلام أدناه، وهي مجموعة صغيرة منتقاة لا تشترك في جودتها النسبية فحسب، بل توضّح التنوع الحالي لسينما عربية تتجه نحو المستقبل بخطوات متباينة المحطّات، كما أصحابها ورؤاهم...



لا يمكن الحديث عن هذه الأفلام من دون البدء أولاً بـ"أبو صدّام"، الفيلم المصري الوحيد المنافس على "جائزة الهرم الذهبي"، أكبر جوائز المهرجان. في الفيلم نتابع رحلة الشخصية التي أعطت الفيلم عنوانه (يؤدي الدور محمد ممدوح، جائزة أفضل ممثل) ورفيقه في السفر، وهما يكتشفان عبر الطرق المصرية قصصاً وأشخاصاً تقودنا إلى الأسباب التي دفعت أبو صدّام، وهو سائق شاحنات ثقيلة، للعودة إلى مقصورة القيادة بعد انقطاع عن العمل دام لسنوات. للحديث عن هذه الشخصيات، وعن عالم ذكوري للغاية، لدينا المخرجة نادين خان، التي تقارب الموضوع بلغة تبدو بعيدة جداً من المعتاد في هذه الأجزاء، لتنجز فيلماً يجعلها أخيراً "تؤخذ بجدّية" ويؤكّد موهبتها التي قدّمت لمحات منها في فيلمها الأول قبل عشر سنوات تقريباً.



أيضاً في المسابقة الرسمية للمهرجان نجد "بنات عبد الرحمن"، وهو كوميديا ​​درامية من الأردن للمخرج زيد أبو حمدان في أولى تجاربه السينمائية. هنا نتبع أربع شقيقات مختلفات للغاية يجتمعن للمرة الأولى منذ سنوات في بيت أبيهن الذي سيتعيّن عليهن إيجاده بعدما خرج ولم يعد. في رحلة بحث طويلة وحافلة بالمفارقات والشجارات وفرص إعادة النظر، ينتصب الفيلم كوميديا ​​تحرُّر، ونادياً نسائياً للتمكين، من دون أن ينسى القضايا الاجتماعية والسياسية المتعلقة بدور المرأة في المجتمع العربي، مثل العنف الأسري وزواج القاصرات والتمييز بين الجنسين والنقاب. مزيجٌ عربي النكهة يواكب صعود الخطاب النسوي عالمياً، في لعبة سينمائية مُجرَّبة ومضمونة التأثير، ليس على مستوى الجمهور المحلي فحسب وإنما بإمكانها العيش بسهولة في العروض الدولية لجمهور أوسع. وبالفعل، حصد الفيلم جائزة تصويت الجمهور.



ومن الأردن نقفز إلى السعودية، بفيلم يمثّل أول إنتاجات مهرجان البحر الأحمر السينمائي، لكن عرضه الأول أقيم في القاهرة. الحديث هنا عن "بلوغ"، أنطولوجيا فيلمية بتوقيع خمس مخرجات سعوديات (هند الفهاد، جواهر العامري، نورا الأمير، سارة المسفر، فاطمة البنوي)، تظهر أن ثمة أسماء جديدة في المشهد السينمائي السعودي ستضاف إلى جانب الرائدة هيفاء المنصور. من ضغوط النضوج وعبور الطفولة إلى المراهقة، إلى أعطاب الذاكرة وخرف الشيخوخة، أو الأمومة، أو الإجهاض، أو حتى مجرد الحق في القيادة.. يتناول الفيلم موضوعات مُلحّة وحَسَّاسة (بالمعايير السعودية) لا تؤكد على دور السينما كسلاح لإبراء الذمّة وكشف المسكوت عنه فحسب،  وإنما أيضاً لمكافحة الكليشيهات والتصورات الخاطئة والسطحية عن المرأة السعودية.



من مسابقة آفاق السينما العربية، يأتي اقتراح آخر، "قدحة" أو "حياة ثانية" للتونسي أنيس الأسود. دراما عن صبي يحمل الفيلم عنوانه، دهسته سيارة، ثم اكتشف أن والدته - أثناء رقاده في المستشفى - وافقت على بيع إحدى كليتيه لزوجين ثريَين يعيشان معها الآن تحت سقفٍ واحد. مصير تلك الكلية يؤول إلى أسامة، ابن الزوجين الثريين، الذي سيتحد مع قدحة لمساءلة أخلاقيات الصفقة بأكملها. على طول الطريق، هناك نقد للمجتمع وللبنية الأسرية حيث يعاد النظر والتشكيك في سلطة الآباء على أطفالهم. حكاية تأملية ومباشرة بعيون طفل صغير يكتشف العالم، تأخذ من قول جبران "إن أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها..." منهجها لتشييد تجربة سينمائية بصرية تبرز التباين بين رؤية الصغار والكبار.

بعيداً من مشهديات الحرب والبطولة الأميركية، لا يطالعنا كل يوم إنتاج سينمائي تجري أحداثه في عراق ما بعد الغزو. "كلشي ماكو" (أو"نهرنا .. سماؤنا" كما يقول عنوانه الإنكليزي) للمخرجة البريطانية الجنسية العراقية المولد ميسون الباجه جي، ينقلنا إلى العراق حيث تمكث رائحة البارود في الهواء و"لا شيء يعمل"، وتحديداً في خلفية أعمال العنف الطائفي في الأسبوع الأخير من العام 2006، بين عيد الميلاد وعيد الأضحى. الفيلم المعروض للمرة الأولى في مهرجان سراييفو وشهد عرضه الإقليمي الأول في القاهرة، لا يخفي مظهره محدودية ميزانيته، ولا تكوينه الأقرب للمسرح والأفلام التلفزيونية، لكنه يجد قوته في نصوصٍ وشخصيات، مصممة بعناية وذكاء لإظهار عدد لا نهاية له من العقبات التي يتعيّن على العراقيين مغالبتها، والتي تتجاوز الإرهاب.



يتبقى فيلمان يمثلان جزءاً من السِجل الوثائقي المنتعش عربياً في السنوات الأخيرة. في "تمساح النيل" للمصري نبيل الشاذلي، نتابع البورتريه الحميمي لعبد اللطيف أبو هيف، الرجل الذي أدركته البطولة وهو لا يزال طفلاً في العاشرة بمدينة الإسكندرية، والذي سيرى إرثه معترفاً به دولياً في العام 2001، عندما حصل على جائزة "سبّاح القرن العشرين" واعتبره الاتحاد الدولي لمحترفي السباحة الطويلة أعظم سبّاح في التاريخ. عبر مقابلات معه ومع آخرين من أفراد العائلة والمعارف وبالاستعانة بالأرشيف، يعيد الصديق القديم الاعتبار لشخصية كاريزمية وسبّاح أسطوري لم يجد التكريم اللائق في بلده، وعلى طول الطريق يوازي الفيلم المسارَ الرياضي-الشخصي بحديث عن المسار السياسي لمصر على مدى عقود، ما يعلي من قيمته التاريخية والتوثيقية.

وأخيراً هناك "من القاهرة"، وهو فيلم تسجيلي شخصي وبسيط بتوقيع المصرية هالة جلال، تتابع فيه هبة، وهي مصورة صحفية وفنانة وأمّ عزباء تكافح من أجل تغطية نفقاتها. في جلسة علاجية، تلتقي هبة بآية، وهي شابة فقدت والديها وتحاول التوافق مع التوقعات الاجتماعية لمحيطها بارتداء الحجاب. فيلم آخر يسائل وضع المرأة في العالم العربي، وفي هذه الحالة يتعلّق الأمر بالعاصمة المصرية، التي تحاول المخرجة إسكات خوفها الذاتي منها بالتفتيش في قصص سيدتين من سكّانها تعانيان قسوة العيش والاعتداء الجسدي واشتراط المجتمع الأبوي قبول المرأة في وضع المفعول به فقط. حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم غير روائي في مسابقة "آفاق السينما العربية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها